اتفاق إدلب... من يتمسك به ومن يسعى إلى إلغائه؟

14 نوفمبر 2018
ترد المعارضة على النظام بالأسلحة المتوسطة(عمر حج قدور/فرانس برس)
+ الخط -
قفز الاتفاق التركي الروسي، الذي نزع فتيل الحرب في شمال غربي سورية، إلى واجهة الاهتمام الإعلامي، مع تكرار الهجمات من قبل قوات النظام ومليشيات إيرانية على مواقع تابعة للمعارضة السورية وعلى المدنيين في المنطقة، كان آخرها الـ هجوم على فصيل بارز في الجيش السوري الحر، شمال حماة، ما أدى إلى مقتل عدد كبير من مقاتليه، في خرق للاتفاق الذي ترى المعارضة أن إيران تعمل على تفكيكه لأنها لم تكن جزءاً منه. وفي خرق جديد للاتفاق، أكدت هيئة تحرير الشام التي تشكل جبهة النصرة نواتها الصلبة، أمس الثلاثاء، عن مقتل 10 عناصر من قوات النظام بينهم 4 قناصين إثر استهدافهم من قبل مقاتلي "الهيئة" خلال تقدمهم لنقطة متقدمة في تل الطوقان (ريف إدلب الشرقي)، وفق ما أفادت به الهيئة في معرفاتها الرسمية في وسائل التواصل الاجتماعي. ويضاف ذلك إلى سلسلة حوادث جرت خلال الأيام القليلة الفائتة أعقبت خرق النظام لاتفاق سوتشي بارتكابه مجزرة في بلدة جرجناز والهجوم على مقاتلي "جيش العزة" شمالي مدينة حماة، ما يجعل مصير هذا الاتفاق الثنائي بين الروس والأتراك محل تساؤلات مشروعة لجهة صموده، وخصوصاً أن هناك أطرافاً لا ترغب ببقائه، تحديداً النظام وحليفه الإيراني. وهددت قوات النظام السوري أول من أمس الإثنين، وفق تصريحات لمصدر عسكري نقلتها وكالة"سبوتنيك" الروسية المحسوبة على الاستخبارات الروسية، ببدء عملية عسكرية "كبيرة" شمالي محافظة حماة، وجنوبي محافظة إدلب. وقال المصدر في قوات النظام إنه "في حال استمرار الاعتداءات على مواقعنا، فسنبدأ بالعمل العسكري في الأيام القليلة المقبلة"، محملاً الجانب التركي مسؤولية "الفشل" بتنفيذ التزاماته بما يتعلق بالمنطقة "منزوعة السلاح" في محافظة إدلب.

بذلك، يكون الاتفاق الذي أعلن عنه الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، ونظيره الروسي، فلاديمير بوتين، في مدينة سوتشي الروسية، في 17 سبتمبر/أيلول الماضي، مهدداً جدياً رغم أنه تم بموجبه إنشاء منطقة آمنة في محيط إدلب بين مناطق النظام والمعارضة بحدود تتراوح بين 15 و20 كيلومتراً، خالية من السلاح الثقيل. والتزمت قوات المعارضة بالاتفاق وسحبت أسلحتها الثقيلة من المنطقة، لكن قوات النظام لم تلتزم به، وهي تعمل بشكل مستمر على تسخين الجبهات، في محاولة واضحة لاستفزاز فصائل المعارضة المسلحة وجبهة النصرة التي ترد حتى الآن بالأسلحة المتوسطة والخفيفة. ويعد ما جرى خلال الأيام القليلة الماضية أكبر تحدٍ للاتفاق، الذي يبدو أن الروس والأتراك جادون بتطبيقه في منطقة تضم ملايين المدنيين، هم بمثابة قنبلة بشرية، سيكون لانفجارها ارتدادات كبرى لن تبقى ضمن الحدود الجغرافية السورية.

ويبحث النظام وإيران عن ذرائع لتجاوز الاتفاق الذي أبرمته أنقرة وموسكو من دون أن يكون لطهران أي دور فيه، وهو ما اعتبر خطوة متقدمة في طريق تحييد الإيرانيين في سورية. وحاول النظام استغلال ما جرى في شمال غربي سورية في سياق معركة إعلامية بدأها منذ أشهر ضد المعارضة السورية في محافظة إدلب، إذ زعمت صحيفة "الوطن"، التابعة للنظام قبل أيام، أن فصائل المعارضة المسلحة "بدأت بالتزلف والتقرب من (جبهة) النصرة وبقية فروع تنظيم القاعدة في إدلب، ولاسيما حراس الدين، في مسعى لتأسيس تحالف عسكري بينهم، وبرضى أنقرة"، وفق الصحيفة التي ادّعت أيضاً أن فصائل المعارضة نعت اتفاق سوتشي.

