روسيا تنقل إجرامها إلى ريف حلب

05 نوفمبر 2016
حققت المعارضة تقدّماً غرب المدينة قبل الهدنة (محمد فيصل/الأناضول)
+ الخط -
نقل الطيران الروسي جرائمه في سورية إلى ريف حلب الغربي أمس، الجمعة، مع الهدنة التي أعلنت عنها روسيا لمدة تسع ساعات وأنتجت هدوءاً نسبياً في الأحياء الشرقية من المدينة، فيما تواصل القصف على مناطق مختلفة من الريف الغربي، في حين استمرت المعارك في الريف الشمالي بين تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) وقوات "درع الفرات" المدعومة من تركيا، والتي استطاعت استعادة بعض القرى من التنظيم.
في غضون ذلك، ووسط أنباء عن تحضير لحملة عسكرية روسية في حلب، عادت روسيا للقول إن لا حل عسكرياً للصراع السوري، مشددة على تمسكها ببقاء رئيس النظام بشار الأسد في منصبه. وجدد رئيس الوزراء الروسي، دميتري مدفيديف، تأكيد موقف بلاده أن الأسد هو "الرئيس الشرعي"، داعياً القوى التي تريد السلام في سورية، إلى الجلوس إلى طاولة المفاوضات للاتفاق على النظام السياسي المستقبلي.
وقال مدفيديف في حوار مع التلفزيون الصيني تمت إذاعته أمس الجمعة: "يتلخص موقف روسيا في أنه لا يوجد حل عسكري للمشكلة السورية، وعلى القوى التي تريد السلام في سورية، الجلوس إلى طاولة المفاوضات والاتفاق على مستقبل سورية ونظامها السياسي المستقبلي". وحذر من تفكك سورية "إلى عدد من التجمعات الإرهابية كما حدث للأسف في ليبيا وبعض الدول الأخرى في الشرق الأوسط".
واعتبر مدفيديف أن روسيا تنفذ عمليتها العسكرية في سورية بالاتفاق مع النظام السوري، ولكن من أجل المصالح الوطنية الروسية، قائلاً: "يعود ذلك، بين أسباب أخرى، إلى أن أشخاصاً من روسيا وبعض الجمهوريات السوفييتية الأخرى يقاتلون في سورية في صفوف (داعش) وعدد من المجموعات الإرهابية التي تنضم في الواقع إلى "داعش"، وهم قد يعودون إلينا لمواصلة نشاطهم الإرهابي. لذلك قرر الرئيس مساعدة الحكومة السورية في بسط النظام".
في السياق نفسه، قال المبعوث الصيني الخاص إلى سورية، شيه شياو يان، إن الشعب السوري هو من يقرر مستقبل بلاده، ويمكن للمعارضة أن تساهم في ذلك. وشدد خلال تصريحات صحافية في بكين أمس، على ضرورة استمرار مفاوضات جنيف، وعلى أن الأزمة يمكن حلها عبر ذلك. ولفت إلى أن حل النزاع السوري يكمن في أربع خطوات هي وقف إطلاق النار، والعملية السياسية، وآليات المساعدات الإنسانية، ومكافحة الإرهاب.
أما عن الأوضاع الميدانية، فقال ناشطون إن الأجواء أمس كانت هادئة في المدينة بشكل عام، حيث توقفت المعارك على كل الجبهات باستثناء بعض المناوشات المحدودة. وكانت وزارة الدفاع الروسية قد أعلنت عن "تهدئة إنسانية" اعتباراً من الساعة التاسعة صباحاً وحتى السابعة مساءً، ودعت المقاتلين والمدنيين إلى استغلالها من أجل الخروج من المدينة، الأمر الذي رفضه مقاتلو المعارضة واصفين الهدنة الروسية بـ"الخدعة"، ومؤكدين أن الطيران الروسي لم يوقف غاراته على أطراف مدينة حلب.
