العراق: حراك إيراني لعزل برهم صالح

28 ديسمبر 2019
استعادت التظاهرات زخمها أمس (أحمد الربيعي/فرانس برس)
+ الخط -
يزداد المشهد العراقي تعقيداً مع استمرار فشل التعويل على مواجهة التظاهرات، التي استعادت زخمها وبقوة، عبر القمع والترهيب. وبعد يوم واحد من مغادرة الرئيس العراقي برهم صالح بغداد عقب رسالة وجّهها للبرلمان، هدد فيها بالاستقالة ورفض في الوقت ذاته مرشح "تحالف البناء"، المدعوم من إيران، أسعد العيداني، لرئاسة الحكومة، كشفت مصادر سياسية عراقية رفيعة في السليمانية وبغداد لـ"العربي الجديد"، أن أطرافاً سياسية في "تحالف البناء" (المقرب من طهران) باشرت حراكاً واسعاً يهدف لعزل الرئيس العراقي من خلال البرلمان، بعد توجيه تهمة خرق الدستور له، على اعتبار أن المادة 76 تتضمن أن دور الرئيس هو تكليف مرشح الكتلة الأكثر عدداً في البرلمان، ولا يحق له رفض هذا الترشيح، وهي مادة تعطي دوراً لرئيس الجمهورية في اختيار رئيس الحكومة أشبه ما يكون بساعي بريد. يأتي ذلك مع عودة طروحات من قوى سياسية وقيادات في "الحشد الشعبي" بمواجهة التظاهرات بالقوة لإنهائها بأسرع وقت.

ويأتي الحراك لعزل صالح، بدعم واضح من قبل قائد "فيلق القدس" الإيراني قاسم سليماني، ومسؤول الملف العراقي في "حزب الله" اللبناني، محمد كوثراني. وقال قيادي في "تحالف البناء"، طلب عدم ذكر اسمه، في اتصال مع "العربي الجديد"، إن "قادة التحالف اتفقوا في اجتماع ضمهم بعد ساعات من إعلان صالح رفضه تكليف مرشح البناء وتهديده بالاستقالة، على التحرك لمعاقبة صالح عبر عزله، بسبب عدم الالتزام بمواد الدستورية، وخرق المهلة الدستورية". وأوضح القيادي أن "اليومين المقبلين سيشهدان حراكاً سياسياً في هذا الموضوع بين مختلف القوى السياسية، لمناقشة عزل الرئيس العراقي، وإيجاد بديل له متفق عليه سياسياً قبل العزل، حتى لا يتكرر سيناريو عادل عبد المهدي من جهة الفراغ الدستوري"، ملمحاً إلى أن وزير المالية الحالي في الحكومة فؤاد حسين، والذي كان سابقاً مدير مكتب رئيس إقليم كردستان السابق مسعود البارزاني، مناسب للمنصب وكان قد ترشح له لكن التوافقات السياسية أقصته من منصب رئاسة الجمهورية ومنحته لبرهم صالح.

وفي هذا السياق، قال نائب رئيس البرلمان، بشير حداد، إن صالح "يُعتبر مستقيلاً إذا لم يسحب خلال أسبوع" رسالته التي وجهها للبرلمان. وقال حداد في تصريحات أوردتها وسائل إعلام محلية أمس، إن "رسالة رئيس الجمهورية ليست قرار استقالة بل استعداد للاستقالة". وأضاف أنه "في حال لم يسحب رسالته الموجهة لمجلس النواب (البرلمان) خلال أسبوعٍ فإنها ستُعتبر استقالة". ودعا المحكمة الاتحادية لضرورة إصدار توضيح بشأن رسالة صالح.

