وبالرغم من صدور عدد من القرارات في البرلمان ومجلس القضاء تتعلق بوقف المحاصصة في المناصب الرئيسية بالبلاد، وإلغاء امتيازات الرئاسات الثلاث، وتشكيل لجنة لبحث تعديل الدستور وحل مجالس المحافظات، إلا أنها لم تؤثر على الشارع العراقي، الذي قُدر عدد من شارك منه في التظاهرات في بغداد والجنوب، أمس الثلاثاء، بعشرات الآلاف.
ودخلت مناطق جديدة في بغداد على خط التظاهر، أبرزها الكاظمية والشعلة، بينما حافظ المتظاهرون على مكانهم في ساحة التحرير وقرب مبنى المطعم التركي المطل على دجلة، وفي ساحات النسور والطيران، وما بينهما حديقة الأمة التي شهدت، أمس الثلاثاء، تشييع عدد من الضحايا الذين قضوا بنيران الأمن، من بينهم الصحافي والناشط صفاء السراي، الذي أصيب برأسه بنيران قوات الأمن خلال محاولتهم فض اعتصام ساحة التحرير، ليلة الاثنين ــ الثلاثاء. في المقابل، فإن طلاب المدارس والجامعات شاركوا، لليوم الثاني على التوالي، في تظاهرات في كربلاء والنجف والكوفة، ومناطق عدة في البصرة وذي قار والمثنى والقادسية وواسط.
وقال مسؤول في وزارة الصحة العراقية، لـ"العربي الجديد"، شريطة عدم ذكر اسمه، إن "حصيلة الضحايا منذ الجمعة الماضي ولغاية عصر الثلاثاء، بلغت قرابة التسعين قتيلاً ونحو 5 آلاف مصاب، أكثر من 4 آلاف منهم غادروا المستشفيات بعد تلقيهم العلاج"، مضيفاً أن "الحكومة تمارس حظراً على الوزارة في التصريح بعدد الضحايا، خصوصاً الذين سقطوا في كربلاء والنجف، على اعتبار قدسية المدينتين (لدى الطائفة الشيعية)، وما يشكله العدد من حرج بالغ لها، وقد يثير المراجع الدينية في المدينتين ويعجل من موقف سلبي ضد الحكومة"، وفقاً لتعبيره.
ويعتبر زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، الذي التحق بالاحتجاجات في النجف أمس الثلاثاء، بحسب مصادر عراقية تحدثت لـ"العربي الجديد"، حالياً المحرك الرئيسي للمحتجين، لا سيما من أنصاره الذي يقدرون بمئات الآلاف في بغداد وحدها. أما في محافظات الوسط والجنوب، فهم يشكلون أكثر من مليوني مناصر. ويبدو الصدر "عنيداً" في معظم سيرته التي بدأت في العام 2003، إلا أنه سرعان ما يتراجع، فلا عدو واضحاً له ولا صديقاً، إلا أنه يبدو في المرحلة الحالية أكثر صرامة، وهو يلعب لعبة الكر والفر مع الحكومة، فقد دعاها إلى الاستقالة ومن ثم إلى التصحيح. وتمكنت "العربي الجديد" من التواصل مع أحد موظفي مكتب الصدر الخاص، وهو مقرب منه، وقال رداً على سؤال عن وجهة نظر زعيم التيار الصدري بالقمع، إن "الصدر غادر مدينة قم الإيرانية بسبب ضغوط إيرانية وقعت عليه"، مؤكداً أن "الصدر وصل إلى العراق، وقد يزور بغداد وساحة التحرير تحديداً، لأنه غاضب جداً من القمع الذي تعرض له المتظاهرون. كما أنه يؤمن بأن إقالة الحكومة أو إسقاطها هو الحل الوحيد الذي سيعمل على تهدئة الشارع العراقي الغاضب".