وقالت وزارة الدفاع الروسية إن مركز حميميم خصص ستة "ممرات إنسانية" لخروج المدنيين، إضافة إلى ممرين مخصصين لخروج المسلحين بأسلحتهم، أحدهما يؤدي إلى الحدود مع تركيا والثاني إلى مدينة إدلب، فيما أعلن الجيش الروسي إصابة اثنين من جنوده "بجروح طفيفة" أمس بنيران مسلحين على طريق كاستيلو قرب حلب. وقال الجيش في بيان إن هذا الممر في شمال حلب، المخصص للمسلحين أو المدنيين الراغبين في مغادرة المناطق المحاصرة، "تعرض لإطلاق نار من المسلحين"، مشيرا إلى "إصابة اثنين من الجنود الروس من مركز المصالحة بجروح طفيفة جراء إطلاق النار".


وعلى الرغم من الهدنة النسبية، لم يُسجل خروج جرحى أو مقاتلين أو مدنيين من الأحياء الشرقية المحاصرة، فيما أعلنت الأمم المتحدة أنها لم تستطع إدخال مساعدات إنسانية إلى شرق حلب. وقال المتحدث باسم الأمم المتحدة، ينس لايركه، أمس إن "العمليات الإنسانية لا يمكن أن تكون مشروطة بمبادرات سياسية أو عسكرية، وما نحتاجه حقاً في حلب هو دخول المساعدات الضرورية لإنقاذ الأرواح وتوصيلها داخل شرق حلب وعلى كل الأطراف مسؤولية اتخاذ الإجراءات الضرورية بما في ذلك إتاحة الظروف الأمنية التي تمكن من تحقيق هذا". وأضاف قائلاً: "ليس لدينا الضمانات الأمنية التي نحتاجها لإرسال المساعدات إلى شرق حلب"، فيما قالت جيسي شاهين، المتحدثة باسم مبعوث الأمم المتحدة إلى سورية، ستيفان دي ميستورا، إن المنظمة الدولية تعارض إجلاء المدنيين ما لم يكن ذلك طوعاً. وأضافت: "لا يوجد أي حل عسكري للأزمة السورية. يجب إحياء وقف الأعمال القتالية على مستوى البلاد. يجب أن توافق القوات الجوية السورية على وقف طلعاتها فوق حلب ويجب عزل العناصر المتشددة".
وفي التطورات الميدانية، شهدت الساعات السابقة للهدنة معارك عنيفة بين قوات النظام ومقاتلي المعارضة الذين اقتحموا المناطق الغربية في المدينة الواقعة تحت سيطرة قوات النظام، وسيطروا على مبانٍ في حيي حلب الجديدة غربي حلب، و"3000 شقة" في جنوبها الغربي. كما أعلنوا قتل العشرات من قوات النظام بالإضافة إلى ضابط إيراني كبير، أثناء الاشتباكات، وذلك بعد تدمير خطوط الدفاع الأولى لقوات النظام والمليشيات المساندة لها إثر استهدافها بعشرات القذائف الصاروخية والمدفعية، وتفجير عربتين مفخختين استهدفتا مواقع المليشيات، لتتم بعدها عملية الاقتحام عبر فرق "الانغماسيين" في "جيش الفتح". ولاحظ ناشطون مشاركة عشرات الدراجات النارية من "الانغماسيين" خلال اقتحامهم أحياء حلب بسبب سهولة وسرعة التنقل عبرها.
وبث "فيلق الشام" التابع للمعارضة السورية تصويراً جوياً لهجوم فصائل المعارضة على مشروع "3000 شقة" جنوب غرب مدينة حلب، أظهر هروب قوات النظام والمليشيات الموالية لها من مواقعهم في المشروع، مقابل تقدّم مقاتلي المعارضة وسيطرتهم على كتل سكنية. وفي حال سيطرة قوات المعارضة على المشروع، فإنها ستتمكن من فرض حصار جزئي على "أكاديمية الأسد" العسكرية في غرب مدينة حلب، والتي تُعتبر مقر غرفة عمليات النظام والمليشيات الموالية لها في حلب.
