لبنان: هل يُسقط خلاف الحريري وباسيل الحكومة؟

19 مارس 2019
مخاوف من تفاقم خلافات باسيل والحريري (حسين بيضون)
+ الخط -
أقل من أربعة أسابيع كانت كافية ليتبين أن الحكومة اللبنانية التي أعلن عن تشكيلها في 31 يناير/كانون الثاني ونالت الثقة في منتصف فبراير/شباط الماضي، والتي أطلق عليها تسمية "حكومة إلى العمل"، باتت حكومة "العمل المكبَّل"، وفق توصيف مصدر نيابي محسوب على تيار المستقبل الذي يتزعمه رئيس الوزراء سعد الحريري. كذلك كانت هذه الأسابيع بمثابة فترة كافية لتثبت أن المحاصصة التي كبلت عملية تأليف الحكومة على مدى 9 أشهر، هي ذاتها التي عرقلت انطلاقة الحكومة وأفرزت سريعاً التوجهات المتضاربة بين أفرقائها، وخصوصاً بين أبرز مكونين فيها، تيار "المستقبل" و"التيار الوطني الحر". ومع تراكم الملفات الخلافية بين الأفرقاء والتي باتت تهدد الحكومة، يحاول البعض أن يعمل على خط احتواء الأزمة بالتزامن مع عودة سعد الحريري من باريس أمس الاثنين فيما يبدو انعقاد الجلسة الحكومية بعد غد الخميس رهناً بإنضاج ظروف عقدها من دون تفجير الجلسة وبالتالي الحكومة برمتها.

وكانت الأزمة الحكومية انطلقت على خلفية مشاركة الحريري قبل أيام في مؤتمر "بروكسل 3 حول دعم مستقبل سورية والمنطقة" برفقة وزراء محسوبين على الثلاثي المستقبل ــ والقوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي، خصوم النظام السوري وحزب الله، فيما تم استبعاد وزير الدولة لشؤون النازحين صالح الغريب المحسوب على التيار الوطني الحر والمقرب من النظام السوري. وتخللت المؤتمر مواقف واضحة للوزراء اللبنانيين المشاركين فيه حمّلوا النظام السوري المسؤولية عن تأخير عودة اللاجئين (تصر الدولة اللبنانية على وصفهم بالنازحين)، إضافة إلى ربط العودة بأن تكون آمنة بعد رصد انتهاكات طاولت العائدين. كما تم ربط التجاوب مع المبادرة الروسية الخاصة بإعادة اللاجئين بموافقة المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.




وعقب ذلك هدّد باسيل بإسقاط الحكومة رابطاً ذلك بملف الخلاف حول إعادة اللاجئين السوريين، وواصفاً مؤتمر بروكسل 3 بأنه "يهدف إلى توطين اللاجئين"، قبل أن يرد تيار المستقبل عبر مصادره وعبر قنواته الإعلامية تحديداً تلفزيون المستقبل، معتبراً أن أصحاب "الخطاب الذي يقول إن مؤتمر بروكسل للنازحين السوريين هدفه تمويل بقائهم في مكانهم" هم أقرب إلى مقدمي "أوراق الاعتماد للممانعة" و"يريدون تطبيع العلاقة مع نظام بشار الأسد الذي يضع رئيس حكومتهم على لوائح الإرهاب"، ثم ما لبث أن تراجع باسيل مشيراً إلى أن خطابه أسيء فهمه.

وعلى الرغم من تمكن الوسطاء الذين دخلوا على خط التهدئة، ومن بينهم رئيس مجلس النواب نبيه بري، من ضبط التصعيد، إلا أن ذلك لا يبدو كافياً بعد لعقد جلسة حكومية بعد غد الخميس لا تكون فخاخ الخلافات حاضرة على طاولتها. وتقول مصادر حكومية تحدثت مع "العربي الجديد" إنه من المتوقع أن يزور الحريري القصر الرئاسي للقاء رئيس الجمهورية ميشال عون، تمهيداً لمزيد من المشاورات بشأن جدول أعمال الجلسة، وأيضاً لمحاولة حل النقاط العالقة قبل الجلسة، كي لا تنفجر في حال انعقادها.

وفي سياق تعداد الخلافات، يحضر ملف التعيينات ‏الإدارية التي يريد "التيار الوطني الحر" الاستئثار بالحصة المسيحية فيها، فيما يعارض الأمر "المستقبل" و"القوات اللبنانية". كذلك برزت أزمة مسعى "التيار الوطني الحر" لاستئجار مزيد من البواخر لإنتاج الكهرباء، الأمر الذي يقف ضده الثلاثي "المستقبل" و"القوات" و"التقدمي". ولعل ملف الكهرباء يأخذ طابعاً أبعد من الداخل اللبناني، خصوصاً أنه مرتبط أساساً بمؤتمر "سيدر" لإقراض الاقتصاد اللبناني الذي عقد في 2018 في فرنسا والذي تضمن نقداً واضحاً لموضوع الكهرباء في لبنان، واستنزافه للخزينة اللبنانية، واعتبار المجتمع الدولي هذا الملف حيوياً على صعيد تحسين الإدارة ومحاربة الفساد، وهي الشروط الأساسية لتسهيل التمويل الدولي للبنان.