ولا يبدو التشبث بالسلطة مهماً لدى رئيس الحكومة عادل عبد المهدي، إذ قال، في رسالة وجهها إلى الصدر عقب دعوة الأخير له للمثول تحت قبة البرلمان من أجل الاستجواب والحديث عن القمع والوحشية اللذين تعرض لهما المتظاهرون: "طالبتني بالذهاب إلى مجلس النواب والإعلان من تحت قبته لانتخابات مبكرة تحت إشراف الأمم المتحدة ومفوضية جديدة، وقد يكون المقترح المقدم أحد المخارج للأزمة الراهنة، وقد تأتي نتائج الانتخابات حاسمة، وبالتالي يمكن تشكيل حكومة أغلبية سياسية واضحة تتمتع بدعم برلماني واضح"، مشيراً إلى أن "هناك تحفظات دستورية على اختيار هذا المخرج للأزمة، فالانتخابات المبكرة تستدعي أن يوافق رئيس الجمهورية على طلب من رئيس مجلس الوزراء على حل البرلمان، والدعوة لانتخابات مبكرة خلال 60 يوماً". وتابع "إذا كان هدف الانتخابات تغيير الحكومة، فهناك طريق أكثر اختصاراً، وهو أن يتفق سماحتكم مع الأخ العامري (هادي العامري) لتشكيل حكومة جديدة، وعندها يستطيع رئيس مجلس الوزراء تقديم استقالته واستلام الحكومة الجديدة مهامها خلال أيام، إن لم نقل ساعات من تحقق هذا الاتفاق. أما الانتخابات المبكرة فمجهول أمرها". وفي ما يتعلق بمطلب الصدر بشأن "عدم مشاركة الأحزاب الحالية إلا من ارتضاه الشعب"، أوضح عبد المهدي أن "الأحزاب السياسية تخلفت عن فهم المعادلات الجديدة للبلاد، فلم تقم بواجبها كما يجب. كما تخلفت عن ذلك الدولة، فنزل الشعب إلى الشوارع يعبر عن رأيه. لكن من سيُعرّف الأحزاب التي يرتضيها الشعب؟".
برلمانياً، قال النائب عن تحالف "سائرون" المعارض رعد المكصوصي، إن "التظاهرات الشعبية لا تزال مستمرة وبقوة، وهي أداة ضغط كبيرة على الحكومة من أجل تنفيذ مطالب المحتجين، وإن القرارات الأخيرة للبرلمان العراقي كانت جيدة، ولعل أبرزها هو تعديل بعض فقرات الدستور التي تمنع الإصلاحات، لكنها ليست كافية لإرضاء الشعب الثائر والصدر، لأنها لا تتناسب مع عدد الضحايا الذين سقطوا بنيران الحكومة، وما عاناه الشعب خلال 16 سنة". وأوضح، لـ"العربي الجديد"، أن "العمل جار على جمع التواقيع لإجبار عادل عبد المهدي على الحضور إلى البرلمان، ومحاسبته وتحميله مسؤولية القمع. وهذا أبرز ما سنعمل على تحقيقه خلال الفترة المقبلة".
من جانبه، أشار العضو في تيّار "الحكمة" حبيب الطرفي إلى أن "التظاهرات الجارية حالياً في العراق لا تحتوي على أي ملامح أو أركان واضحة، فهي فوضوية وغير معروفة القيادة. وحتى المطالب متضاربة، فهناك من يريد حل البرلمان وآخر يريد إسقاط الحكومة، وهناك من يريد خدمات، وبالتالي ستضيع الحقوق بهذه الطريقة، وندخل بمرحلة بالغة الفوضى. إلا أن دخول الصدر على الخط أمر إيجابي، وذلك لأنه يمتلك الشارع وعنصر فعّال في البرلمان. ولكن مطلب إسقاط أو إقالة الحكومة سيُدخل العراق في متاهة". ولفت، في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، إلى أن "عبد المهدي يعمل حالياً على جملة الإصلاحات، ولكن عمله يتم بهدوء وبعيداً عن الضجة الإعلامية. ولأن التركة الكبيرة والتراكم والإخفاق كثير في الحكومات السابقة، فإن الإصلاح لا يأخذ صداه كما يرجو العراقيون. كما أن المتظاهرين لا يؤمنون بالتوقيتات التي تضعها الحكومة، كما أنهم لا يؤمنون بالحكومة نفسها، وبالتالي فهناك أزمة ثقة كبيرة بين الشعب وحكومته". إلى ذلك، رأى المحلل السياسي العراقي هشام الهاشمي أن "عبد المهدي يقع ضحية مستشاريه الذين لا يعلمون كيف تسير الأمور في الشارع، كما أنهم ينكرون قمع المتظاهرين ومقتل المئات وجرح الآلاف". وأوضح، لـ"العربي الجديد"، أن "عادل عبد المهدي لن ينجح بتجاوز هذه الأزمة حتى يستمع إلى صوت الشعب، وعليه أن يُنكر صوت من جعله في هذه الورطة".