وكان صالح قد أعلن مساء الخميس، استعداده لوضع استقالته بتصرف مجلس النواب، معتذراً في الوقت ذاته عن تكليف مرشح "البناء" أسعد العيداني لرئاسة الحكومة المقبلة، فيما غادر بعد ذلك إلى محافظة السليمانية، التابعة لإقليم كردستان، شمال العراق. وكشفت قيادية في حزب "الاتحاد الكردستاني"، طلبت عدم ذكر اسمها، لـ"العربي الجديد"، أن صالح سيعود إلى بغداد في غضون يومين، وهو حالياً منشغل بانتخابات أعضاء المكتب السياسي لـ"الاتحاد الوطني الكردستاني"، مؤكدة أن "الرئيس لن يغيّر موقفه في رفض تكليف أي شخصية حزبية لرئاسة الحكومة المقبلة مرفوضة من قبل المتظاهرين".

في موازاة ذلك، وصف النائب رعد المكصوصي، عن تحالف "سائرون" بزعامة زعيم "التيار الصدري" مقتدى الصدر، موقف صالح بأنه "وطني ومشرف"، مبيناً في حديث مع "العربي الجديد" أن الرئيس العراقي "رفض الكثير من الضغوط السياسية للقبول بمرشحي الأحزاب لرئاسة الحكومة، كما رفض ضغوط دول إقليمية، لكن في الحقيقة هو قال نعم لرغبة الشارع العراقي". وأكد أن تحالف "سائرون" سيقف ضد أي محاولات لعزل الرئيس العراقي وسيكون أول الداعمين له، "كما أن التحالف يطالبه أيضاً بعدم التفكير في الاستقالة، واستمرار مهامه الدستورية وتكليف مرشح للحكومة المقبلة، وفق توجيهات الشعب والمرجعية وزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، ونحن نقف مع صالح ضد أي حراك لعزله".

وفي السياق، أعلنت كتلة "سائرون" أنها لن تكون طرفاً في اختيار أو تبني أو دعم أي مرشح لرئاسة الحكومة المقبلة احتراماً لـ"إرادة المتظاهرين". وقال المتحدث باسم الكتلة النائب حمدالله الركابي، في بيان أمس، إنه "نتيجة للوضع الراهن الذي يمر به العراق وتجنباً لأي تفسيرات جانبية واحتراما لإرادة المتظاهرين وعدم الدخول في تنافسات سياسية لا تنتج حلولا مفيدة، تعلن كتلة سائرون استمرارها في تبني المعارضة الإيجابية البناءة تحت قبّة البرلمان".


في المقابل، اعتبر الخبير السياسي العراقي، أحمد الحمداني، أن "التلويح بعزل صالح من قبل قوى المعسكر الموالي لإيران بمثابة تخويف له للقبول بأي مرشح جديد من دون تردد"، لافتاً في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن "الأطراف السياسية تعي أن أي خطوة من هذا القبيل ستعتبر انقلاباً على القانون والشرعية والتفاهمات السياسية القائمة عليها العملية السياسية في العراق وقد تهدد شرعية النظام العراقي دولياً، لذا فإن حديث الساسة الآن عن عزله هي خطوة تخويفية أو ابتزاز له لا أكثر".

وعن الرسالة التي قدّمها صالح للبرلمان، قال الخبير القانوني أمير الدعمي، لـ"العربي الجديد"، إن "ما قدّمه رئيس الجمهورية إلى مجلس النواب، هو رسالة توضيحية بسبب الخلاف والصراع السياسي بشأن الكتلة الأكبر والضغوط التي مورست عليه". وأضاف أن "صالح قال أضع استعدادي للاستقالة، فالاستعداد غير الاستقالة، والاستقالة يجب أن تتضمن عنواناً صريحاً، ولهذا لا يُعتبر ما تقدّم به صالح استقالة". ورأى الدعمي أن من يذهب من القوى السياسية للقول إن هذه الرسالة هي استقالة، كلامه غير صحيح، "وإذا ما اتجه البرلمان العراقي لاعتبار هذه الرسالة بأنها استقالة، يمكن لرئيس الجمهورية، وضمن المدة الدستورية وهي سبعة أيام، أن يطعن أمام المحكمة الاتحادية، بأن ما تقدّم به ليست استقالة، وإنما رسالة إلى مجلس النواب بعنوان معين وليس استقالة". وأوضح أن "رئيس الجمهورية لا يقال من قِبل مجلس النواب، وإنما هو إعفاء، والإعفاء يتم عن طريق مجلس النواب، الذي له الحق في الإعفاء بالأغلبية المطلقة للبرلمان، في حالة إدانة رئيس الجمهورية من قبل المحكمة الاتحادية في ثلاث حالات هي انتهاك الدستور، الحنث باليمين، والخيانة العظمى". وختم الخبير القانوني العراقي بالقول إن "المحكمة الاتحادية هي الجهة المسؤولة عن إدانة رئيس الجمهورية، لكن لغاية الآن لا يوجد قانون ينظّم محاسبة المحكمة لرئيس الجمهورية، ولهذا من الصعب جداً إعفاء الأخير من قبل مجلس النواب".

