رسائل تهديد أميركية ضمنية إلى لبنان

06 مارس 2019
ساترفيلد بعد لقائه باسيل (حسين بيضون)
+ الخط -

قبل مؤتمر وارسو البولندي في 13 و14 فبراير/ شباط الماضي، حطّ في لبنان مساعد وزير الخارجية الأميركي للشؤون السياسية ديفيد هيل، عاقداً سلسلة لقاءات مع شخصيات لبنانية. الحراك الأميركي لم يتوقف بعد المؤتمر، فوصل سراً إلى بيروت، أول من أمس الاثنين، مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى بالوكالة السفير ديفيد ساترفيلد. فإيفاد الإدارة الأميركية هيل وساترفيلد تباعاً إلى بيروت، في مرحلة ترفع خلالها الإدارة الأميركية شعار مواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة والمليشيات المحسوبة على إيران، ينطوي على دلالات عدة، خصوصاً أنهما كُلّفا على مدى سنوات عدة بمتابعة الملف اللبناني بتشعباته، فضلاً عن أن زيارة ساترفيلد حملت للمرة الأولى نبرة أميركية جديدة، على الرغم من أنها لم تتضمن جديداً. للمرة الأولى يحمل كلام ساترفيلد تهديداً ضمنياً بعد لقائه وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل، أمس الثلاثاء. لم يخرج كلام ساترفيلد عن الثوابت الأميركية في التعامل مع لبنان، خصوصاً عندما أكد "التزام الولايات المتحدة مع لبنان بشكل كبير"، لكنه أشار إلى أن بلاده "ستتعامل مع الخيارات التي ستتخذها الحكومة اللبنانية"، آملاً أن "تكون هذه الخيارات لمصلحة لبنان وشعبه وليس لصالح أطراف خارجية".

لكن ضمنياً قال ساترفيلد ما يُقال في الأروقة الأميركية، والتي كانت حتى اليوم تحاول عدم التماهي مع الموقف الإسرائيلي الذي يعتبر لبنان ساقطاً في يد إيران، وبالتالي يجب "تضييق الخناق عليه، كي لا يستفيد حزب الله من الدولة لتنمية قدراته العسكرية، أو للتحايل على العقوبات الأميركية والقرارات الدولية ذات الصلة". وفي الشكل، ترفض الإدارة الأميركية اعتبار لبنان تحت السيطرة الإيرانية، أو معاملته بالمساواة مع "حزب الله"، وبالتالي فرض عقوبات عليه، لكنها لا تخفي، وفق ما تقول مصادر لبنانية على صلة بالإدارة الأميركية، خوفها وتخوفها من "إطباق سيطرة الحزب على مفاصل الدولة، من المجلس النيابي إلى الحكومة، ومحاولته التماهي مع الدولة لتمرير مصالحه، أو الالتفاف على العقوبات الأميركية المفروضة".

وأشارت مصادر مقرّبة ممّن حضر لقاء باسيل وساترفيلد، إلى أن "ملف حزب الله طُرح بقوة في لقاء الرجلين، وشهد تبايناً واضحاً في وجهات النظر، وهو ما دفع ساترفيلد إلى التصريح بهذه اللهجة للمرة الأولى وباقتضاب وبما يشبه التحذير".

لكن ما سبق وما تلا اللقاء حمل رسائل لا تقل أهمية، لزيارة يراد لها أن تكون تمهيدية لزيارة مقبلة لوزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو. التقى ساترفيلد فور وصوله، مساء الاثنين، وزراء "القوات اللبنانية" والوزيرة فيوليت الصفدي، كما التقى، أمس، رئيس حزب "الكتائب اللبنانية" النائب سامي الجميل، وهم من الأحزاب والشخصيات السياسية التي كانت مقربة من الإدارة الأميركية وفي عداد فريق "14 آذار"، ما فسره البعض على أنه محاولة لإعادة تجميع أوراق القوة الأميركية في بيروت، بعد لقاءات شبيهة عقدها هيل في زيارته الأخيرة.



