انتخابات لبنان: البقاعان الشمالي والغربي تفرّقهما السياسة ويجمعهما اللاجئون

06 مايو 2016
يستثمر حزب الله شعارات المقاومة في انتخابات بعلبك(حسين بيضون)
+ الخط -
يتباعد البقاعَين الغربي والشمالي في لبنان من حيث المسافة والموقع الجغرافي، لكن الحاجات الإنمائية تجمع المنطقتَين الواقعتين بين نهرَي العاصي والليطاني. تبدأ حدود قضاءَي البقاع الغربي وراشيا من جنوب حدود لبنان الشرقية مع سورية في أعالي جبل الباروك على ارتفاع 1900 متر نزولاً باتجاه سهل البقاع، لتعود فترتفع مع سلسلة جبال لبنان الشرقية. أما حدود البقاع الشمالي (قضاء بعلبك الهرمل)، تبدأ حدوده مع منطقتَي تمنين (الطريق الغربي) وسرعين (الطريق الشرقي) ولا تنتهي قبل الحدود الشمالية الشرقية للبنان مع سورية.

ارتبط الواقع البقاعي، بشكل مباشر، بسورية الأقرب إلى أهالي البقاعَين من لبنان. فحمص أقرب لأهل بعلبك (أكبر مدينة في البقاع الشمالي) من بيروت، وبلدات جبل الشيخ في سورية أقرب إلى أهالي جب جنين (توصف بعاصمة البقاع الغربي) منها إلى بيروت. وهو ما ترجمته الأحداث السياسية المتلاحقة التي مرت على لبنان، بدءاً من الاحتلال السوري حتى عام 2005 في بلدات البقاعَين، وصولاً إلى استخدام حزب الله أراضي البقاع الشمالي كقاعدة خلفية لعملياته العسكرية في سورية، ولجوء مئات آلاف السوريين إلى بلدات القضاء هرباً من احتلال عناصر حزب الله وطهران لمناطقهم.

"منطقة الطفّار"

حوّل غياب الإنماء عن البقاع الشمالي، تحديداً، عدداً من شبان المنطقة إلى مطلوبين بتُهم عدة، تراكمت على مر السنوات وازداد عدد المطلوبين فيها. إنهم "الطفّار"، بحسب ما يصفهم الأهالي، الذين يعيشون في جرود البلدات البعلبكية، وشكّلوا شبكة إجرامية كاملة تتمحور حول زراعة الممنوعات (حشيشة الكيف) وتسويقها في لبنان وخارجه، إلى جانب رواج تجارة السيارات المسروقة والخطف مقابل فدية. وفي ظل انشغال مختلف أجهزة الدولة العسكرية والأمنية في ضبط الحدود وحركة اللاجئين السوريين داخل البلدات والمدن، يسجّل البقاع الشمالي حالات أمنية يومية من اشتباكات بين الأجهزة الأمنية والمطلوبين، إلى انتشار ثقافة مخالفة القانون في أغلب مظاهر الحياة من قيادة السيارات غير المسجّلة حتى البناء من دون ترخيص، وصولاً إلى انتشار الأمن الذاتي. وتربط فعاليات المنطقة بين تحقيق الإنماء المحلي وتراجع أعداد المطلوبين.

البقاع الغربي: الأحزاب ترعى التوافق العائلي
تستعد بلدات البقاع الغربي وراشيا لخوض الاستحقاق الانتخابي الأول منذ 6 سنوات في 56 بلدية بعد تأجيل الانتخابات النيابية التي كان يفترض أن تجري عام 2013. وعلى الرغم من تواجد معظم الأحزاب اللبنانية في القضاءين مع تنوع مذهبي وطائفي واسع يشمل السنة، والشيعة، والدروز، والمسيحيين، تقوم عائلات المنطقة بالدور الأول على صعيد البلديات. وتسعى الأحزاب السياسية الفاعلة في هذه المنطقة إلى رعاية التوافقات العائلية والحفاظ على أعراف التوزيع العددي لمقاعد البلديات في المناطق المختلطة مذهبياً. وهو سعي عام تعكسه تصريحات المسؤولين الرسميين والحزبيين في المنطقة التي تشير إحصاءات وزارة الداخلية إلى تجاوز عدد الناخبين فيها عام 2015 عتبة 136 ألف ناخب.