وفي السياق تجزم المصادر الحكومية بأن الأزمة تشمل أيضاً إعادة تموضع واضحة داخل الحكومة بين الاصطفافات التقليدية أي "8 آذار" (حلفاء حزب الله والنظام السوري وإيران) و"14 آذار" (تحالف القوى المعارض لحزب الله وشركائه).
وتشير المصادر إلى تموضع واضح بين "القوات" و"المستقبل" و"الاشتراكي"، في مختلف الملفات وخصوصاً الخلافية اليوم، مقابل إعادة رص قوى "8 آذار" لصفوفها وصولاً إلى مواقف رئيس تيار "المردة" النائب سليمان فرنجية الداعمة لـ"التيار الوطني الحر" في موقفه من اللاجئين، بعد سنوات من الخلافات بينهما على خلفية الانتخابات الرئاسية التي ترشح خلالها فرنجية وكانت من نصيب عون.

ولعل القلق الأساسي من الخلافات الأخيرة يكمن في أن ركني الحكومة الأساسيين كانا محور الاشتباك أي التيار الوطني الحر وتيار المستقبل. كما أن التوافق بين باسيل والحريري كان الممهد لصفقة انتخاب الرئيس الحالي ميشال عون رئيساً للجمهورية وتأليف الحكومة السابقة التي أجرت الانتخابات، وكذلك الحكومة الحالية التي يسيطر الرجلان على نحو 17 مقعداً فيها من أصل 30، وبالتالي أي خلافات بينهما ستكون لها ارتدادات عدة.
وما يفاقم القلق أن التعويل كان على التناغم بين الحريري وباسيل لتكون الحكومة فعالة، خصوصاً أن العلاقة بينهما لا تقتصر على السياسة، بل تتعداها إلى شراكة أعمال بينهما يحكى الكثير عنها في الداخل اللبناني عنها، ويحكى أنها شراكة تمتد إلى ملفات النفط وإعادة إعمار سورية، وهي الشراكة، التي، إن كانت موجودة بالفعل، دفعت الحريري إلى الإيعاز إلى مناصريه في منطقة البترون (شمال لبنان) بانتخاب باسيل شخصياً في الانتخابات النيابية حتى أنه وصفه بأنه صديقه.

ويشير هذا الوضع إلى أن لبنان مقبل على مرحلة حساسة سياسياً مرتبطة بما يحصل في المنطقة وداخله بما في ذلك ما يتعلق بمواجهة نفوذ حزب الله. ويأتي التوتر الحكومي قبل أيام من الزيارة المرتقبة لوزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو (يبدأ جولته التي تشمل الكويت وإسرائيل ولبنان اليوم على أن تنتهي السبت المقبل)، وسط توقعات بأن يستقبله أبرز المسؤولين اللبنانيين وهم في العادة رئيس الجمهورية، والوزراء والنواب، إلى جانب وزير الخارجية، بغياب موقف موحد تحديداً في ما يتعلق بالسياسات العامة للدولة. في موازاة ذلك، يبدو شبه مؤكد أن بومبيو سيطرح بوضوح موقف بلاده من "حزب الله"، فضلاً عن توجيه دعوة واضحة للالتزام بتعهدات لبنان بتنفيذ القرارات الدولية، والتزامه بالقوانين الدولية المتعلقة بتجفيف منابع تمويل الإرهاب، والتشديد على ضرورة تطبيق سياسة "النأي بالنفس" وإطلاق حوار فعلي حول الاستراتيجية الدفاعية، وربط كل ذلك باستمرار الهدوء على الحدود الجنوبية وتالياً بالمساعي الأميركية لحل الخلاف النفطي بين لبنان وإسرائيل بشأن بعض البلوكات الحدودية المتنازع عليها.

وفي السياق تقول المصادر الحكومية في حديثها مع "العربي الجديد" إنه لا يوجد أي تصور فعلي لما سيطرحه المسؤولون أمام بومبيو وكل مسؤول في الدولة اللبنانية يتعاطى مع هذه الملفات وفق تموضعه السياسي الإقليمي وتحالفاته، وبالتالي ثمة تخوف من أن تبرز هذه التباينات والخلافات أمام بومبيو الذي ينتظر أن يؤكد خلال زيارته على استمرار الدعم الأميركي للدولة اللبنانية ومؤسساتها الأمنية".