الجزائر: تحفز استخباراتي لرصد "البنادق السائحة" لداعش

11 مارس 2018
تأهب أمني على الحدود لمنع أي تسلل للإرهابيين(أحمد كمال)
+ الخط -


تدرس أجهزة الاستخبارات الجزائرية تقارير عن وجود مجموعات تتبع تنظيم "داعش" في منطقة الساحل وخصوصاً شمال مالي، منذ إعلان مجموعة بقيادة أبو الوليد الصحراوي المنحدر من الجزائر، مبايعة مجموعته تنظيم "داعش" وزعيمه أبو بكر البغدادي، تزامناً مع تزايد نشاط تنظيم "أنصار الإسلام" الذي نشأ قبل سنة ونصف السنة بعد انصهار خمسة تنظيمات مسلحة معاً بقيادة الدبلوماسي المالي السابق إياد غالي، وبعد انحياز قيادات من هذا التنظيم إلى "داعش" في منطقة الساحل.

وترصد السلطات الجزائرية تحركات وُصفت بـ"المقلقة والمخيفة" لمجموعات وقيادات إرهابية في منطقة شمال مالي أعلنت ولاءها لتنظيم "داعش". وقال مصدر أمني رفيع لـ"العربي الجديد"، إن "أجهزة الأمن الجزائرية تولي في الفترة الأخيرة اهتماماً خاصاً بمحاولات تنظيم داعش بناء قاعدة خلفية له في مناطق شمال مالي تحديداً والنيجر"، مشيراً إلى أن "أجهزة الأمن الجزائرية تدرس تقارير بشأن ما إذا كانت كتيبة أبو الوليد الصحراوي الذي أعلن عن مبايعته لتنظيم داعش وتمثيله في منطقة الساحل، مقدمة لتركيز منطقة وجود للتنظيم الإرهابي، وتوفير ممرات لصالح العناصر الإرهابية الهاربة من سورية والعراق وليبيا للانتقال للنشاط في المنطقة، وتعمل أجهزة الأمن لمنع سياحة البنادق الداعشية قرب الحدود الجزائرية".

وذكر المصدر الأمني الجزائري أن "الاستخبارات الجزائرية تأخذ على محمل الجد هذه التقارير وتتعاطى معها على أساس أنها تهديدات جدية، خصوصاً بعد ملاحظة والتأكد من انتقال قياديين في تنظيمات مسلحة تنشط في الساحل إلى صفوف تنظيم داعش في الساحل، كانتقال سلطان ولد باي المدعو أبو علي، وهو أحد أبرز مؤسسي تنظيم التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا، إلى صفوف داعش في الساحل وتعزيزه لكتيبة أبو الوليد الصحراوي"، ناهيك عن حديث متزايد عن وجود تقارب بين تنظيم "داعش" في الساحل مع تنظيم "أنصار الإسلام" الموالي لـ"القاعدة"، بحكم العلاقة السابقة بين قيادات التنظيمين.

وتترجم هذه المخاوف الأمنية والعسكرية الجولات المكثفة لقائد أركان الجيش الجزائري الفريق أحمد قايد صالح وبشكل غير مسبوق في منطقة الجنوب ومناطق تمركز قوات الجيش قرب الحدود مع مالي والنيجر، وهي المناطق الهشة التي تشدد قوات الجيش منذ شهر سبتمبر/أيلول الماضي مراقبتها ورصد كل التحركات فيها. إضافة إلى فتح قوات الجيش الجزائري ممرات آمنة لمسلحين وناشطين في مختلف التنظيمات المسلحة لتسليم أنفسهم مقابل الاستفادة من تدابير السلم والمصالحة الوطنية، ما أدى إلى استسلام أكثر من 13 مسلحاً منذ بداية العام الحالي، وهو مسعى تسعى قوات الجيش والأجهزة الأمنية من خلاله لاستقطاب أكبر عدد ممكن من المسلحين لتحييدهم وقطع كل مرتكز للجماعات الإرهابية التي تنشط في شمال مالي في الداخل والصحراء الجزائرية، والأهم من كل هذا الحصول على قدر كبير من المعلومات بشأن مخططات وتسليح تنظيم "داعش" وجماعة "أنصار الدين" إزاء الجزائر.

