الحملة على قطر... حدود الافتراء

05 يوليو 2017
قطر بلد يعرف على أي أرض يمشي (معتصم الناصر)
+ الخط -






لم تسر الرّياح بما تشتهي سفن أبوظبي والرياض من أجل تحريك العالم ضد قطر، ورغم الماكينة الإعلامية الكبيرة، وحفلات العلاقات العامة المدفوعة، وجيوش وسائل التواصل التي جرى تدريبها خلال عامين في دهاليز أمن الدولة في أبوظبي، لتكون جاهزة لخوض حرب تضليل كبيرة؛ جاءت النتائج مخيبة لآمال مفتعلي الأزمة، ولم يحققوا هدفاً واحداً من تلك التي وضعوها، ولكن الافتراءات مستمرة.

مر أكثر من أربعين يوماً على حادث اختراق وكالة الأنباء القطرية، وشهر على قطع العلاقات الدبلوماسية وفرض حصار بري وجوي على قطر، ولم تتمخض الحملة إلا عن لائحة الـ13 شرطاً التي قدموها إلى قطر في الثالث والعشرين من الشهر الماضي، وكانت مثار سخرية العالم أكثر من محط اهتمامه، فهي علاوة على أنها تفتقر لمطالعة قانونية متينة، برهنت عن قصور سياسي وضعف نظر ووقاحة أخلاقية.

أكثر ما أثار سخرية العالم من طلبات اللائحة، هو أن تتنازل قطر عن سيادتها وتقدمها على صحن من ذهب للرياض وأبوظبي، وأن ترفع لهما آيات الولاء والطاعة، وتتحول إلى بحرين 2 في الخليج الجديد الذي يريد أن يبنيه ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد بالتحالف مع ولي عهد السعودية محمد بن سلمان، الذي بات يتحرك وفق خطة أبوظبي لبسط النفوذ على مجلس التعاون الخليجي ليصبح من لون واحد، والتي بدأت من محاولة إخضاع قطر، ومن بعد ذلك يأتي الدور على الكويت وسلطنة عمان.

موضوع الحريات، سواء كان التعبير أو ممارسة العمل السياسي، كان من بين الأخطاء القاتلة التي فضحت أبوظبي والرياض، والتي حظيت بالقدر الكبير من ردود الفعل الدولية، واحتل طلب إغلاق "الجزيرة" ووسائل إعلام أخرى من بينها موقع وصحيفة "العربي الجديد"، حملة استنكار واسعة النطاق على مستوى عالمي، وعبرت غالبية وسائل الإعلام الدولية عن مواقف تضامنية، واستهجنت الدول الغربية هذا الطلب، واعتبرته نوعاً من محاربة حرية التعبير والرأي المختلف، وإعادة المنطقة إلى الوراء بعد عقدين من الثورة الإعلامية التي بدأتها قناة "الجزيرة" في المنطقة، وامتدت إلى كل أرجاء العالم العربي.


وفي الوقت ذاته كان رد فعل الشارع العربي في مجمله لصالح قطر، وانعكست الطلبات سلباً على أبوظبي والرياض، فهناك شارع عربي يتابع "الجزيرة" و"العربي الجديد"، وليس كل المشاهدين والقراء العرب من عشاق قناة "أم بي سي" وصحيفة "عكاظ" و"الشرق الأوسط"، هناك من يبحث عن منابر أخرى ذات فائدة، ووجدها في "الجزيرة" و"العربي الجديد"، ومن هنا فإن قطر حصلت على وسام دعم حرية التعبير والرأي الآخر ومساندة الثورات العربية، وهو ما يدعو إلى الفخر والاعتزاز.

بعد مرور 40 يوماً تستمر حرب الافتراءات التي تحوّل فيها محمد بن زايد إلى جنرال يوجه الأوامر، وكأنه يقود القوة الكونية الأولى في العالم، ولم يدرك الرجل إلى اليوم أنه يسير على طريق تدمير صورة الإمارات، البلد الجميل الذي بناه المرحوم والده الشيخ زايد بن سلطان الذي كان قائداً وفاقياً وعروبياً وإسلامياً، يعرف أن رأس ماله الرمزي هو التجربة الاتحادية.

تحولت الإمارات في أوروبا إلى آلة لنشر الإسلاموفوبيا، وصارت تعمل كرديف للتيارات العنصرية التي تشتغل على بث الكراهية وإذكاء العنصرية ضد العرب والمسلمين وتحولت إلى حليف علني للديكتاتوريات العربية، ويفضح ذلك توظيف منابرها الإعلامية، والندوات التي تنظمها ضد قطر في بعض بلدان أوروبا، وتجند لها شخصيات عنصرية معادية للإسلام مثل مارين لوبان، ومن فلول الأنظمة السابقة مثل أنصار الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي.

حرب الافتراء مستمرة، وهي لا تشمل قطر فقط، ولأن حبل الفبركة قصير صارت ماكينة التزوير تتلاعب بمواقف الدول الغربية، كما حصل منذ يومين مع تصريحات وزير الخارجية الألماني سيغمار غابرييل في الرياض، وقبله مندوبة الولايات المتحدة في مجلس الأمن نيكي هالي.. إلخ.

الافتراءات مستمرة وليس على لسانهم سوى تهمة الإرهاب، ويغيب عن هؤلاء أن الآخرين في وسعهم فتح الملفات الفعلية لتمويل الإرهاب في العالم منذ الجهاد الأفغاني وتمويل الكونتراس في هندوراس، ونشر غسيل الفكر التكفيري الذي أشاعه شيوخ السعودية على مدى عقود بدعم من ولي الأمر. ليس صعباً أبداً كشف مسؤولية السعودية عن تفريخ ظاهرة الإرهاب في إفريقيا، والتي ولّدت تنظيمات إرهابية مثل بوكوحرام.

الافتراءات مستمرة وهدفها تشديد الحصار حتى خنق قطر، ولكن قطر ليست شركة صرافة حتى يتم تفليسها، بل هي بلد يعرف على أي أرض يمشي، وإلى أين سيذهب.