19 عاماً على هبّة القدس والأقصى: الجناة بلا عقاب

01 أكتوبر 2019
شهداء هبة القدس والأقصى (لجنة المتابعة العليا للفلسطينيين)
+ الخط -
يُحيي فلسطينيو الداخل، اليوم الثلاثاء، الذكرى الـ19 لهبّة القدس والأقصى، والتي ارتقى فيها 13 شهيداً فلسطينياً من الداخل، خلال تظاهرات احتجاجية إثر اقتحام أرئيل شارون، بصفته زعيم المعارضة الإسرائيلية، في 28 سبتمبر/أيلول من عام 2000، المسجد الأقصى، تحت حراسة مشددة. وأشعلت خطوة شارون الاستفزازية نيران الغضب الفلسطيني في باحات الأقصى ومختلف أنحاء الأراضي الفلسطينية. وفي الثلاثين من سبتمبر مع سقوط شهداء في الأراضي الفلسطينية، أعلنت لجنة المتابعة العليا للفلسطينيين في الداخل عن إضراب عام، ودعت إلى تظاهرات غضب تضامناً مع الشعب الفلسطيني. ردت قوات الشرطة الإسرائيلية بعنف شديد وقمعت التظاهرات وسط استخدام فرق من القناصة التي قامت بإطلاق النار باتجاه المتظاهرين، ليسقط 13 شهيداً من أبناء الداخل الفلسطيني، هم: محمد جبارين، 23 عاماً من أم الفحم. أحمد صيام جبارين، 18 عاماً من معاوية. رامي غرة، 21 عاماً من جت. إياد لوابنة، 26 عاماً من الناصرة. علاء نصار، 18 عاماً من عرابة. أسيل عاصلة، 17 عاماً من عرابة. عماد غنايم، 25 عاماً من سخنين. وليد أبو صالح، 21 عاماً من سخنين. مصلح أبو جراد، 19 عاماً من دير البلح. رامز بشناق، 24 عاماً من كفرمندا. محمد خمايسي، 19 عاماً من كفركنا. عمر عكاوي، 42 عاماً من الناصرة. ووسام يزبك، 25 عاماً من الناصرة.

وعلى الرغم من مرور 19 عاماً على الجريمة، إلا أنه لم يتم تقديم أي من الجناة والمسؤولين للمحاكمة، بل تم إغلاق ملفات التحقيق ضد عناصر الشرطة الذين أطلقوا النيران. فيما تحل الذكرى السنوية هذا العام وسط تفاقم التحريض العنصري والقوانين العنصرية ضد الفلسطينيين في الداخل.

وقال رئيس لجنة المتابعة محمد بركة، لـ"العربي الجديد"، إن "هناك أربعة عناوين رئيسية لإحياء هبّة القدس والأقصى لهذا العام، الأول ذكرى الشهداء والتأكيد أننا نجلّ تضحيتهم وتضحيات عائلاتهم وسيبقون تاجاً على رأس مجتمعنا لأنهم قدّموا أغلى ما يملكه إنسان وهو حياته. الموضوع الثاني قضية الشعب الفلسطيني عموماً وما تتعرّض له مدينة القدس التي كانت في صلب هبّة القدس والأقصى من اقتحامات المستوطنين ومحاولات إسرائيل المتواترة من أجل تغيير الوضع على مستوى الأقصى والتقسيم الزماني والمكاني وما إلى ذلك. وتشتق من ذلك مطالبتنا بضرورة إنهاء الانقسام الفلسطيني الذي يُعتبر الهدية الثمينة التي تُقدّم لإسرائيل على غير وجه حق وما يتناقض مع حقوق الشعب الفلسطيني". وأضاف بركة: "الأمر الثالث انتشار حالة مظاهر العنف في مجتمعنا، وهذا العنف هو بفعل فاعل، بمعنى أنه يحظى بحصانة من المؤسسة الإسرائيلية، وتفتيت مجتمعنا بدل التفرغ للقضايا الكبرى. والأمر الرابع تصاعد قضية هدم البيوت التي تقوم بها إسرائيل ضد بيوتنا وضد حقنا في السكن وحقنا في أن يكون لنا مكان تحت شمس وطننا". وتابع: "هذه العناوين الأربعة بالمجمل تقع في صلب إحياء الذكرى، وعليه نعتقد أن هذا يشكّل أساساً للوحدة الوطنية لكل أبناء مجتمعنا بكل مركّباته من خلال لجنة المتابعة، ونحن نهيب بالجميع أن يشارك غداً في زيارة أضرحة الشهداء والمسيرة المركزية في كفر كنا".


