العراق: شروط مُفاجئة تهدد توافقات تشكيل الحكومة

29 يناير 2020
لوّح المتظاهرون بمزيد من التصعيد (أحمد الربيعي/فرانس برس)
+ الخط -
على الرغم من استمرار عمليات القمع في ساحات وشوارع بغداد ومدن جنوب ووسط العراق، والتي سجّلت أمس، الثلاثاء، سقوط ضحايا ومصابين جدد، إلا أن ناشطين عراقيين يؤكدون تجاوز مرحلة القلق على الانتفاضة، بسبب ثلاثة مواقف مهمة حصلوا عليها أخيراً، وتشكل ضمانة لاستمرارية حراكهم، وتعزيز روحه المعنوية. وتتمثل هذه المواقف أولا بتعويض طلاب الجامعات والمدارس النقص الذي تسبب به أنصار مقتدى الصدر بعد انسحابهم ليل الجمعة الماضي من المشاركة بالتظاهرات، وإعلانهم رفع الدعم ونأيهم عنها، وموقف الأمم المتحدة وسفراء 16 دولة غربية نددت بالقمع الحاصل ضد المتظاهرين، وأخيراً بيانات صدرت عن زعماء قبائل في جنوب العراق، وطالبت بوقف العنف ضد أبنائها المتظاهرين، ملوحين بالنزول إلى مراكز المدن والمشاركة في التظاهرات. ولا ترغب أيٌ من الأحزاب والقوى السياسية في البلاد في تجربة التهديد الأخير، لما تمثله العشائر من ثقل سياسي واجتماعي، وحتى أمني.

وفي موازاة الروح المعنوية العالية للمتظاهرين، لا يزال جزء من الطاقم السياسي في العراق يراوغ في مسألة اختيار شخصية لخلافة رئيس حكومة تصريف الأعمال عادل عبد المهدي، إذ تهدد شروط مستجدة التوافقات التي حصلت أخيراً بين القوى السياسية في مسألة الحكومة، في محاولة، بحسب متابعين، لتجميد الوضع الحالي لفترة أطول، والذي تخشى قوى مقربة من إيران ومليشيات موالية لها أن يؤدي زواله إلى فقدانها امتيازاتها.

ميدانياً، كان لافتاً أمس انضمام مدينة الكوت، عاصمة محافظة واسط، إلى خارطة مدن الجنوب العراقي الساخنة، حيث سجّلت مواجهات غير مسبوقة بين المتظاهرين وقوات الأمن التي حاولت فتح طرق مغلقة ومحاصرة ساحة التظاهرات، مستخدمة قنابل غاز ورصاص حي، ما أسفر عن مقتل متظاهرين اثنين، وإصابة نحو 40 آخرين بجروح، وقع أغلبهم قرب الإعدادية المركزية في المدينة، وعند شارع مديرية الشرطة.

من جهتهم، منح متظاهرو مدينة النجف، جنوبي العراق، مهلةً للحكومة تنتهي في الأول من شهر فبراير/ شباط المقبل، لتنفيذ عدد من المطالب، ملوحين بتصعيدٍ آخر، في خطوة من المرجح أن تستجيب لها بقية المحافظات، على غرار المهلة التي كانت قد اعتمدتها مدينة الناصرية (مركز محافظة ذي قار) ولحقت بها مدن أخرى، وأعقبها تصعيد كبير لا يزال متواصلاً. وقال بيان لتنسيقيات النجف إن "المهلة هي لمواجهة التسويف الحاصل مع استمرارية قمع المتظاهرين وإراقة دمائهم". ومن بين المطالب "اختيار رئيس للوزراء، والمصادقة على قانون الانتخابات ليصبح نافذاً، والالتزام بموعد لإجراء انتخابات مبكرة". وحذّر البيان من أنه "في حال لم تتحقق الشروط حتى الأول من الشهر المقبل (أي يوم السبت المقبل)، فسيحصل تصعيد سلمي جديد، يطاول إغلاق طرق ومبانٍ حكومية غير الخدمية، ومنع أعضاء البرلمان من ممثلي النجف من دخول المدينة".

وأمس، الثلاثاء، شهدت مدن البصرة والنجف وكربلاء وميسان والقادسية والمثنى وبابل تظاهرات حاشدة، فيما كانت محافظتا واسط وذي قار الأكثر سخونة، إلى جانب بغداد.

وقالت مصادر حقوقية إن السلطات الأمنية اعتقلت ما لا يقل عن 80 ناشطاً ومتظاهراً بارزاً في محافظات جنوبية عدة، كما سجّلت اعتداءات على أسر هؤلاء، خلال عمليات اقتحام لمنازلهم من قبل عناصر ملثمة، في إشارة إلى أنهم تابعون لجهاز استخبارات وزارة الداخلية أو مكتب الأمن الوطني.

