تصويت نيويورك بشأن القدس: العالم يتحدّى اليوم الترهيب الأميركي

21 ديسمبر 2017
+ الخط -
سيشكل تصويت 193 دولة في الجمعية العامة للأمم المتحدة، اليوم الخميس، في نيويورك، موقفاً ضد التعاطي المهين للإدارة الأميركية إزاء المجتمع الدولي، أو مؤيداً لهذا الترهيب غير المسبوق، بقدر ما سيكون رفضاً لاعتبار الرئيس، دونالد ترامب، في السادس من الشهر الحالي، القدس، كل القدس، عاصمة لدولة الاحتلال الإسرائيلي. ووصلت درجة الترهيب الأميركي على لسان ترامب شخصياً الذي هدد بوقف كل المساعدات المالية الأميركية عن كل دولة تصوت لمصلحة مشروع القرار الخاص بالقدس في الجمعية العامة اليوم. ومهدت المندوبة لدى الأمم المتحدة، نيكي هايلي، لتهديدات ترامب بكلام بلغ مستويات قياسية عندما راحت تحذر كل دول العالم وتتوعدها في حال صوتت لمصلحة مشروع القرار التركي ــ اليمني الذي يمنع تغيير الوضعية القانونية للقدس ويحظر نقل أي دولة في العالم سفارتها المعتمدة لدى إسرائيل، إلى القدس ويدعو أميركا إلى سحب قرارها القاضي بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل. لغة ربما لم يُسمع مثيل لها في تاريخ الدبلوماسية، عندما تقوم ممثلة أميركا بتهديد كل دول العالم وتحذرهم من أن الرئيس الأميركي سيعتبر أن أي تصويت ضد اعتبار القدس عاصمة لإسرائيل، بمثابة التصويت ضد شخصه (ترامب)، ملوحة ضمنياً بأن واشنطن قد تعاقب الدول التي تصوت لمصلحة حظر التصرف الأحادي لتحديد مستقبل القدس ووضعيتها القانونية. وفي حين تواصلت اجتماعات الحشد لمصلحة مشروع القرار التركي، الذي تبقى قيمته رمزية ونتيجته شبه محسومة لمصلحة نيله غالبية كاسحة في الجمعية العامة، حيث لا وجود لفيتو أميركي في كل مرة يطرح فيها قرار ضد الاحتلال، فإن مواجهات الضفة الغربية خصوصاً استأنفت نشاطها يوم أمس بعدما عرفت نوعاً من الاستراحة يوم الثلاثاء.

وكشف دبلوماسيون لوكالات أنباء عالمية أن هايلي أبلغتهم في رسائل خطية أن الرئيس ترامب سيتعامل مع انعقاد الاجتماع الطارئ للجمعية العامة كمسألة شخصية، وأنها أكدت لهم أنها ستنقل لترامب أسماء الدول التي ستصوت لصالح القرار المتوقع التصويت عليه خلال جلسة اليوم. كما ذكر الدبلوماسيون أن هايلي أوضحت في خطابها أن أميركا لا تطلب منهم أن يحذوا حذو واشنطن (في الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل سفارات بلادهم إليها)، لكنها أضافت أنهم إذا فعلوا "فسيكون ذلك أمراً صائباً". ولم تكتف المندوبة الأميركية برسائل التهديد التي بعثتها لنظرائها في المنظمة الدولية في أول سابقة من نوعها في تاريخ الأمم المتحدة، إنما هددت أيضاً على حسابها الخاص في موقع "تويتر" قائلة "في الأمم المتحدة يطالبوننا دائماً أن نعمل أكثر وأن نعطيهم (معونات) أكثر..لذلك عندما نتخذ قراراً بخصوص، أين يكون موقع سفارتنا، لا ينبغي أن نتوقع من هؤلاء الذين قدمنا المساعدة لهم أن يستهدفونا". وأضافت: "يوم الخميس سيكون هناك تصويت في الجمعية العامة ينتقد اختيارنا (للقدس عاصمة لإسرائيل) والولايات المتحدة ستقوم بتدوين أسماء الدول". ويدعو مشروع القرار الولايات المتحدة إلى سحب إعلانها القدس عاصمة لإسرائيل، على عكس مشروع القرار المصري الذي أوقفته أميركا بالفيتو في جلسة الإثنين مقابل 14 صوتاً مؤيداً. والمشروع المصري لم يذكر أميركا أو ترامب، بل اكتفى بدعوة "كل الدول إلى الامتناع عن إقامة بعثات دبلوماسية في مدينة القدس المقدسة، تطبيقًا لقرار مجلس الأمن 478 لسنة 1980، والالتزام بقرارات مجلس الأمن، وعدم الاعتراف بأي تدابير أو إجراءات تتناقض مع هذه القرارات".