وأعرب كبار المسؤولين الجزائريين عن قلقهم من إمكانية انتقال عناصر "داعش" بعد اندحاره من ساحات القتال في سورية والعراق إلى منطقة الساحل المتاخمة للحدود مع الجزائر، وهو ما عبّر عنه الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة الأربعاء الماضي في رسالته إلى اجتماع وزراء الداخلية العرب، قائلاً: "لقد شهدنا اندحار مجموعات إرهابية كانت تزرع القتل والتدمير، واسترجاع أراضٍ كانت تحت سيطرتها، لكن ذلك لا يجب أن يدفعنا إلى الاستكانة، إذ نجحت عناصر من المجموعات الإرهابية الدامية في الفرار والهروب إلى مناطق صراعات أخرى، وهذا ما يُعرف بتفريخ الجماعات الإرهابية، بعد أن يوفر بيئة حاضنة لها، وهذا الأمر يفرض علينا التبادل المكثف للمعلومات والتحفز الدائم والحذر".


وإضافة إلى القلق من وجود فعلي لتنظيم "داعش" في منطقة الساحل قرب الحدود مع الجزائر، تبدي بعض القيادات الأمنية قلقاً من وجود أجنبي بات مكثفاً ومتعدداً في منطقة الساحل، خصوصاً وجود قوى غير تقليدية ولا علاقة لها بالمنطقة، كالسعودية والإمارات. وتتساءل هذه القيادات الجزائرية عن دوافع التمويل السعودي الإماراتي لقوة مجموعة الخمس التي تقودها فرنسا وتشارك فيها كل من تشاد ومالي والنيجر وبوركينا فاسو.

وفي هذا السياق، لفت الخبير العسكري رمضان حملات، إلى أن "التجارب الواضحة في سورية واليمن تؤكد أن تدخّل بعض القوى الخليجية مؤشر خطير، وفي حالة دول الساحل التي تجد الجزائر نفسها معنية بها بشكل مباشر، يمكن أن يدفع ذلك إلى توفير بيئة توتر تستقطب الجهاديين والمقاتلين"، مشيراً إلى أن "التقارير التي تتحدث عن انتقال عناصر ومجموعات من داعش هاربة من مناطق في سورية والعراق وليبيا، تستدعي التساؤل عن كيفية تمكّن هؤلاء من الوصول إلى منطقة الساحل، متخطين كل الدول والحدود والصحاري والمراقبة الجوية والأرضية، وهذا يدفع القيادة العسكرية والأمنية في الجزائر إلى التخوف من أي لعبة تتداخل فيها مصالح دولية على حساب استقرار المنطقة".

وأدى تزايد العمليات الإرهابية لتنظيم "أنصار الإسلام" في مناطق شمال مالي والنيجر قرب الحدود مع الجزائر وفي بوركينا فاسو، خصوصاً العملية الاستعراضية الأخيرة في قلب العاصمة واغادوغو، تزامناً مع عودة التوتر بين حركات الطوارق المسلحة والحكومة المركزية في مالي بسبب ما يعتبره الطوارق تعثر تطبيق اتفاق السلام في الجزائر، إلى عودة المخاوف بشكل جدي في الجزائر من تحرك جديد للرمال في المنطقة، بعد ثلاث سنوات من الاستقرار النسبي. وتعليقاً على ذلك، قال المحلل المختص في الحركات المسلحة في منطقة الساحل، حسام آغ عيسى، إن "عملية واغادوغو تمت في اليوم الذي احتفى فيه تنظيم أنصار الإسلام بسنته الأولى، لكن أيضاً كرد فعل على اتفاق مجموعة الخمس، فرنسا ومالي والنيجر وتشاد وبوركينا فاسو على اتفاق بماكو لإنشاء هذه القوة وإطلاقها لمحاربة المجموعات المسلحة في الساحل".

أما تنظيم "أنصار الدين" الذي أعلن ولاءه لزعيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" في الجزائر عبد المالك دروكدال، وعلى الرغم من أنه لم يستهدف حتى الآن الجزائر، لكن المخاوف الجزائرية من إمكانية حدوث ذلك يبررها وجود قياديين من هذا التنظيم في الجانب المالي قرب الحدود الجزائرية، وفي مقدمتهم مالك آغ ونسنت، وتم قصفهم من الطائرات الفرنسية التي تنفذ عمليات ملاحقة للمجموعات الإرهابية في شمال مالي منذ مارس/آذار 2012.

المساهمون