وفي الناصرية (مركز ذي قار)، انضم آلاف الطلاب والموظفين والمتظاهرين إلى ساحة الحبوبي، للمطالبة بمحاسبة الجهات التي هاجمت الساحة، والتي ردد المعتصمون فيها شعارات تطالب بتدخل دولي لإنهاء الممارسات القمعية ضد المتظاهرين، بينما قطع متظاهرون الجسور الرئيسية في الناصرية، مع فشل محاولات الأمن تفريقهم.

وفي البصرة، جدد المتظاهرون في ساحة الاعتصام المطالبة بمحاسبة قتلة المتظاهرين، وأحيا المعتصمون ذكرى قتلى التظاهرات، ومن بينهم الصحافيان أحمد عبد الصمد وصفاء غالي، وكذلك الناشطان الزوجان حسين وسارة، مطالبين بمحاكمات عاجلة وعادلة للقتلة، وإقالة المحافظ أسعد العيداني والقادة الأمنيين.


تجاوز القلق
وعلى الرغم من مواصلة السلطة ممارساتها القمعية بحق المتظاهرين لليوم الرابع على التوالي، أكد الناشط البارز في ساحة التحرير ببغداد، منتظر حسين، تجاوز مرحلة القلق على الانتفاضة، بعدما كانت الخشية تلّف الجميع إثر التهجم على ساحات التظاهرات وانسحاب الصدريين منها.

وحول المحفزات التي تدعو إلى الراحة لدى المتظاهرين، أوضح حسين، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "الناشطين تلّقوا أولاً إجابة من الأمم المتحدة على رسائل وجهت إليها سابقاً، تطالب بالضغط على الحكومة لوقف القتل والتنكيل والاعتقالات بحق المتظاهرين والمعتصمين، كما أن بيان السفراء الـ16 جاء مهماً في هذا التوقيت، لكن الأهم تجلى بالدعم الذي قدّمه العراقيون لساحات التظاهر، والذي أكد أن الشعب العراقي حي وأقوى من السلطة والنظام"، على حدّ تعبيره. وقال حسين إن الحراك يحشد لتظاهرات يوم الجمعة المقبل مُبكراً، وذلك بهدف إيصال رسالة إلى جميع الأطراف السياسية في ذروة مرحلة الاعتقالات الحالية.

وكان سفراء 16 دولة في بغداد قد أصدروا، أول من أمس الإثنين، بياناً مشتركاً ندّدوا فيه بعملية قمع المتظاهرين، مُحّملين الحكومة والمليشيات العراقية المسؤولية عنها.

البيان الذي تبناه سفراء كل من كندا، كرواتيا، جمهورية تشيكيا، فنلندا، فرنسا، ألمانيا، هنغاريا، إيطاليا، هولندا، النرويج، بولندا، رومانيا، إسبانيا، السويد، المملكة المتحدة، والولايات المتحدة، دان "الاستخدام المفرط والمميت للقوة من قبل قوات الأمن العراقية والفصائل المسلحة ضد المتظاهرين المسالمين"، مضيفاً أنه "على الرغم من الضمانات التي قدمتها الحكومة، غير أن قوات الأمن والفصائل المسلحة تواصل استخدام الذخيرة الحيّة، ما أدى إلى مقتل وإصابة العديد من المدنيين، في حين يتعرض بعض المحتجين إلى الترويع والاختطاف".

ووجّه السفراء الموقعون على البيان دعوةً إلى الحكومة العراقية لاحترام حرية التجمع والحق في الاحتجاج السلمي كما هو منصوص عليه في الدستور العراقي، داعين جميع المتظاهرين إلى الحفاظ على الطبيعة السلمية للحركة الاحتجاجية. كذلك دعا السفراء الأجانب الحكومة إلى ضمان إجراء تحقيقات ومساءلة موثوقة في ما يتعلق بأكثر من 500 حالة وفاة وآلاف الجرحى من المحتجين منذ الأول من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، تاريخ انطلاق تظاهرات الحراك الشعبي في العراق.

من جهته، أكد عضو في البرلمان العراقي، طلب عدم ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، أن عمليات القمع "تجري بشكل مركزي وممنهج"، نافياً ما تروجه الحكومة المستقيلة عن وجود ما يسمى بـ"الطرف الثالث"، أو "أخطاء وتصرفات شخصية"، معتبراً أن "تأثير النجف والضغوط الدولية هي التي حالت دون أن نشهد نسبة أعلى من العنف والدموية من قبل الحكومة والقوى السياسية".

