المعارضة السورية تستعد لما قبل الانتقال السياسي... بإدارات محلية

12 اغسطس 2017
تحتاج مرحلة إعادة الإعمار إلى إدارات محلية (عمار العلي/الأناضول)
+ الخط -
يبدو أن انخفاض حدة الصراع العسكري في مناطق سورية عدة، جراء الاتفاقيات المناطقية، والتي كانت روسيا عرّابها الرئيسي، قد أفسحت المجال بشكل أكبر للتفكير في مسألة إدارة تلك المناطق مدنياً، في ظل وجود تحديات كبيرة تتعلق بضعف الإمكانات وضخامة الاحتياجات، مع الدمار الواسع في البنية التحتية وغياب كثير من الخدمات منذ سنوات، وذلك بالتزامن مع وجود توجّه عام لتوحيد واندماج الفصائل العسكرية. وفي إطار الاستعدادات لاستقبال المرحلة المقبلة، والتي قد تكون سابقة لمرحلة الانتقال السياسي، جرى تشكيل "الهيئة العليا للإدارة" في درعا والقنيطرة، ومجلس إدارة محلية لمحافظة دير الزور، مع احتمال وجود أجسام مشابهة في مناطق أخرى من قبل "الحكومة المؤقتة". وأعلنت نحو 16 فعالية في درعا والقنيطرة، بينها ممثل عن "الحكومة المؤقتة" التابعة إلى الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، وممثلو دار العدل ومجالس محافظتي درعا والقنيطرة والشرطة والنقابات، أول من أمس، عن تشكيل ما أطلق عليه "هيئة الإدارة العليا"، بهدف إدارة المنطقة الخاضعة لسيطرة المعارضة السورية. وبثّ المجتمعون شريط فيديو يظهر فيه 16 شخصاً، في حين يتلو معاون وزير الاقتصاد في "الحكومة المؤقتة"، عبد الحكيم المصري، بياناً يعلن فيه تشكيل "الهيئة"، موضحاً أن هدفها "إدارة المناطق المحررة بما يلائم طموحات الشعب"، على حد قوله. ولفت إلى أن تأسيس "هيئة الإدارة العليا" جاء "نظراً إلى الظروف التي تمر بها سورية في هذه المرحلة الدقيقة من عمر الثورة وانطلاقاً من مبادئها وتمسّكاً بالثوابت الوطنية"، مبيناً أن "الباب مفتوح أمام الجميع للتعاون". ورداً على سؤال إن كانت "الهيئة" المشكلة مرتبطة باتفاق تخفيف التصعيد في المنطقة الجنوبية قال محافظ "محافظة القنيطرة الحرة" التابعة للمعارضة، ضرار البشير، لـ"العربي الجديد"، إن "هيئة الإدارة العليا تضم ممثلين عن الحكومة والمحافظين ودار العدل، وهناك تنسيق دائم بين المحافظتين والحكومة ودار العدل واجتماعات بينهم قبل اتفاق تخفيف التصعيد، لكن الظروف تحتم علينا الآن أن نشكل هيئة لإدارة المناطق المحررة"، لافتاً إلى أن "جديد الهيئة أنها ستنظّم أوضاع جميع النقابات".

من جانبه، بيّن مسؤول قسم الدراسات والمشاريع في "محافظة درعا الحرة" التابعة للمعارضة، المهندس موسى الزعبي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "الحاجة من الهيئة اليوم هي تنظيم العمل وتفعيل عمل المؤسسات الثورية وضبط علاقتها بالناس ضمن أنظمة وقوانين تضبط المناطق المحررة، وتحديث الأنظمة والقوانين بما يتناسب مع الواقع الحالي في المناطق المحررة، إذ إن غالبية المناطق المحررة تفتقر إلى قوانين لضبط الوضع في ظل الحرب، لذلك نسعى جاهدين من خلال هذه الهيئة لضبط العمل وتطبيق القوانين في غالبية المناطق". وتابع "لم يكن تشكيل هذه الهيئة استجابة لاتفاق وقف التصعيد، بل هي مطلب جماهيري أساسي في ظل هذه الظروف الراهنة، والكل يدعو لضبط الوضع في المناطق المحررة، المواطن قبل المسؤول، لذلك جاءت استجابة لحسّ المسؤولية والحرص على المحافظة على أمن وممتلكات الناس وضمان حقوقهم، وذلك من خلال أنظمة وقوانين ناظمة في هذه المناطق".