ويصف عضو كتلة تيار المستقبل النيابية، النائب عاصم عراجي، مقاربة التيار للانتخابات البلدية في البقاع الغربي وراشيا بـ"الحياد الإيجابي". وهي مقاربة مستجدة بعدما قضى الأمين العام لتيار المستقبل، أحمد الحريري، ثلاثة أيام في بلدات البقاع الغربي قبيل الانتخابات البلدية الماضية لوضع اللمسات الأخيرة على اللوائح الانتخابية البلدية. لكن عراجي يؤكد لـ"العربي الجديد" أن زعيم "المستقبل"، النائب سعد الحريري "قرر ترك القرار للعائلات البقاعية، هذا العام، ليتم خوض المعارك على صعيد عائلي وبهدف الإنماء".

ومن المتوقع أن يُبرّد اللقاء الأخير الذي جمع الحريري برئيس حزب "الاتحاد"، الوزير السابق عبدالرحيم مراد، (أحد الفعاليات السنية الأساسية في البقاع الغربي)، من حماوة العملية الانتخابية في البقاع، خصوصاً أن مراد أعلن أيضاً الحياد عن العملية الانتخابية. ويختصر أحد متابعي الشأن البقاعي الصورة لـ"العربي الجديد" بالقول، "لا أحد يريد معركة إثبات حجم في البقاع اليوم. فالأحزاب المسيحية والقوى السنية التي تلاقت مع بعضها بعضاً، أخيراً، تسعى لإعطاء الانتخابات طابعاً عائلياً توافقياً. وفي حال تعذر التوافق في عدد من البلديات، فنحن أمام واقع سياسي تخوض فيه العائلات معاركها السياسية داخل الحزب الواحد".

ويؤكد وكيل داخلية الحزب "التقدمي الاشتراكي" في راشيا والبقاع الغربي، رباح القاضي لـ"العربي الجديد" أن توجيهات رئيس الحزب، النائب وليد جنبلاط، ركّزت على "رعاية التوافق لا سيما في البلديات المشتركة مع المسيحيين، والمحكومة بأعراف خاصة تتوزع فيها المقاعد البلدية بين الطوائف". وهي البلديات التي تخوض استحقاقها الانتخابي الأول في ظل التحالف الجديد بين "التيار الوطني الحر" وحزب "القوات اللبنانية".

البقاع الشمالي: "الحدود السورية ناخب أول"
تختلف صورة الاستحقاق الانتخابي كثيراً في البقاع الشمالي (قضاء بعلبك ـ الهرمل) الذي يضم 298 ألف ناخب، إذ يخوض حزبَا الثنائية الشيعية (حزب الله وحركة أمل) معركة سياسية صريحة ضد العائلات في البلديات ذات الأغلبية الشيعية كمدينة بعلبك وبلدة اللبوة. وتقول مصادر محلية في المنطقة لـ"العربي الجديد" إن "علاقة الثنائية الشيعية بالأهالي تحولت من معركة انتخابية في الدورة السابقة إلى محاولة إقصاء كامل للعائلات خلال الدورة الحالية".

ترعى العائلات مساعي التوافق في البلدات القليلة التي تضم مسلمين سنة ومسيحيين مثل منطقة الفاكهة. وفي ظل تراجع الوجود الحزبي لتيار المستقبل وغيره من القوى السياسية السنية في بلدات البقاع الشمالي، تخوض العائلات السنية الاستحقاق الانتخابي وفقاً للحسابات العائلية الصرف. وهذه الحسابات تنعكس امتناعاً عن الترشّح في البلدات المختلطة (سنياً وشيعياً)، وترك الساحة للأحزاب الموجودة مثل الحزب القومي السوري الاجتماعي، والبعث، والشيوعي، "صوناً لوحدة الصف في ظل ارتفاع الشحن الطائفي إلى أقصى حدوده"، كما يؤكد أحد أئمة المساجد في البقاع الشمالي لـ"العربي الجديد".

وتسجلّ بلدات المنطقة حضوراً حيوياً للحزب الشيوعي اللبناني في الانتخابات البلدية بعد انتهاء ورشة الانتخابات الداخلية في الحزب وتسجيل تجديد شبه كامل في قيادته. كما تعزو أوساط بقاعية محلية هذا الحضور إلى "النشوة باستحداث موقع عسكري للحزب الشيوعي في جرود بلدة رأس بعلبك تحت عنوان مكافحة داعش".

