تعود القوى التقليدية لليسار الجزائري إلى المشهد السياسي والانتخابي في البلاد، عشية الانتخابات الرئاسية المقررة في 18 إبريل/نيسان المقبل، مع تقديم أحزاب اليسار مرشحين عنها. لكن حظوظ اليسار لا تبدو كبيرة، على الرغم من تبنّيه العميق للمطالب الاجتماعية والشعبية، بسبب فقدانه للعوامل المؤثرة في العمل السياسي والانتخابي، وتصادم خياراته مع التوجّهات الليبرالية للحكومة والمجتمع السياسي، إضافة إلى عودته إلى خطاب التصادم مع الإسلاميين. فعشية الانتخابات الرئاسية، وعلى الرغم من المساحات الفارغة التي أوجدتها سياسات السلطة وإخفاقاتها، لا يبدو أن اليسار نجح في إعادة ترتيب أوراقه، أو إحداث مراجعات فكرية تؤهله للقيام بدور أكثر فاعلية وتحقيق حضور أكبر في المشهد السياسي والانتخابي.
وأنهت "الحركة الديمقراطية والاجتماعية" (الأمدياس) أكثر من عقدين من القطيعة مع الاستحقاقات الانتخابية، اذ لم يشارك الحزب منذ دخول البلاد عهد التعددية السياسية في أغلب الاستحقاقات الانتخابية المتعددة التي شهدتها الجزائر، وظل يتمسك بموقفه التقليدي الذي يصف فيه الانتخابات بكونها "مسرحية سياسية تعطي الشرعية للنظام السياسي ولا تحقق القطيعة مع نظام الريع". وفي خطوة جريئة، قررت الحركة المشاركة في الانتخابات الرئاسية، وقدّمت مرشحها الشاب فتحي غراس، والذي يشغل منصب المتحدث الرسمي باسم الحركة.
وتُعدّ الحركة الوريث التاريخي للحزب الشيوعي الجزائري، الذي تحوّل لاحقاً إلى حزب "الطليعة" ثم "التحدي". وقبل أسبوع ساهمت الظروف غير الإنسانية التي أدت إلى وفاة المناضل اليساري والمنسق العام للحركة حميد فرحي، في إعادة لفت الأنظار إلى هذا الحزب اليساري، والذي عاد مجدداً إلى قلب النقاش السياسي في الجزائر، بسبب مشاركته وحضوره في الفترة الأخيرة في مجمل التحركات الاحتجاجية الشعبية والمطلبية في عدة قطاعات ومناطق، بعد سنوات من الفتور، منذ وفاة زعيم الحزب الهاشمي شريف عام 2005.
وقال المرشح الرئاسي فتحي غراس إن ترشحه للانتخابات يستهدف إعادة اقتحام المشهد السياسي وطرح أفكار جدية وإحداث قطيعة مع السياسات الراهنة، مضيفاً في بيان ترشحه "علينا أن نكسر العلاقة بين العمل السياسي والامتيازات الممنوحة من قبل المنظومة الحالية. أريد من خلال ترشحي لرئاسيات 2019 أن أجعل من الانخراط في النضال السياسي عملاً جماعياً يتبناه المواطنون المؤمنون بضرورة التغيير الديمقراطي والدفع بالوطن نحو التقدّم والعصرنة، ونعتقد أنه يمكننا أن نبدأ الآن لأن لكل مشروع لحظة بداية".
ويمثّل غراس الجيل السياسي الجديد لليساريين في الجزائر، ويطرح تصورات سياسية واجتماعية جديدة، لكنها تظل ضمن الطرح اليساري الذي يرتكز على البُعد الاجتماعي والعمالي. غير أنه لم يكشف حتى الآن عن مراجعات عميقة في الطروحات، وأثارت بعض تصريحاته حول الإسلاميين والإسلام السياسي المخاوف نفسها من استمرار المسافة نفسها التي كانت تفصل هذه الحركة اليسارية عن الفصيل الإسلامي، خصوصاً أن الحركة ما زالت تحمل بنظر الكثير من الفصائل السياسية إرث دعمها لتوقيف المسار الانتخابي من قبل الجيش في يناير/كانون الثاني 1992، والتي أدت إلى حرب أهلية دامية في البلاد، وكذلك توظيفها من قبل السلطة خلال تلك المرحلة.
