جولة قانونية جديدة حول "تيران وصنافير"... وتعليمات بغلق الملف

24 مايو 2018
جولة جديدة من الصراع القانوني بين الدولة والمعارضة (الأناضول)
+ الخط -
بينما تلقّت وسائل الإعلام الحكومية والخاصة في مصر تعليمات جديدة من الدائرة الخاصة برئيس الجمهورية، عبدالفتاح السيسي، بعدم إثارة قضية التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية مجدداً، وبعدم نشر صور فوتوغرافية لشواطئ منتجع شرم الشيخ تظهر أجزاء من جزيرة تيران القريبة، بدأ الدبلوماسي المصري السابق، إبراهيم يسري، جولة جديدة أمام القضاء المصري، وتحديداً أمام المحكمة الدستورية العليا، لإلغاء قرار التنازل عن الجزيرتين، وذلك بعد مرور نحو 3 أشهر على صدور حكم نهائي من المحكمة الدستورية بإلغاء جميع الأحكام القضائية السابقة والمتناقضة، الصادرة في القضية.

ويفيد نشر حكم المحكمة الدستورية في الجريدة الرسمية في 14 مارس/ آذار الماضي، بأنه لم يعد جائزاً لأي محكمة أو جهة تنفيذية مخالفة اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين البلدين، علماً أن الحكم كان قد صدر قبل ساعات من الزيارة الرسمية الأولى لولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، بعد توليه منصب ولي العهد، إلى القاهرة في 3 مارس الماضي.

وعلمت "العربي الجديد" من مصادر إعلامية، أنه بعد صدور حكم "الدستورية" بأسابيع عدة، صدرت تعليمات من الأجهزة الاستخباراتية لوسائل الإعلام بغلق ملف "تيران وصنافير" للأبد، وعدم إثارته من جديد، سواء عن طريق تغطيات الأحكام أو الدعاوى القضائية أو عن طريق مقالات الرأي، وخصوصاً أنّ معلومات تردّدت في الأوساط القريبة من السلطة عن إبعاد بعض الشخصيات الإعلامية عن مناصب مرموقة كانوا مرشحين لشغلها بسبب مواقفهم غير المتطابقة بالكامل مع موقف الدولة في التعامل مع القضية، رغم أنهم لم يجاهروا بمعارضتهم للتنازل عن الجزيرتين.

وبينما أغلق المجال الإعلامي المحلي أمام إثارة القضية بهدف إرضاء السعودية، بل والترويج بدلاً من ذلك لخطط اشتراك البلدين في تنفيذ مشروعات تنموية، أبرزها مشروع جسر الملك سلمان الرابط بين السعودية ومنطقة نبق بسيناء، أقام السفير السابق، إبراهيم يسري، قبل يومين، طعناً أمام المحكمة الدستورية العليا، بصفته وكيلاً عن بعض الحاصلين على حكم القضاء الإداري ببطلان التنازل عن الجزيرتين، وذلك للحصول على حكم جديد من "الدستورية" ببطلان وانعدام الحكم الأخير الصادر في مارس الماضي.

وطالب الطعن الجديد بأن تلغي المحكمة الدستورية حكمها السابق، وأن تقضي مجدداً بالاعتداد فقط بالأحكام الصادرة عن المحكمة الإدارية العليا ومحكمة القضاء الإداري، باعتبار الجزيرتين أرضاً مصرية خالصة لا يجوز التنازل عنها وفق المادتين 1 و151 من الدستور، وأن يقتصر الإلغاء فقط على الأحكام الصادرة عن محكمة الأمور المستعجلة، باعتبارها محكمة غير مختصة بالنظر بقضايا المنازعة من الأصل.


وذكر الطعن أن حكم "الدستورية" خالف القانون المنظّم لعمل المحكمة، إذ تنصّ المادة 25 منه على أن المحكمة تختصّ بالفصل في التنازع بين حكمين نهائيين من محكمتين مختلفتين، ولم يخول المحكمة عدم الاعتداد بالحكمين المتناقضين معاً، مما يوضح التجاوز القانوني والدستوري الذي ارتكبته المحكمة لتلغي آثار الأحكام الإدارية الصادرة من مجلس الدولة، بل إن المحكمة الدستورية بذلك نصّبت نفسها كجهة للطعن الموضوعي على الأحكام الصادرة من الإدارية العليا، وهو اختصاص لم يسنده الدستور إليها.

وأضاف الطعن أن الحكم ارتكب خطأً جسيماً في توصيف المعاهدة، فأسبغ عليها وصف "اتفاقية دولية"، متغاضياً عن أن مؤداها هو التنازل عن جزء من إقليم الدولة، ولا يمكن اعتبارها مجرّد ترسيم للحدود البحرية، وفقاً لاتفاقية البحار وقانون البحار، لأن ترسيم الحدود البحرية لا يتعلّق في الأوضاع العامة بالجزء التابع للدولة ولا يقتطع من حدودها أو يضيف إلى إقليمها، بل هو تقسيم لحدود المياه وليس لحدود الإقليم.

كذلك، كشف الطعن عن ثغرة جديدة في الحكم بأنه تغاضى عن الطابع المؤقت للاتفاقية، لأن المادة الأولى منها أوجبت على كل من مصر والسعودية الاتفاق "لاحقاً" مع الأردن على نقطة الالتقاء المشتركة بين الحدود البحرية للدول الثلاث، وهو إجراء يتناقض مع المادة 74 من اتفاقية قانون البحار الصادرة عام 1982، بل ويمنع تطبيق قانون البحار عليها، لأنها بذلك أصبحت تتعدّى كونها اتفاقية ثنائية بين دولتين متجاورتين، وبات الأمر يتعلّق بترتيب إقليمي.

وأشار الطعن إلى أنّ ما يدعم أنّ التنازل عن الجزيرتين يتعلّق بترتيب إقليمي، هو ثبوت استشراف الحكومة ممثلة في وزارة الخارجية، برأي إسرائيل وإخطارها بتفاصيل الاتفاقية قبل دخولها حيز التنفيذ وقبل اطلاع البرلمان عليها، مؤكداً أن هذا "أمر غير مقبول يمس بسيادة الدولة المصرية، ويومئ بصورة أو أخرى بأنّ مصر خاضعة لضغوط إسرائيلية إلى جانب الضغوط السعودية".

ورغم أن هذا الطعن يمثّل جولة جديدة من الصراع القانوني بين الدولة والتيارات المعارضة لها حول الجزيرتين، إلا أنّ السوابق القضائية تؤكّد أنه لم يسبق للمحكمة الدستورية أن ألغت حكماً أصدرته، وهو ما يقلل حظوظ الطعن الجديد في القبول.

وكانت المحكمة الدستورية قد ذكرت في حيثيات حكمها المطعون عليه حالياً، أنّ اتفاقية ترسيم الحدود تعتبر من "الأعمال السياسية" التي تترابط فيها صلاحيات السلطتين التنفيذية والتشريعية، فلا يجوز على السلطة القضائية التدخّل بينهما، ولا يجوز لها الإفتاء على اختصاص مجلس النواب في الرقابة على مدى التزام الحكومة بالمادة 151 من الدستور التي تحظر التنازل عن أي جزء من أراضي الدولة.

وأكدت المحكمة أن الاتفاقية بعدما تم إصدارها ونشرها ودخولها حيّز التنفيذ رسمياً، أصبحت الرقابة عليها اختصاصاً حصرياً محجوزاً للمحكمة الدستورية العليا وحدها، ولا يجوز للقضاء العادي أو مجلس الدولة النظر بمدى مشروعيتها.