وعما إذا كان سيترافق تشكيل "الهيئة" مع إجراء انتخابات محلية جديدة قال الزعبي "لا علاقة لتشكيل الهيئة والانتخابات المحلية، فانتخابات المجالس المحلية قائمة وبشكل دوري، وفي جميع المناطق المحررة، ولها آليتها، وهي تجرى بشكل دوري وسنوي لكل مجلس تنتهي مدته القانونية، ولا أعتقد أن هناك تغيراً في أي إجراء يخص انتخابات الإدارة المحلية في الوقت الراهن". ولفت إلى أنه "لا يوجد أي تمويل داخلي أو خارجي لهذه الهيئة، فهي هيئة مشكلة من قبل مؤسسات ثورية قائمة ولها دورها الفعال على الأرض، وتقدّم من خلال مؤسساتها جميع أنواع الخدمات، وتنظم أمور الناس من خلال الأنظمة والقوانين الناظمة، ولا ارتباط لنا مع أي جهة، في الداخل والخارج، وبالتالي لسنا بحاجة إلى أي تمويل لتشكيل هيئة كهذه". وحول دور الفصائل في "الهيئة"، قال الزعبي "ليس لدي أي معلومات بخصوص العسكر في الهيئة، وكما أسلفت سابقاً، فإن العسكر وضعوا جميع إمكاناتهم في خدمة أهلنا في الداخل السوري، وحمايتهم والحفاظ على ممتلكاتهم، وأعتقد أنهم لن يبخلوا في تقديم أي نوع من المساعدة أو المساهمة في خدمة أهلنا أولاً وأخيراً، وهم سيكونون حماة الوطن إن شاء الله تعالى".



وذكرت تقارير إعلامية أن "الهيئة العليا للإدارة" في درعا والقنيطرة جاءت نتيجة تحضيرات متواصلة منذ نحو ستة أشهر، واجتماعات مكثفة منذ نحو شهر ونصف الشهر، مشيرة إلى تحديات المرحلة المقبلة بعد اتفاق خفض التصعيد واحتمال عودة أعداد كبيرة من اللاجئين الموجودين في الأردن خلال الفترة المقبلة، إضافة إلى مرحلة إعادة الإعمار، والتي تحتاج إلى وجود إدارات محلية قادرة على إدارتها. وكانت درعا والقنيطرة والسويداء قد شُملت، منذ التاسع من الشهر الماضي، ضمن اتفاق "تخفيف التصعيد"، والذي كانت أولى خطواته على الأرض وقف إطلاق النار والتوجّه إلى دمج أكثر من 50 فصيلاً مسلحاً معارضاً في نحو أربعة فصائل تكون مهمتها حفظ أمن المنطقة وحماية الحدود.

وشكلت وزارة الإدارة المحليّة في "الحكومة السورية المؤقتة" وفعاليات ومنظّمات مدنيّة، الخميس أيضاً، "مجلس الإدارة المحليّة لمحافظة دير الزور"، والذي يتألف من 41 عضواً يوجدون في تركيا وحلب وإدلب. وعلم "العربي الجديد" من مصادر مطلعة أنه تم تشكيل المجلس واختيار أعضائه عن طريق الانتخاب خلال اجتماع بين فعاليات محلية ومنظمات مدنية سورية، ووزارة الإدارة المحلية في "الحكومة المؤقتة"، في مقر "الحكومة" في مدينة غازي عنتاب التركية. وترأس المجلس المنتخب أنس إياد فتيح، وسيكون عبد الباسط الويس نائباً له. كذلك تم انتخاب مكتب تنفيذي للمجلس يتألف من 12 عضواً، بينهم رئيس المجلس ونائبه. ويهدف المجلس، وفق المصادر، إلى وضع إدارة لدير الزور بعد طرد تنظيم "داعش"، ومتابعة أوضاع أبناء المحافظة في الخارج. وتشهد محافظة دير الزور معارك بين "داعش" وقوات النظام السوري ومليشيات تابعة لها، في حين يتم العمل على تشكيل قوة عسكرية من فصائل المعارضة السورية المسلحة، نواتها "جيش مغاوير الثورة"، برعاية التحالف الدولي، بهدف المشاركة في طرد التنظيم من المحافظة، على أن تنطلق عملياته من الشدادي جنوب الحسكة على أطراف الريف الشرقي لدير الزور. كذلك تشير معلومات متقاطعة إلى أن "الحكومة المؤقتة" تواجه هذه الفترة عجزاً مالياً لتغطية نفقات عملها داخل سورية، خصوصاً الخدمية منها، ما يجعلها تبحث عن مصادر تمويل جديدة. وكشف رئيس الائتلاف الوطني السوري، رياض سيف، أخيراً، عن عزم الائتلاف تأسيس صندوق وطني لتغطية تكاليف تشغيل "الحكومة المؤقتة"، بما يمكنها من تقديم إمكانات الصمود واستقرار السوريين في الداخل، وذلك من خلال عقد مؤتمر لرجال الأعمال السوريين الداعمين للشعب السوري، منوّهاً بوعود سعودية بالدعم لتمكين "الحكومة المؤقتة" من أداء عملها.