وعلى الرغم من الهدنة المفترضة، شنّت طائرات حربية يُعتقد أنها روسية غارات على مدينة الأتارب في ريف حلب الغربي، مما أدى إلى سقوط قتلى وجرحى بينهم أطفال. وقالت لجان التنسيق المحلية، عبر موقع "فيسبوك"، إن منازل دُمرت بشكل كامل جراء القصف، الذي أدى إلى مقتل طفلين من عائلة واحدة وبتر رِجل طفل ثالث، في حين تحدث ناشطون عن مقتل خمسة أطفال. كما قصف الطيران الحربي بالصواريخ الفراغية والقنابل العنقودية الأحياء السكنية في بلدتي أورم الكبرى وكفرناها وبلدة الجينة في ريف حلب الغربي، مما تسبّب في جرح عدد من المدنيين، نقلوا إلى المستشفيات الميدانية في ريف حلب.
وكانت الطائرات الحربية قد ارتكبت مجزرة بقصفها مناطق في قرية ميزناز في ريف حلب الغربي راح ضحيتها 10 قتلى، هم 7 أطفال ومواطنتان اثنتان ورجل، إضافة لسقوط جرحى، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان. كما ارتكب الطيران الحربي الروسي مساء الخميس مجزرةً أخرى في مدينة الرستن في ريف حمص الشمالي، حيث قضى خمسة أطفال جميعهم لم يتجاوزوا العاشرة، وثلاثة منهم أشقاء من عائلةٍ واحدة برفقة أبيهم.
على صعيد آخر، ذكر القاضي العام لـ"جيش الفتح"، عبد الله المحيسني، في تغريدة له على موقع "تويتر"، أمس الجمعة، أن تجمّع "فاستقم كما أمرت" بايع حركة "أحرار الشام الإسلامية" في مدينة حلب. وأضاف أن هذه البيعة سوف "تساهم في حقن دماء المقاتلين، وستوحّد الكلمة في سورية". وتأتي بيعة "فاستقم كما أمرت" لـ"أحرار الشام" عقب خلافات قوية مع جبهة "فتح الشام" و"حركة نور الدين الزنكي"، و"كتائب أبو عمارة"، إذ تتهم الأخيرة التجمع بالوقوف وراء محاولة اغتيال قائدها، مهنا جفالة، الذي فقد ساقيه بتفجير استهدف سيارته قبل نحو عام، الأمر الذي نفاه التجمع بشدة.
في غضون ذلك، أعلنت فصائل غرفة عمليات "حوار كلس"، المشاركة في عملية "درع الفرات"، استعادة السيطرة على سبع قرى في ريف حلب الشمالي، كان قد سيطر عليها تنظيم "داعش" قبل أيام. إلى ذلك، أعلنت وكالة "أعماق" التابعة لتنظيم "داعش"، أن عناصر التنظيم أسقطوا مروحية تابعة لسلاح الجو الروسي في منطقة حويسيس بريف حمص الشرقي. وبثت الوكالة تسجيلاً مصوراً يظهر لحظة استهداف الطائرة الروسية بصاروخ موجّه بعد هبوطها اضطرارياً في منطقة قريبة من مدينة تدمر بريف حمص الشرقي.
من جهتها، أعلنت وزارة الدفاع الروسية أن طائرة هليكوبتر روسية هبطت اضطرارياً قرب مدينة تدمر وتعرضت لإطلاق نار بعدما لامست الأرض، لكن الطاقم عاد بسلام إلى قاعدة حميميم الجوية بحسب الوزارة. وتشهد مناطق ريف حمص الشرقي معارك ومناوشات مستمرة بين تنظيم "داعش" وقوات النظام والمليشيات المساندة لها، يشارك فيها الطيران الحربي بكثافة كونها منطقة صحراوية مكشوفة.

المساهمون