ما بعد إقالة بن دغر: اختبار لدعم التحالف للحكومة

17 أكتوبر 2018
إقالة بن دغر لم تكن مفاجئة (صالح العبيدي/فرانس برس)
+ الخط -
يمثّل قرار الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، الإطاحة برئيس الحكومة أحمد عبيد بن دغر وتعيين معين عبدالملك رئيساً جديداً للوزراء، تحوّلاً هاماً يحرك المياه الراكدة بالنسبة للحكومة الشرعية، في ظل أدائها المترهل وملفات الفشل المتراكمة، من فقدان السيطرة على معظم المدن بما فيها العاصمة صنعاء، وصولاً إلى التمرد الذي تواجهه في المدن الجنوبية. لكن هذا التحوّل قد يصبح بلا معنى سوى استمرار الانهيار، ما لم تتبعه خطوات تمكّن الحكومة من إثبات وجودها داخل البلاد وفرض سلطاتها في المحافظات غير الخاضعة لجماعة "أنصار الله" (الحوثيين)، والتي تضم مناطق الثروة، ولكن القرار الحكومي فيها مُصادر من قبل التحالف السعودي - الإماراتي وما يديره من تشكيلات عسكرية وأمنية وكيانات خارجة عن الدولة، قبل كل شيء.

وخلال الساعات الأخيرة، ذهبت معظم ردود الفعل التي رصدتها "العربي الجديد"، في الأوساط السياسية اليمنية، إلى أن تغيير بن دغر كان خطوة متوقعة على ضوء تطورات الأشهر الأخيرة، بما فيها الخلافات الحكومية مع التحالف والأزمة الاقتصادية التي مثّلت ضربة إضافية للحكومة الشرعية. غير أن ما تضمّنه القرار، من صيغة إدانة لبن دغر وإحالته إلى التحقيق، بدا كما لو أنه انتقام شخصي، خصوصاً أنه لم يكن على خلاف كبيرٍ مع هادي، كما سلفه خالد بحاح، والذي أقيل بصيغة مشابهة في إبريل/ نيسان 2016. وعزز من هذا التقييم أن القرار لم يشمل سوى إقالة رئيس الحكومة فيما أبقى على جميع الوزراء والمسؤولين، الذين يفترض أنهم شركاء بالفشل أو بالملفات التي تحدث عنها القرار، من الأزمة الاقتصادية إلى إعصار "لُبان" الذي ضرب محافظة المهرة.

وفي الوقت الذي تحفّظت فيه مصادر في "المجلس الانتقالي الجنوبي" الانفصالي المدعوم إماراتياً، تواصلت معها "العربي الجديد"، عن إبداء موقف تجاه تغيير رئيس الحكومة، تحدثت تسريبات عن قرارات مقبلة من المتوقع في حال صدورها أن تُكمل الصورة حول الملابسات التي دفعت لإقالة بن دغر، وما إذا القرار في إطار تسوية بين الشرعية والتحالف، تشمل خطوات أخرى ترضي الانفصاليين الذين يصعّدون ضد الحكومة منذ أشهر، كتعيين محسوبين على "المجلس الانتقالي" أعضاء في الحكومة أو على مستوى السلطة المحلية في المحافظات الجنوبية.

وفي السياق ذاته، فإن من أبرز ما يرتبط برئيس الوزراء الجديد، هو أنه يتحدر من محافظة تعز، المحسوبة على الشمال، وفقاً للتقسيم الشطري الذي يُعد عاملاً محورياً بالنسبة لموقف الانفصاليين، وجاء بديلاً عن بن دغر الجنوبي المتحدر من محافظة حضرموت، وحاول هادي تعويض موقعه بتعيين محافظ حضرموت الأسبق سالم الخنبشي، وهو قيادي في الحزب الاشتراكي اليمني، نائباً لرئيس الحكومة. ومع ذلك، يظل موقف "الانتقالي" مبنياً على أي تغييرات أخرى في حكومة هادي تفسح المجال لأتباعه بتعيينات وتزيح الوزراء المغضوب عليهم من الإماراتيين.


وعلى صعيد التحالف، يبدو رئيس الوزراء الجديد، الذي يأتي من فئة الشباب المستقلين ولاقى تعيينه ترحيباً من أوساط مختلفة، على علاقة جيدة مع الرياض، بما هي مركز التأثير وقرار الحرب، إذ ظهر في أكثر من مناسبة مع السفير السعودي لدى اليمن، مسؤول برنامج إعادة إعمار اليمن في وزارة خارجية بلاده، محمد آل جابر، وشارك مع السفير في زيارات ميدانية جرى خلالها الإعلان عن مشاريع تنموية في أكثر من محافظة يمنية، بتمويل سعودي.

في المقابل، من غير الواضح حتى اليوم، الموقف من معين عبدالملك بالنسبة للإماراتيين، الذين يملكون القرار الأول في عدن ومحيطها إلى حد كبير، وهم محرك الاحتجاجات والمطالبات المنادية بإسقاط حكومة بن دغر، وبالتالي فإن إقالة الأخير مثّلت نصراً لحلفاء أبوظبي. لكن دعم رئيس الوزراء الجديد من عدمه، من المرجح أن يبقى رهناً بأي خطوات أخرى يتفق حولها السعوديون والإماراتيون. ومن دون ذلك، فإن فرص نجاح عبدالملك قد تصبح أضعف من سلفه، باعتبار أن أي قرار أو موقف يمكن أن يتخذه الأخير، سيواجهه الانفصاليون باعتباره صادراً عن "شمالي".

وفي كل الأحوال، فإن إقالة رئيس الحكومة والإبقاء على جميع أعضائها أو الغالبية منهم، لن يمثّل تحولاً كبيراً على نحو إيجابي، ما لم يكن مترافقاً مع العديد من الخطوات، تتمحور حول رضى التحالف السعودي - الإماراتي وجديته بدعم الحكومة اليمنية من عدمه. والخطوة الأولى في السياق، تتمثّل بالسماح للحكومة ورئيسها الجديد بالوجود في عدن، التي تصفها الشرعية بـ"العاصمة المؤقتة"، ومنها إدارة مختلف المهام الدستورية، وما لم تتجاوز الشرعية حاجز الاستقرار داخل البلاد، فإن أداءها قد لا يختلف بتغيير بن دغر أو حتى معظم وزراء حكومته.

وإلى جانب عودة الحكومة، هناك حاجة لتمكينها من القيام بواجباتها وإخضاع كل الأجهزة الأمنية والعسكرية لمؤسساتها الرسمية، لتكون مسؤولة بصورة مباشرة عن الأوضاع في المحافظات غير الخاضعة للحوثيين على الأقل، إذ إن التحديات التي تواجه الحكومة لا تنحصر في شخص بن دغر أو ملفات الفساد التي تُتهم فيها حكومته، بل تتمثّل أولاً وأخيراً، بعجزها عن فرض سلطتها، ووجود كيانات وتشكيلات عسكرية تتلقى أوامرها من الإماراتيين، فضلاً عن أهمية السماح للحكومة باستغلال الموارد العامة لخزينة الدولة، من خلال استئناف تصدير النفط والغاز وإدارة مختلف الموانئ البحرية والمنافذ الجوية. ومن دون ذلك، فإن إقالة بن دغر قد لا تحدث تغييراً كبيراً، بل قد تؤدي إلى مرحلة جديدة من التصعيد.

المساهمون