في الأثناء، كشف مسؤول في قيادة عمليات بغداد، طلب عدم ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، أن "أطرافاً سياسية عدة مع عودة الخيار الأمني في مواجهة التظاهرات"، مؤكداً أن "تحوّل حكومة عبد المهدي إلى تصريف أعمال جعلها أكثر ضعفاً ومنح قيادات في الحشد سلطة واسعة وتدخّلاً في شؤون الأمن والدفاع على مستوى وزارتي الدفاع والداخلية". وأضاف أن "شخصيات مليشياوية بارزة ضمن الحشد، أبرزها أبو مهدي المهندس، وقيس الخزعلي، وأبو زينب اللامي، وأبو إيمان البهادلي، وأبو آلاء الولائي، تسعى للدفع إلى خيار مواجهة المتظاهرين بالقوة وهي نفسها من تتورط في إيذاء ناشطين". ولفت إلى أن "مرجعية النجف باتت خط الصد الأخير أمام تلك القوى، إذ إن رفضها استهداف التظاهرات وقتل المتظاهرين والتنديد بذلك في أكثر من خطبة هو ما يعيق اقتحام الساحات وميادين التظاهرات واستخدام القمع المفرط ضدها، كما في مطلع أكتوبر/تشرين الأول الماضي".

ميدانياً، استعادت التظاهرات زخمها أمس، إذ غصت ساحات وميادين بغداد وجنوب ووسط البلاد بالمتظاهرين ومن مختلف الفئات مع عودة واضحة أيضاً للعنصر النسوي فيها، وسط انتشار كثيف للقوات العراقية التي تواجدت على مداخل الطرق الرئيسة والمحيطة بالتظاهرات.
وأدى اتساع رقعة التظاهرات في ساحات التحرير والخلاني والطيران ومحيط المطعم التركي وجسري الجمهورية والسنك، في بغداد، إلى تمددها باتجاه شارع أبو نواس على نهر دجلة، وتمكن المتظاهرون من الوصول إلى مباني عدد من الأحزاب السياسية قرب ساحة كهرمانة في حي الكرادة، في رسالة اعتبرت كتهديد للقوى السياسية المدعومة من إيران والتي تتركز مقراتها في تلك المنطقة. ورد المتظاهرون شعارات مناهضة للتدخل الإيراني مثل "بغداد حرة حرة إيران بره بره".

وفي جنوب العراق شهدت محافظات جنوب البلاد قاطبة تظاهرات مماثلة تركزت في شط العرب وسفوان وأم قصر والمدينة في البصرة وفي الديوانية مركز محافظة القادسية، وفي الناصرية والشطرة والرفاعي والغراف ضمن محافظة ذي قار، كما شهدت الكوت وواسط والعمارة والكحلاء والرميثة والمجر والهاشمية والسماوة والحلة تظاهرات مماثلة. وفي كربلاء قال الناشط علي العتبي لـ"العربي الجديد"، إن ساحة التربية (الرئيسة بالمدينة) استعادت زخمها مجدداً". وفي محافظة البصرة تواصلت الاحتجاجات لرفض ترشيح أسعد العيداني (محافظ البصرة)، ملوحين بتظاهرات واسعة تشمل قطع طرق الموانئ والمنشآت النفطية إذا تم ترشيحه بالفعل.

المساهمون