بعلبك: "مَذهبة مدينة الشمس"
تتباطأ حركة السير على أبواب مدينة الشمس، بعلبك. تلك المدينة التي ارتبط اسمها بآلهة الرومان، أصبحت على موعد أسبوعي مع إغلاق مدخلها الوحيد كل يوم جمعة لساعة أو أكثر، بسبب الإجراءات الأمنية التي يتخذها حزب الله أمام مقام السيدة خولة الموجود على مدخل المدينة. يؤم الوكيل الشرعي للإمام الخميني، رئيس الهيئة الشرعية في حزب الله، الشيخ محمد يزبك، صلاة الجمعة هناك، فتقطع الطريق خلال وجوده في المقام. كما ينتشر المسلحون، بشكل شبه يومي، أثناء دخول سيارات الدبلوماسيين الإيرانيين الذين يزورون المقام على الدوام. تبدو المنطقة وكأنها "جزيرة" إيرانية"، لا سلطة فيها للدولة اللبنانية، بحسب بعض أهالي المنطقة. يقول أهالي بعلبك إن هذه الإجراءات تشكّل "أحد أوجه مذهبة المدينة المختلطة طائفياً ودينياً وسياسياً".

وقد لاقى شعار "قاوم بصوتك" الذي ترفعه اللائحة المدعومة من الأحزاب استنكار أبناء بعلبك الذين يرفضون "الزج بمقاومة إسرائيل في معركة انتخابية إنمائية لتوسيع المجاري الصحية أو تحسين البنية التحتية في المدينة". يتحدث المرشح ضمن لائحة العائلات في بعلبك المهندس حكمت عواضة عن "تراجع شامل أصاب مدينة بعلبك خلال الأعوام الماضية".

ويقول عواضة لـ"العربي الجديد" إن المدينة "فقدت أهم رمزية تمثلها مهرجانات بعلبك التي سجلت بيع 2500 بطاقة فقط في نسختها الأخيرة مقابل 250 ألف بطاقة في مهرجانات جبيل مثلاً". وهو مؤشر واضح على مدى تراجع الحركة السياحية في المدينة "حتى أن مياه رأس العين تفتقد العائلات اللبنانية التي كانت تزورها بشكل أسبوعي"، يقول أحد العاملين في أحد مقاهي المنطقة. وهو تراجع مستمر لسنوات مضت، فتم نقل فعاليات مهرجانات بعلبك إلى مسارح متعددة في لبنان نتيجة الوضع الأمني والمعارك الدائرة على حدود لبنان مع سورية والتي شارك فيها حزب الله.

أمام هذا الواقع الاقتصادي الصعب، تتحضر المدينة لخوض معركة انتخابية بين لائحتَين: الأولى مدعومة من ائتلاف الأحزاب؛ "حزب الله، وحركة أمل، والأحباش، والبعث، والقومي، والتيار الوطني الحر"، مقابل لائحة تشمل أبناء مدينة بعلبك من حرفيّين وتجار ووجهاء عائلات. وهي معركة لا تقتصر على المجلس البلدي بل على هوية بعلبك وانتمائها.

عرسال ورأس بعلبك: "داعش في الجوار"
على بعد نصف ساعة من مدينة بعلبك، يشير أبناء بلدتَي رأس بعلبك والبقاع إلى التلال الفاصلة بين لبنان وسورية: "خط النار بين البلدة وبين داعش يبلغ 3 كيلومترات". شكّل اقتراب عناصر تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) من البلدات اللبنانية، خلال العام الماضي، كابوساً يومياً للأهالي عموماً وللمسيحيين منهم خصوصاً، لكن قطع إمدادات التنظيم من بلدة القريتين السورية ساهم بتراجعهم إلى خلف التلال وطمأنة الأهالي. كما ربطت أبراج المراقبة العسكرية التي يشرف عليها ضباط بريطانيون وفرنسيون البلدتَين وحوّلتهما إلى بقعة أمنية خاضعة لمراقبة دائمة، فتقلص الخطر الأمني.

لكن ارتفاع أبراج المراقبة الأمنية لم يسهم في تسليط الضوء على حاجات البلدتين الإنمائية. سُميت رأس بعلبك بـ"كونا كورا" في العهد الروماني لكثرة قنوات جرّ المياه فيها، لكن أهاليها يعانون اليوم من تراجع منسوب المياه الجوفية في ظل غياب أي خطط إنمائية في المنطقة. وهو ما دفع الأهالي لابتكار أشكال استثمار محلي لتحريك العجلة الاقتصادية، كـ"الجمعية التعاونية للتنمية الزراعية المستدامة في رأس بعلبك" والتي تعمل على رعاية المزارعين في البلدات المجاورة، وتساعدهم من خلال مشتل يؤمن حاجات المزارعين بسعر الكلفة ويشغل عمالة لبنانية وسورية فيه.