وتنقسم الآراء بشأن إمكانية أن تؤثر تهديدات هايلي على قرار الدول الـ193 من عدمها، لكن يبقى شبه المؤكد أن ينال مشروع القرار موافقة ساحقة. ومن شبه المؤكد أن ينخفض عدد الدول المؤيدة عن سقف الـ 176 دولة، وهو عدد مؤيدي قرار الجمعية العامة الخاص بحق الفلسطينيين في تحديد مصيرهم، والصادر في نيويورك مساء الثلاثاء. والقرار المذكور يتم تجديده سنوياً بالتصويت، وهو قرار فعلاً رمزي، بالتالي لا ضغوط على الدول حياله، لذلك صوتت 176 دولة لمصلحته، وامتنعت 4 دول وعارضته 7 دول. لكن في تصويت اليوم، هناك ترهيب أميركي مباشر، لذلك يرجح أن تخشى بعض الدول غضب واشنطن، من دون أن يعني ذلك أن هناك احتمالاً بألا ينال غالبية مطلقة.

وفي مقابل التهديدات الأميركية العلنية، توجه وزير الخارجية التركي، مولود جاووش أوغلو، برفقة نظيره الفلسطيني رياض المالكي، أمس الأربعاء إلى نيويورك، للحشد دعماً لمشروع القرار حول القدس. وندد وزير الخارجية الفلسطيني، رياض المالكي، بـ"التهديدات الأميركية" في الأمم المتحدة بشأن مشروع قرار القدس". وكان جاووش أوغلو قد التقى بنظيره الإيراني محمد جواد ظريف في باكو، في إطار الجهود التي تبذلها تركيا لحشد الدعم لقضية القدس. وقال جاووش أوغلو "ننتظر دعماً قوياً، فليس المسلمون وحدهم منزعجين من قرار (ترامب) بل المسيحيون أيضاً". وتابع جاووش أوغلو إن "النهج الأميركي" الحالي تجاه القدس "لم يعد سارياً بالنسبة للعالم الحالي". وقال إن العالم بأسره اعتبر القرار الأميركي بشأن الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل قراراً خاطئاً، ولم يعد نهج "أنا دولة عظمى وما أريده يتحقق" سارياً بالنسبة للعالم الحالي على حد تعبيره.


وقد استبق الفلسطينيون في الأراضي المحتلة جلسة اليوم، فكثفوا من احتجاجاتهم ضد قرار ترامب التفرد في تحديد مصير القدس، وهو ما أدى إلى سقوط عدد كبير من الجرحى برصاص الاحتلال واعتداءاته. وحتى عصر يوم أمس، أفاد الهلال الأحمر الفلسطيني بتسجيل 81 إصابة في الضفة منها 3 بالرصاص الحي و23 بالرصاص المعدني. وشملت التحركات الشعبية غالبية محافظات الضفة الغربية. وتركزت أكبر المواجهات عند حاجز قلنديا العسكري والشارع الواصل بين بلدتي سلواد ويبرود شرقي رام الله وقرب المدخل الشمالي لمدينتي البيرة ورام الله بالقرب من حاجز بيت إيل العسكري. ولم يكن المدخل الجنوبي لمدينة أريحا شرقي الضفة الغربية بعيداً عن أجواء المواجهات، كذلك كان حال مدن بيت لحم ونابلس وطولكرم وغيرها.

في غضون ذلك، التقى العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز في الرياض الرئيس الفلسطيني محمود عباس. ونقلت وكالة الأنباء السعودية الرسمية، أن الملك أكد لعباس خلال لقائهما "مواقف المملكة الثابتة تجاه القضية الفلسطينية والحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني الشقيق في قيام دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية". وتأتي الزيارة لتواكب التحركات الدبلوماسية الفلسطينية الهادفة الى مواجهة قرار الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل. وفي المقلب الآخر من الصورة، كان مبعوث الرئيس الأميركي إلى المنطقة، جيسون غرينبلات، يقوم بزيارة جديدة إلى إسرائيل وسط مقاطعة فلسطينية. وكان يجب أن يرافق غرينبلات نائب الرئيس الأميركي، مايك بنس، قبل أن يقرر الأخير تأجيل زيارته إلى المنطقة حتى الشهر المقبل. والتقى غرينبلات منسق أنشطة الجيش الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية، يؤاف مردخاي، ورئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، والمبعوث الخاص للاتحاد الأوروبي في الشرق الأوسط، فرناندو جنتيليني.