وعن الوضع السياسي، قال النائب من القائمة المشتركة سامي أبو شحادة، إن "المجتمع العربي الفلسطيني في الداخل مرّ بتغييرات اقتصادية، سياسية واجتماعية كثيرة، ومركّبة منذ هبّة القدس والأقصى". وأوضح أنه "سياسياً يمكن تقسيم هذه الفترة إلى مرحلتين مختلفتين، الأولى هي بين الأعوام 2000 و2009، والمرحلة الثانية هي من 2009 حتى يومنا هذا".
وأشار أبو شحادة إلى أن "المرحلة الأولى تميّزت بتطور الوعي الوطني والهوية الوطنية الفلسطينية، وكانت هذه المرحلة قد بدأت منذ المنتصف الثاني للتسعينيات من القرن الماضي، وقد رأينا في هذه المرحلة صعود حزب التجمّع الوطني الديمقراطي وزيادة قوة الحركة الإسلامية بشقيها وخاصة الشمالية، إضافة إلى بناء عدد كبير من جمعيات العمل الأهلي كعدالة ومركز مدى للأبحاث وجمعية الثقافة العربية وغيرها الكثير، مما ساهم في صقل الهوية الوطنية لجزء كبير من فلسطينيي الداخل، خصوصاً لدى النخب السياسية والمثقفين"، لافتاً إلى أن "هذه المرحلة تُوّجت بوثائق الرؤى المستقبلية التي صدرت من عدة مصادر، كوثيقة حيفا، دستور عدالة ووثيقة الرؤية المستقبلية لرؤساء السلطات المحلية".

وأضاف أبو شحادة: "في الوقت نفسه بدأت حملة تحريضية عنصرية من المؤسسة الإسرائيلية ضد قيادة الجماهير العربية، وهذه الحملة ما زالت مستمرة حتى اليوم، وتهدف إلى ضرب القيادة الوطنية والمشاريع الوطنية لدى فلسطينيي الداخل، وترتكز الحملة على الادعاء بأن القيادة الوطنية لا تمثل الجماهير العربية في الداخل ولا تمثّل إرادتها وطموحاتها". واعتبر أن "هذه الحملة المستمرة من التحريض، إضافة إلى حالة الانقسام الفلسطينية والانقلابات على الربيع العربي، أدت إلى حالة من الأسرلة الجديدة لدى الجماهير العربية"، متابعاً "هذه الحالة بدأت في العقد الأخير ونحن نرى خطورتها ونتائجها من خلال استطلاعات الرأي الأخيرة خلال فترة الانتخابات البرلمانية وما بعدها، إذ نرى أغلبية كبيرة للآراء السياسية المتأسرلة وتراجعاً في الوعي والهوية الوطنية". واختتم أبو شحادة بالقول إن "المرحلة الحالية تشبه بشكل كبير مرحلة ما بعد اتفاق أوسلو، ونحن بحاجة إلى تحليل عميق لهذه المرحلة وإلى إعادة بناء الحركة الوطنية لكي نستطيع التصدي للأسرلة ولنحافظ على إنجازات المرحلة الأولى والبناء عليها من جديد".

أما مدير عام "مدى الكرمل" الباحث والدكتور مهند مصطفى، فقال لـ"العربي الجديد"، إن "انتفاضة القدس والأقصى شكّلت لحظة فارقة في تاريخ الفلسطينيين في إسرائيل، فقد جسّدت تعميق الوعي الوطني في صفوفهم، ووعيهم الذاتي والجمعي، بكونهم جزءاً من القضية الفلسطينية وحقوقهم الجماعية، وهذا ما برز في الخطاب السياسي الذي ساد في صفوف الفلسطينيين عشية الهبّة وبعدها، والذي يرى في الفلسطينيين مجموعة قومية لها حقوق جماعية، يتناقض مشروعها الوطني وهويتها مع المشروع الصهيوني"، مضيفاً "هذا ما دفع إسرائيل إلى تنفيذ سياسات تهدف إلى ضرب المشروع الوطني للفلسطينيين في إسرائيل، لا سيما التجمّع والحركة الإسلامية، وملاحقة المسؤولين عن هذه الهبّة فعلاً ووعياً، ومحاولة أسرلة الفلسطينيين وقمع أي محاولة للعمل الجماعي". ولفت مصطفى إلى أن "انتفاضة الأقصى أدت إلى مساعٍ حثيثة من الدولة على المستوى التشريعي وعلى مستوى السياسات لضرب الحركة الوطنية في الداخل، فقد قامت بملاحقة التجمّع والدكتور عزمي بشارة شخصياً، وملاحقة وحظر الحركة الإسلامية برئاسة الشيخ رائد صلاح وملاحقة الأخير، لأنها حمّلتهما المسؤولية عن المد النضالي في الانتفاضة، ورأت في مشروع الحقوق الجماعية الذي تطوّر في وعي الفلسطينيين خطراً على يهودية الدولة، والانتفاضة عبّرت عن هذا الوعي، وبدأت عملية حثيثة لتفكيك المجتمع الفلسطيني عبر مشروع الخدمة المدنية ودمج الفلسطينيين كأفراد في المجتمع الاسرائيلي من خلال توجّهات اقتصادية نيوليبرالية، وتوّج كل ذلك بقانون القومية".