توافقات مهددة
سياسياً، تهدد توافقات الكتل السياسية الأخيرة في العراق ما اعتبرت شروطاً جديدة ومفاجئة فرضتها قوى سياسية وفصائل مسلحة، للقبول بأي مرشح لمنصب رئاسة الحكومة، وذلك على الرغم من الاتفاق المبدئي على أن الحكومة المقبلة ستكون مؤقتة، وذلك لحين التوجه إلى إجراء انتخابات مبكرة. ومن أبرز الشروط المستجدة، أن يتعهد رئيس الوزراء المقبل بتنفيذ بنود اتفاقية التعاون التجاري مع الصين، والالتزام بجدولة إخراج القوات الأميركية، وأن يكون من سكان العراق هو وأسرته، ولا يحمل سوى جنسيته. وتبنت الشروط الجديدة مليشيات عدة، أبرزها كتائب "حزب الله" و"عصائب أهل الحق" و"النجباء"، وسط تأكيدات على وجود خلافات حيالها داخل تحالف "البناء"، وهو المعسكر الذي يجمع القوى الأكثر قرباً من إيران، مثل "دولة القانون"، بزعامة نوري المالكي، و"الفتح" بزعامة هادي العامري.

هذه الشروط قوبلت برفضٍ واضح من قوى سياسية أخرى، أبرزها "جبهة الإنقاذ" بقيادة أسامة النجيفي، وتحالف "الوطنية" بزعامة إياد علاوي، وتحالف "النصر" بزعامة حيدر العبادي، بالإضافة إلى قوى وكتل سياسية أخرى، اعتبرت أن هذه الشروط المسبقة إيرانية، وليست عراقية.

وتهدد الشروط، على نحو خاص، التفاهمات الأخيرة التي حصلت بين مقتدى الصدر وهادي العامري، والتي نتج عنها ترشيح أربعة أسماء يجري التباحث حول أفضلهم للمهمة، وهم مصطفى الكاظمي، علي شكري، محمد توفيق علاوي، وعبد الغني الأسدي. وتؤكد تسريبات حصلت عليها "العربي الجديد"، أن الكاظمي وعلاوي هما الأقرب لتولي المهمة، علماً أن علاوي، وهو وزير سابق، قد يعتذر بعد الشروط التي وصفها مراقبون بأنها "تعجيزية". ويعرب المتابعون عن اعتقادهم بأن شروط القوى والمليشيات "قد يكون هدفها الأول الإبقاء على حكومة تصريف الأعمال (برئاسة عادل عبد المهدي)"، مؤكدين في الوقت ذاته "استمرار المساعي لتجاوزها، والمضي قدماً بالتفاهمات، إذ إن بقاء هذه الشروط يعني عملياً إقصاء المرشحين الأربعة الحاليين للمنصب".

بدوره، رأى القيادي في تحالف القوى العراقية، النائب عبد الله الخربيط، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "الشروط الجديدة التي فرضتها بعض القوى السياسية لاختيار رئيس الوزراء، الهدف منها عرقلة التسمية للإبقاء على عبد المهدي في منصبه فترة أطول، وذلك لأهداف سياسية وغير سياسية".

وبيّن الخربيط أن "جهات سياسية تريد الحصول على تعهد من أي شخصية مرشحة لرئاسة الحكومة، قبل تكليفها بشكل رسمي، حول بعض القضايا، وعلى رأسها قضية إخراج القوات الأجنبية أو الاستمرار بالاتفاقية الأمنية، وهو أمر ترفضه غالبية الأسماء المرشحة، وقد يصعب إيجاد شخصية سياسية تقبل بفرض إملاءات عليها، خصوصاً قبل استلامها المنصب".

ورأى النائب العراقي أن "الجهات التي ترغب ببقاء عبد المهدي في منصبه لفترة أطول، هي المستفيدة من وضع البلاد الحالي وفوضاه، للاحتفاظ بنفوذها وإحكام قبضتها على أغلب الملفات الحساسة في الدولة العراقية، فيما تحاول جهات سياسية وطنية حسم هذا الملف سريعاً".

ويوافق المحلل السياسي العراقي إحسان الشمري على وجود "جهات متنفذة تسعى إلى إبقاء عادل عبد المهدي في منصبه". وبحسب رأيه، فإن هذه القوى التي فشلت في هدفها نتيجة رفض الشارع وتأثير مرجعية النجف، تسعى اليوم بالشروط لعرقلة أي حوار أو تفاوض لاختيار بديل عن عبد المهدي".

وحذّر الشمري في حديثه لـ"العربي الجديد"، من أن هذه الجهات لا تهدف سوى إلى العرقلة، لأنها تدرك جيداً أن بعض شروطها غير قابلة للتنفيذ، ومرفوضة من قوىً سياسية، وحتى من أي رئيس وزراء مقبل".