لكن في الشق الآخر من هذه اللقاءات ثمة رسالة أخرى موجهة لرئاسة الجمهورية، وإلى "التيار الوطني الحر"، ورئيسه باسيل، خصوصاً أن ساترفيلد التقى بقوى مسيحية تعتبر على خصام مع "التيار" منذ عام 2005، وخلال المرحلة التي تلت والتي كان فيها "التيار" ولا يزال حليفاً لـ"حزب الله" والمحور الإقليمي الداعم له والمتمثل بإيران وسورية.

في الأيام الماضية ترددت في العاصمة اللبنانية بيروت ما يشبه تحذيرات من إمكانية فرض عقوبات على شخصيات محسوبة على "التيار"، بسبب علاقتها مع "حزب الله"، لكن حتى اليوم ثمة مهادنة أميركية، وتعويل ضمني على إمكانية المراهنة على "التيار" الذي بات مسيطراً على رئاسة الجمهورية، وأغلبية وزارية ونيابية، لمنع فرض "حزب الله" سيطرته على الدولة، خصوصاً أن رئيس الجمهورية ميشال عون، قبل عودته إلى لبنان في عام 2005، كان على خصام مع المحور السوري ــ الإيراني، وكان يعتبر نفسه عراباً للقرار 1559، الذي دعا للانسحاب السوري من لبنان، وحلّ جميع المليشيات (والمقصود حزب الله وفقاً لنصّ القرار الأممي). وذكرت مصادر متابعة أن "الأميركيين هددوا ضمنياً التيار الوطني الحرّ، ورئيسه باسيل، في موضوع إمكانية خلافة عمّه في رئاسة الجمهورية".

وبعد لقائه مع الجميل تحدث ساترفيلد بوضوح أكثر عن خلفيات زيارته وعنوانها، مشيراً إلى أن "الاستقرار والأمن في لبنان يتوقّفان على خيارات الحكومة الوطنية وليس على خيارات تملى عليه"، مذكراً بأن "لبنان عانى طويلاً جراء صراعات وأيديولوجيات على أرضه من الخارج، وهذا الوضع عليه أن يتغير ولا بد من اتخاذ قرارات جدية في هذا الإطار".

ولعل حديث ساترفيلد عن الأحزاب الفاعلة في لبنان، وضرورة أن يكون هناك تحرك وطني، وعن استعداد الولايات المتحدة لبذل كل ما في وسعها لدعم خيارات لبنان الوطنية، يعيد إلى الذاكرة عناوين وسياسات كانت ترفعها الإدارة الأميركية يوماً ما (2005)، وعبر الرجل ذاته.

الرجل شغل الساحة السياسية اللبنانية لسنوات، وتحديداً منذ عام 1998، عندما كان سفيراً لبلاده في بيروت، وصولاً إلى الدور الذي أداه في إصدار القرار الدولي رقم 1559 ومن ثم الترويج له، ولاحقاً متابعة تنفيذ جزء منه عبر الانسحاب السوري من لبنان (26 إبريل/ نيسان 2005)، فيما بقي بند سحب سلاح المليشيات من دون تنفيذ.

ولسنوات طويلة كُلّف هيل وساترفيلد بمتابعة الملف اللبناني بتشعباته، فقد عاصرا معاً أخطر مرحلة في تاريخ لبنان الحديث قبل وبعد اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري (14 فبراير/ شباط 2005)، ويتقنان دهاليز السياسة اللبنانية وتركيبها. وعلى مدار تلك الفترة كان لهيل وساترفيلد دور رئيسي في كل ذلك، وصولاً إلى أن البعض في محور "8 آذار" الموالي لإيران، كان يصف فريق "14 آذار" السياسي بأنه "فريق الديفيدين"، في إشارة إلى هيل وساترفيلد، قبل أن تبتعد الإدارة الأميركية عن لبنان ويغيب الرجلان تدريجياً منذ اتفاق الدوحة الذي وقع بعد أحداث 7 مايو/ أيار 2008.



المساهمون