نعم، اختلف لقاء برلين عن سابقيه في باليرمو وباريس والصخيرات، فالتمثيل في العاصمة الألمانية كان في أعلى مستوياته، بحضور قادة دول. أما المختلف الثاني، والأكثر وضوحاً في رسالته، هو موضع رئيس حكومة الوفاق فائز السراج واللواء المتقاعد خليفة حفتر، إذ كانا قد انتظرا في غرف خلفية لساعات ما سيخرج من الغرفة المقفلة التي لم يتسرّب منها أي شيء، سوى صورة لخّصت ما جرى في داخلها.
الصورة المسربة أظهرت رؤوس القادة والرؤساء، وهي تقترب من بعضها في شكل دائرة حول وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو وهو يتحدّث همساً على الرغم من أنه ومن حوله في قاعة مغلقة، ليخرج الجميع بعدها في مؤتمر صحافي ويعلنوا عن وثيقة برلين، التي لم تكن بنودها فحوى تهامس تلك الرؤوس، فأوراق الوثيقة التسع لم تكن سراً وقتها، بعدما نشرتها غالبية وسائل الإعلام العالمية قبل انعقاد المؤتمر بأسبوع على الأقل!
الحقيقة الثابتة والوحيدة التي كانت تخفيها وثيقة برلين بين سطورها، تتمثّل في أنّ المجتمع الدولي بصدد تشكيل مشهد سياسي جديد يفضي إلى أوضاعٍ ربما تكون مستقرّة نوعاً ما، ضماناً لمصالحه، سواءً في ليبيا أو خارجها، خصوصاً أن طرابلس وحكومتها باتتا اليوم عاملاً مهماً في قصة الوقت المتعلقة بترسيم الحدود المائية في البحر المتوسط. ويتساءل ناشط ليبي هنا: "ما دامت لديكم القدرة على جمع شتاتكم في بحر أسبوعين، وفرض كل هذا الكم من القيود على أطراف الصراع بهذه السرعة، فما الذي أعجزكم طيلة تسعة أشهر ماضية، حتى تحول المهجرون من بيوتهم إلى رقمٍ عابر، تُستثمر معاناتهم الإنسانية في حصد مكاسب سياسية؟".
تعددت أجوبة المتابعين بالتعليق على سؤال الناشط، لكن اللافت في أكثرها قناعة سارية بأن أكبر نتائج برلين هو أنها فضحت حقيقة أدوار قادة الصراع المحليين، وأنهم ليسوا إلا ممثلين لأطراف خارجية تخوض حرباً بالوكالة من خلالهم، ما حدا ببعض المتابعين إلى الدعوة للعودة إلى ما قبل الرابع من إبريل/ نيسان الماضي، ويا دار ما دخلك شرّ.