مصر: خطة استباقية لنظام السيسي دفاعاً عن الإعدامات

25 فبراير 2019
إحياء ذكرى ضحايا الإعدامات في تركيا (محمد أنس يلدريم/الأناضول)
+ الخط -



أصدرت وزارة الخارجية المصرية، أمس الأحد، بياناً أعربت فيه عن "رفضها التام لكل ما يمس القضاء المصري"، وذلك تعليقاً على ما أفاد به المتحدث باسم المفوضية السامية لحقوق الإنسان، روبرت كولفيل، وكذلك مجموعة من المقررين الخاصين التابعين لمجلس حقوق الإنسان، حول تنفيذ حكم الإعدام الذي أيدته محكمة النقض في الشبان التسعة المتهمين باغتيال النائب العام السابق المستشار هشام بركات. وادّعى بيان الخارجية أن "الحكم جاء بعد جلسات محاكمة مُطوّلة توافرت فيها كافة الضمانات الخاصة بالمحاكمات العادلة والنزيهة"، مشدّداً على "استقلالية القضاء المصري وحقه في إصدار الأحكام، وفقاً للقوانين المصرية، التي تستند أيضاً إلى احترام المعايير الدولية ذات الصلة".

وأكد البيان "رفض مصر لأي إشارة لادعاءات حول انتزاع الاعترافات"، داعياً إلى "القراءة المتأنية لحيثيات الحكم والمستندات التي ارتكز عليها للتعرف على مدى التزام القضاء المصري بالمحدّدات الوطنية والدولية في هذا الشأن، بدلًا من الارتكاز فقط على ما يُطلق من ادعاءات مغرضة ومقصود منها التشويه".

وذكر البيان بـ"ضرورة التزام الآليات الدولية العاملة في مجال حقوق الإنسان، باحترام الخصوصيات الثقافية والقانونية للدول والتنوّع الذي يُعد احترامه جزءاً لا يتجزأ من حقوق الإنسان، والامتناع عن محاولة فرض رؤى أحادية لنموذج واحد باعتباره يسمو على ما سواه". والبيان هو الثاني من نوعه خلال أقل من عام لوزارة الخارجية المصرية ضد المفوضية السامية لحقوق الإنسان، إذ سبق في مارس/آذار الماضي أن وجهت انتقادات حادة للمفوض السامي الأمير زيد بن رعد، بعدما انتقد الانتخابات الرئاسية الأخيرة والإجراءات السابقة عليها والوضع الحقوقي في مصر بشكل عام. ووصفت الخارجية حديث المفوض بأنه "ادعاءات واهية، وسرد لوقائع مختلقة ومغلوطة، تعكس تجاهلاً شديداً لحجم ما تحقق على صعيد تعزيز حقوق الإنسان في مصر".

لكن اللافت أن صدور هذا البيان أمس، يتزامن بشكل أساسي مع استضافة مصر للقمة العربية الأوروبية الأولى بشرم الشيخ، والتي يحضرها عدد لا بأس به من الزعماء الأوروبيين، الذين تحدثت مؤسسات عدة في بلادهم عن ضرورة تخلي النظام المصري عن منهجه القائم على تضييق الحقوق والحريات الشخصية والعامة وغلق المجال العام والخلط بين السلطتين التنفيذية والقضائية وإهدار ضمانات العدالة في المحاكمات الجنائية، تحديداً في قضايا أحداث العنف التي تلت انقلاب 3 يوليو/تموز 2013.



وعكس صدور البيان في هذا التوقيت تحديداً، سياسة نظام السيسي الجديدة في فرض الأمر الواقع في مصر على المجتمع الدولي، والمضيّ قدماً في عدم الانصياع لأي نصائح دولية أو مناشدات، طالما كان الأمر بعيداً عن الضغوط السياسية والاقتصادية، التي سبق ومارستها ضده الولايات المتحدة في عام 2017، ثم تحسنت الأوضاع بالنسبة له بعد تطوير التنسيق مع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وعمل السيسي على إنهاء ملف المتهمين الأجانب في قضية التمويل الأجنبي لمنظمات المجتمع المدني، وتعديل قانون العمل الأهلي.

وأكدت مصادر دبلوماسية لـ"العربي الجديد" أن "نظام السيسي بات يتعمد أن تتزامن قراراته وبياناته الكاشفة لطبيعة نظام حكمه مع تلك المناسبات الدولية الكبرى، بعدما كان يبتعد عن إثارة الأزمات الحقوقية بالتزامن مع مثل تلك المناسبات المهمة، لتخفيف الضغوط الخارجية وتلافي الإحراج الدولي".

وأوضحت المصادر أن "بيان الخارجية المصرية ضد المفوضية السامية بمثابة (بدء خطة دفاع استباقي) ضد أي انتقادات يوجهها زعماء غربيون للممارسات المصرية الأخيرة خلال يومي القمة العربية الأوروبية"، كاشفة أن "الخارجية المصرية تلقت في الأيام الماضية اتصالات عدة من دوائر دبلوماسية غربية ودوائر حزبية أميركية، راغبة في الاطلاع على حيثيات حكم محكمة النقض وحكم الجنايات الذي دان الشبان التسعة في قضية اغتيال النائب العام. فكوّنت تلك الدوائر رواية كاملة من وجهة النظر المصرية، من أجل بحث الموضوع برمته، بعد تلقيها مناشدات وطلبات من منظمات حقوقية شهيرة وإقليمية، بإثارة القضية مع السلطات المصرية".

وأضافت المصادر أن "اللجنة الخاصة بتحسين صورة النظام في الخارج والتي يديرها بشكل مباشر مدير المخابرات العامة اللواء عباس كامل، بمساعدة وزير الخارجية سامح شكري، بصدد إعداد بيان مطول متعدد اللغات من واقع التحريات الأمنية والحيثيات القضائية لحكم الإعدام لإرساله للبعثات الدبلوماسية الأجنبية في مصر، والدوائر الخارجية التي ترغب في الاطلاع عليه، وذلك بالتوازي مع استمرار اللجان الإلكترونية التابعة للمخابرات العامة في العمل على مواقع التواصل الاجتماعي لتبرير الإعدامات، وإعادة نشر اعترافات المتهمين المنتزعة تحت التعذيب حسب الثابت في محاضر النيابة العامة".

في هذا السياق أيضاً، كشفت المصادر عن "وجود نية لدى اللجنة نفسها لترجمة عدد كبير من الأحكام الجنائية الصادرة في قضايا العنف والإرهاب منذ عام 2013 حتى الآن، وإقامة مؤتمر صحافي لممثلي وسائل الإعلام الأجنبية في مصر، للإعلان عن الرواية الرسمية لبعض القضايا التي أبرزتها المنظمات الحقوقية الكبرى أخيراً، وأن هذا الاقتراح ينتظر تصديق السيسي".

مع العلم أن مصر نفّذت حكم الإعدام بحق 15 سجيناً في قضايا جنائية ذات خلفية سياسية (اغتيال النائب العام، وقتل ضابط شرطة بكرداسة، وقتل نجل قاض بالمنصورة)، في الشهر الحالي. وسبق أنه تمّ تنفيذ حكم الإعدام في 24 شخصاً خلال السنوات التي تلت انقلاب 2013، ثم شهد عام 2018 قفزة غير مسبوقة بإعدام 32 شخصاً بين سجناء سياسيين وجنائيين.

المساهمون