من جانبه، قال القيادي في الجيش السوري الحر وقائد حركة "وطن"، العقيد فاتح حسون، إنه "بالرغم من الخروقات المتكررة التي تقوم بها قوات الحرس الثوري الإيراني، بمشاركة طيران الاستطلاع الروسي، لاتفاق قمة سوتشي، يبدو أنه تمت إعادة ضبط البوصلة من قبل الضامن التركي". وأضاف "صرح وزير الدفاع (التركي خلوصي آكار)، بعد هذه العمليات المحدودة والقريبة من إحدى نقاط المراقبة التركية، أن تركيا اتخذت اللازم وترغب في الحفاظ على الوضع الراهن في إدلب بالرغم من وجود بعض المشاكل البسيطة". وأشار حسون، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أنه "أصبح واضحاً أن إيران تعمل بشكل جاد على تخريب اتفاق إدلب، وذلك كرد فعل منها على استثنائها من قمة سوتشي أولاً ومن القمة الرباعية الأخيرة التي عقدت في إسطنبول ثانياً". واعتبر أن "روسيا ترى أنه لا بد من تذكير تركيا أنه من الممكن ألا تمانع في تنفيذ النظام وإيران لعملية واسعة في إدلب قد تؤثر على الأمن القومي التركي، وبالتالي ليست الولايات المتحدة فقط التي تستطيع التأثير في هذا المجال، ومن الضروري مراعاتها وعدم الجنوح باتجاه الولايات المتحدة بشكل كبير".

ووضع حسون الإعلان عن اجتماع مقبل للدول الضامنة، وهي تركيا وروسيا وإيران، في أستانة، في سياق "إعادة الحوار بين الدول الثلاث بما يتعلق بالأحداث السياسية والميدانية المتعلقة بالملف السوري، وإعطاء تطمينات تركية لإيران وروسيا بعد تقاربها مع الولايات المتحدة". وحول ما يجب على المعارضة فعله للمحافظة على اتفاق سوتشي، قال حسون "يجدر بنا كقوى ثورية ومعارضة أن تنسجم قراراتنا الميدانية والسياسية مع قرارات القيادة التركية التي تعمل على إحداث توازن دقيق وصعب جداً بين روسيا من جهة والولايات المتحدة من جهة أخرى، وهي تسعى من خلال هذا التوازن إلى إيجاد حلول تضمن مصالح الشعبين السوري والتركي".

وعقب هجوم قوات النظام على مواقع "جيش العزة"، أبرز فصائل المعارضة السورية في ريف حماة الشمالي منذ أيام، والذي أدى إلى مقتل نحو 20 من مقاتلي هذا الفصيل المنضوي في الجيش السوري الحر، تبدو المرحلة الثانية من اتفاق سوتشي، وهي فتح طريقين دوليين من دمشق والساحل السوري باتجاه مدينة حلب كبرى مدن الشمال السوري، مرشحة للتعطيل وربما التأجيل، خصوصاً أن مسؤولي النظام ما زالوا يكررون أن اتفاق سوتشي "مؤقت" وأن قوات هذا النظام عائدة حتماً إلى محافظة إدلب سلماً أو حرباً. ورأى النقيب عبد السلام عبد الرزاق، القيادي في "الجبهة الوطنية للتحرير"، أكبر تجمع لفصائل المعارضة في شمال غربي سورية، أن اتفاق سوتشي مهدد، معتبراً أنه "منذ بداية الاتفاق كان لدينا يقين أن مليشيات إيران وقوات النظام المجرم لن تلتزم بهذا الاتفاق الذي تعتبره تكتيكاً وليس خياراً". وأشار عبد الرزاق، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن الهجوم، الذي وصفه بـ "الغادر"، على "جيش العزة" في ريف حماة الشمالي "لم يكن حادثاً منفرداً، وإنما جاء ضمن سلسلة هجمات، كان آخرها السبت (الماضي) في ريف إدلب الشرقي، وقبلها على عدة محاور بأرياف حلب وإدلب وحماة". وقال "نحن لا يمكن أن نقف مكتوفي الأيدي حيال هجمات المجرمين على مقاتلينا وقصفهم للقرى وقتلهم للمدنيين كما حصل في جرجناز منذ أيام. نحن نرد حتى الآن على قدر الخرق، وبقوة تسكت نيران العدو فقط، لكن ذلك لن يبقى طويلاً إن استمر العدو في الخروقات وعدم التزامه بتعهداته. نحن جاهزون، ولدينا الكثير من القوة لردع النظام المجرم ومرتزقته".

وذهب قائد العمليات في "جيش العزة"، العقيد مصطفى البكور، بذات الاتجاه. وقال، في حديث مع "العربي الجديد"، "أعتقد أن اتفاق سوتشي انتهى"، معتبراً أن الاتفاق لم يطبق من قبل النظام وداعميه أصلاً، فالقصف على المدنيين لم يتوقف، ومجزرة بلدة جرجناز في ريف إدلب شاهد على ذلك". وأوضح أنه حدثت زيارة من الجانب التركي للمكان الذي شنت فيه قوات النظام هجومها على "جيش العزة"، مشيراً إلى أن ضباطاً من الجيش التركي أكدوا أنهم سيعملون مع الجانب الروسي على ألا تتكرر مثل هذه الحوادث. وسيكون اتفاق سوتشي من أولويات الجولة العاشرة للقاء على مستوى رفيع المستوى لمحادثات أستانة نهاية الشهر الحالي، إذ من المتوقع أن تسعى إيران كي تكون جزءً من الاتفاق، أو تعمل على تفكيكه. لكن الناطق باسم الهيئة العليا للمفاوضات التابعة للمعارضة السورية، يحيى العريضي، اعتبر، في حديث مع "العربي الجديد"، أنه من الصعب على إيران اختراق التفاهم التركي الروسي، مضيفاً "ذلك يعني أن اتفاق سوتشي سيصمد".

المساهمون