اقــرأ أيضاً
لا تنفرد هذه الحركة وحدها بتمثيل اليسار في الجزائر، وإن كانت الأكثر قرباً إلى المرجعيات التقليدية لليسار، بل يبرز أيضاً حزب "العمال الاشتراكي" الذي يتبنّى الحراك العمالي في أكثر من قطاع. لكن "العمال"، الذي تقوده المرشحة الرئاسية السابقة لويزة حنون، هو الأكثر حضوراً في المشهد السياسي في الجزائر، وإذا كان قد قاطع أول انتخابات رئاسية عام 1995 كموقف رافض لانقلاب الجيش عام 1992، ثم انتخابات عام 1999 التي حملت الرئيس الحالي عبدالعزيز بوتفليقة إلى الحكم، فإن حنون شاركت كمرشحة رئاسية في انتخابات 2004 و2014. ويقوم الحزب في الوقت الحالي بجمع التوقيعات تمهيداً لترشيح حنون، بعد العودة عن قرار سابق أعلنته بعدم رغبتها في الترشح للرئاسيات المقبلة، بسبب ما اعتبرته عدم توفر الظروف السياسية الطبيعية لإجراء الانتخابات.
ومع ترشح شخصيتين يساريتين هما فتحي غراس ولويزة حنون، وعلى الرغم من تباين مواقفهما، لكن هناك مخاوف من تشتت أصوات الكتلة اليسارية. ورأى الناشط في "العمال الاشتراكي" سمير بلعربي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنه كان من الأفضل لو بادرت القوى اليسارية إلى ترشيح شخص واحد، مضيفاً "قد لا أتفق مع توصيف فتحي غراس كمرشح عن اليسار، فالمرشح اليساري لا ينبغي أن يتفق مع سياسة الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وكان يمكن للحركة الاجتماعية والديمقراطية أن تفتح نقاشاً واسعاً مع تشكيلات أخرى لاقتراح مرشح للانتخابات الرئاسية". وأشار إلى ضرورة أن يبادر "ما تبقى من قوى اليسار المناضل في الجزائر إلى مناقشة وتوحيد القوى لمقاومة المدافعين عن هذه الحكومة الليبرالية والضغوط المتعددة للغرب الرأسمالي".
وأقر العضو في حزب "العمال" بتقلص مساحات الحضور السياسي لليسار بفعل عوامل متعددة، "بعضها ذاتية ترتبط بعدم قدرة القوى اليسارية على تجديد خطابها، وموضوعية تتصل بتعقد العمل السياسي في الجزائر"، مضيفاً "في الواقع فإن الأطراف والنشطاء الذين ما زالوا يتبنّون الفكر اليساري فقدوا مواقعهم على الأرض. لكن هذا لا يمنعهم من أن يكونوا حاضرين في النضالات الاجتماعية والصراعات اليومية، وهذه المشاركة والحضور ليسا مرتبطين ومصحوبين بنتائج انتخابية، فالقطاعات الحيوية لا تؤمن بالانتخابات كطريقة للتغيير".
ولا تبدو حظوظ مرشحي التيار اليساري في انتخابات الرئاسة كبيرة. وعن هذا الأمر، قال المحلل السياسي المهتم بتجربة اليسار في الجزائر، عبد الحميد إبراهيمي: "علينا أن نكون واقعيين، حظوظ اليسار ضئيلة في الانتخابات الرئاسية المقبلة"، مشيراً إلى أن "مشكلة التيار اليساري في الجزائر أنه نخبوي بامتياز ويعاني من ضعف الحضور الشعبي، على الرغم من بعض المواقف الداعمة للحقوق الأساسية للشعب الجزائري، خصوصاً من الزاوية الاقتصادية والاجتماعية"، مضيفاً "يتعين على القوى اليسارية النزول من النخبوية ومن استديوهات القنوات إلى عمق الشارع ومشاركته قضاياه اليومية، والاستثمار في الثورية التي عُرف بها الشعب الجزائري المؤمن بالمبادئ الاشتراكية وطابع الدولة الجزائرية، ومحاولة تأسيس قاعدة شعبية حقيقية". لكنه أكد أن "ذلك لا يمنع من الإقرار بالحضور القوي لليسار في المشهد السياسي الجزائري، منذ نضال الحركة الوطنية الجزائرية التي دعمها بمناضلين كبار في فترة الكفاح ضد الاحتلال الفرنسي، ومشاركته في كل التحوّلات السياسية التي حصلت في الجزائر منذ الاستقلال".
وتُعدّ الحركة الوريث التاريخي للحزب الشيوعي الجزائري، الذي تحوّل لاحقاً إلى حزب "الطليعة" ثم "التحدي". وقبل أسبوع ساهمت الظروف غير الإنسانية التي أدت إلى وفاة المناضل اليساري والمنسق العام للحركة حميد فرحي، في إعادة لفت الأنظار إلى هذا الحزب اليساري، والذي عاد مجدداً إلى قلب النقاش السياسي في الجزائر، بسبب مشاركته وحضوره في الفترة الأخيرة في مجمل التحركات الاحتجاجية الشعبية والمطلبية في عدة قطاعات ومناطق، بعد سنوات من الفتور، منذ وفاة زعيم الحزب الهاشمي شريف عام 2005.