يشير ابن بلدة رأس بعلبك، أحد فعالياتها جاد نصر الله إلى أن "النظام اللبناني ربط الإنماء في المنطقة بالأحزاب ووزّع المؤسسات الصحية والتعليمية الرسمية بحسب حاجة الأحزاب، لتصبح علاقة المواطن بالمسؤول علاقة محتاج ومُعطٍ". على الصعيد الزراعي، لا تبدو الصورة أكثر إشراقاً. "فمشاكل الزراعة المحلية معروفة للجميع وهي ارتفاع كلفة الإنتاج والمضاربة من قبل المنتجات الأجنبية، لذلك يلجأ عدد من أبناء البقاع إلى زراعة حشيشة الكيف كبديل مربح مادياً"، وفقاً لنصرالله. وهي زراعة تحاول القوى الأمنية مكافحتها ويحميها "جيش من المسلحين بالحرمان من الإنماء"، أي أهالي المنطقة، بحسب ابن البلدة ذاته.

في بلدة الفاكهة المختلطة بين السنة والمسيحيين، لا يبدو الواقع الإنمائي أفضل، وهو ما دفع بالعائلات لتبني مرشح شاب من آل محي الدين لخوض المعركة البلدية. يقول المرشح مهند محي الدين لـ"العربي الجديد" إن الدفع بالشباب لخوض غمار الانتخابات البلدية في البقاع الشمالي يشكّل سابقة إيجابية لتغيير شكل التعاطي مع الاستحقاق البلدي.

شهدت الدورة الانتخابية الماضية تصاعد الدور السياسي لرؤساء البلديات على حساب دورهم الإنمائي، وهو ما حصل في بلدة اللبوة التي قام رئيس المجلس البلدي فيها، رامز أمهز، بأدوار سياسية وأمنية عديدة خلال ولايته. قطع أمهز الطريق الوحيد المؤدي إلى بلدة عرسال بعد اتهام أهلها بالسماح لمسلّحي المعارضة السورية باستخدام أراضيها لإطلاق الصواريخ على اللبوة. اليوم، يخوض مرشحو العائلات في اللبوة معركتهم الانتخابية لفصل التنمية المحلية عن السياسة. لذلك يرفض المرشح على لائحة العائلات في اللبوة، هشام رباح، تحوّل البلدية إلى حزب سياسي جديد في البلدة. ويقول رباح لـ"العربي الجديد" إن حاجة البلدة للمجالس البلدية تتجاوز ترميم البنى التحتية أو تحسينها إلى "التخاطب مع الجهات الرسمية والأممية لتطوير البنى التحتية في اللبوة، وهو تواصل لا يمكن أن يتم من خلال مجلس بلدي سياسي".

أما في بلدة عرسال المجاورة، والتي تحوّلت لمدة من الزمن إلى مقصد وكالات الأنباء العالمية نتيجة وجود حوالي 120 ألف لاجئ سوري، يُهلل جزء كبير من أهالي البلدة للعمليات الأمنية الناجحة التي ينفذها الجيش اللبناني داخل البلدة والتي أسفرت إحداها عن قتل أحد أمراء "داعش" والمسؤول الأمني للتنظيم في البلدة.

وكما في اللبوة يتحدث الأهالي عن تغييب الإنماء من مفردات العمل البلدي لصالح الأدوار السياسية التي يقوم بها رئيس البلدية الحالي علي الحجيري. ولا يبدو الحجيري متحمساً لإجراء الانتخابات، فأصدر بياناً يطالب بتأجيلها بحجة الوضع الأمني في البلدة، في وقت يتداول العراسلة أخباراً عن فشل الحجيري في تشكيل لائحة لمنافسة لائحتين مكتملتَين تم إعلانهما في البلدة. وتشير المصادر العرسالية لـ"العربي الجديد" إلى أن الوضع الأمني في البلدة مضبوط من الجيش "الذي تشمل خطته يوم الانتخابات منع تجوّل اللاجئين السوريين واليوم الذي يسبقه، وحصر حركة السيارات بعدد محدّد من الباصات الصغيرة المرخّصة".

أمّا في بلدة الطفيل الحدودية في قضاء بعلبك الهرمل، لن تجري الانتخابات البلدية والاختيارية "بسبب الوضع الأمني"، بحسب ما ينقل مختار البلدة، علي الشوم، لـ"العربي الجديد". وهي البلدة التي أخلتها السلطات اللبنانية من 4 آلاف لبناني من سكانها وحوالى 10 آلاف لاجئ سوري فيها عام 2014، بعد اجتماع أمني ترأسه وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق وحضره مسؤول وحدة التنسيق والارتباط في حزب الله وفيق صفا. ويقيم في البلدة حالياً، بحسب المختار الشوم، 12 عائلة ولا يوجد فيها مجلس بلدي.

المساهمون