وقال المرشح الرئاسي فتحي غراس إن ترشحه للانتخابات يستهدف إعادة اقتحام المشهد السياسي وطرح أفكار جدية وإحداث قطيعة مع السياسات الراهنة، مضيفاً في بيان ترشحه "علينا أن نكسر العلاقة بين العمل السياسي والامتيازات الممنوحة من قبل المنظومة الحالية. أريد من خلال ترشحي لرئاسيات 2019 أن أجعل من الانخراط في النضال السياسي عملاً جماعياً يتبناه المواطنون المؤمنون بضرورة التغيير الديمقراطي والدفع بالوطن نحو التقدّم والعصرنة، ونعتقد أنه يمكننا أن نبدأ الآن لأن لكل مشروع لحظة بداية".
ويمثّل غراس الجيل السياسي الجديد لليساريين في الجزائر، ويطرح تصورات سياسية واجتماعية جديدة، لكنها تظل ضمن الطرح اليساري الذي يرتكز على البُعد الاجتماعي والعمالي. غير أنه لم يكشف حتى الآن عن مراجعات عميقة في الطروحات، وأثارت بعض تصريحاته حول الإسلاميين والإسلام السياسي المخاوف نفسها من استمرار المسافة نفسها التي كانت تفصل هذه الحركة اليسارية عن الفصيل الإسلامي، خصوصاً أن الحركة ما زالت تحمل بنظر الكثير من الفصائل السياسية إرث دعمها لتوقيف المسار الانتخابي من قبل الجيش في يناير/كانون الثاني 1992، والتي أدت إلى حرب أهلية دامية في البلاد، وكذلك توظيفها من قبل السلطة خلال تلك المرحلة.
لا تنفرد هذه الحركة وحدها بتمثيل اليسار في الجزائر، وإن كانت الأكثر قرباً إلى المرجعيات التقليدية لليسار، بل يبرز أيضاً حزب "العمال الاشتراكي" الذي يتبنّى الحراك العمالي في أكثر من قطاع. لكن "العمال"، الذي تقوده المرشحة الرئاسية السابقة لويزة حنون، هو الأكثر حضوراً في المشهد السياسي في الجزائر، وإذا كان قد قاطع أول انتخابات رئاسية عام 1995 كموقف رافض لانقلاب الجيش عام 1992، ثم انتخابات عام 1999 التي حملت الرئيس الحالي عبدالعزيز بوتفليقة إلى الحكم، فإن حنون شاركت كمرشحة رئاسية في انتخابات 2004 و2014. ويقوم الحزب في الوقت الحالي بجمع التوقيعات تمهيداً لترشيح حنون، بعد العودة عن قرار سابق أعلنته بعدم رغبتها في الترشح للرئاسيات المقبلة، بسبب ما اعتبرته عدم توفر الظروف السياسية الطبيعية لإجراء الانتخابات.
ومع ترشح شخصيتين يساريتين هما فتحي غراس ولويزة حنون، وعلى الرغم من تباين مواقفهما، لكن هناك مخاوف من تشتت أصوات الكتلة اليسارية. ورأى الناشط في "العمال الاشتراكي" سمير بلعربي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنه كان من الأفضل لو بادرت القوى اليسارية إلى ترشيح شخص واحد، مضيفاً "قد لا أتفق مع توصيف فتحي غراس كمرشح عن اليسار، فالمرشح اليساري لا ينبغي أن يتفق مع سياسة الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وكان يمكن للحركة الاجتماعية والديمقراطية أن تفتح نقاشاً واسعاً مع تشكيلات أخرى لاقتراح مرشح للانتخابات الرئاسية". وأشار إلى ضرورة أن يبادر "ما تبقى من قوى اليسار المناضل في الجزائر إلى مناقشة وتوحيد القوى لمقاومة المدافعين عن هذه الحكومة الليبرالية والضغوط المتعددة للغرب الرأسمالي".
وأقر العضو في حزب "العمال" بتقلص مساحات الحضور السياسي لليسار بفعل عوامل متعددة، "بعضها ذاتية ترتبط بعدم قدرة القوى اليسارية على تجديد خطابها، وموضوعية تتصل بتعقد العمل السياسي في الجزائر"، مضيفاً "في الواقع فإن الأطراف والنشطاء الذين ما زالوا يتبنّون الفكر اليساري فقدوا مواقعهم على الأرض. لكن هذا لا يمنعهم من أن يكونوا حاضرين في النضالات الاجتماعية والصراعات اليومية، وهذه المشاركة والحضور ليسا مرتبطين ومصحوبين بنتائج انتخابية، فالقطاعات الحيوية لا تؤمن بالانتخابات كطريقة للتغيير".