في إطار سعيها لتعزيز سياستها في منطقة شرق الفرات، شمال شرقي سورية، تكثف واشنطن جهودها واتصالاتها في تلك المنطقة من أجل ترتيب الأوضاع هناك استباقاً لأية استحقاقات مقبلة سواء ما يتصل بالمطالب التركية بشأن إقامة "المنطقة الآمنة" أم جهود النظام السوري وروسيا لاستعادة السيطرة على المنطقة، إضافة إلى مواجهة جهود إيران لتعزيز حضورها، خصوصاً في المناطق الحدودية مع العراق، بغية تأمين الطريق البري بين إيران والبحر المتوسط. وتنطلق الجهود الأميركية من واقع الرفض الشعبي العربي المتزايد لهيمنة العنصر الكردي على إدارة شؤون المنطقة أمنياً وخدمياً، وهو ما تجلى في "الانتفاضات" ومظاهر الاحتجاج في الآونة الأخيرة ضد ممارسات وهيمنة "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) وانتهاكاتها المتزايدة بحق المواطنين العرب وعشائرهم، وسوق أبنائهم للخدمة في صفوفها، وحملات الاعتقال، وقبل ذلك عمليات التهجير، ومصادرة الأملاك، بحجة محاربة تنظيم "داعش". وتحاول الولايات المتحدة الاستعانة بالسعودية من أجل إقناع العشائر العربية في شرق الفرات بالانخراط معها، بما في ذلك تولي تمويل عمليات إعادة الإعمار، وبناء البنية التحتية في المنطقة.
في هذا الإطار، عقد وزير الدولة لشؤون الخليج العربي بوزارة الخارجية السعودية ثامر السبهان، ومسؤولون أميركيون ووجهاء وأعضاء من "مجلس دير الزور المدني" اجتماعاً في حقل العمر النفطي شرق دير الزور، يوم الخميس الماضي. وقال رئيس "مجلس دير الزور المدني" غسان اليوسف في تصريحات صحافية، إن "الاجتماع تناول آلية دعم المناطق الواقعة تحت سيطرة (الإدارة الذاتية) في شمال وشمال شرقي سورية لضمان عدم عودة تنظيم داعش إلى المنطقة، ودعم جميع المكونات السورية المقيمة فيها". كما تطرق الاجتماع، بحسب اليوسف، إلى آلية توفير دعم سياسي واقتصادي وخدمي لمحافظة دير الزور بهدف ضمان عودة الاستقرار إليها.
وأوضح المركز الإعلامي لـ"مجلس دير الزور" التابع للإدارة الذاتية أنه جرى عقد اجتماعين في حقل العمر النفطي، الذي يضم قاعدة عسكرية أميركية، ضم الأول نائب وزير الخارجية الأميركي جويل رابيون والسفير ويليام روباك ووزير الدولة لشؤون الخليج العربي بوزارة الخارجية السعودية، ثامر السبهان، مع رئاسة المجلس، بينما كان الاجتماع الثاني موسّعاً وضم بعض زعماء القبائل العربية بدير الزور، وتمحور حول دعم المناطق المحرّرة من "داعش" من أجل ضمان عدم عودته وأي تهديدات أخرى للمنطقة، إلى جانب "الدعم السياسي والاقتصادي والخدمي والأمني من أجل أن يعود الأمن والاستقرار إلى المنطقة".
وبحسب شبكة "فرات بوست"، التي يديرها ناشطون من دير الزور، فإن "الاجتماع بحث متطلبات الأهالي في مناطق سيطرة قسد بمحافظة دير الزور بعد خروج داعش منها". ومن المرجح أن الوزير السعودي دخل والوفد الأميركي، إلى سورية من العراق، إذ كان السبهان حضر قبل أيام في أربيل، مراسم تنصيب نيجرفان البارزاني، رئيساً لإقليم كردستان العراق. وكان الوزير السعودي زار ريف الرقة الشمالي برفقة المبعوث الأميركي بريت ماكغورك في أكتوبر/تشرين الأول 2017 وعقد اجتماعات مماثلة مع المسؤولين الأكراد ووجهاء العشائر الموالين للإدارة الكردية. وفي مايو/أيار 2018، زار عسكريون من السعودية والإمارات والأردن قاعدة عسكرية تابعة للتحالف الدولي في عين العرب (كوباني) شمالي سورية، في حين ذكرت وكالة أنباء "الأناضول" التركية، أن الزيارة كانت تهدف لتأسيس وحدات عربية في المنطقة تحت راية "قوات سورية الديمقراطية" (قسد).
وكانت السعودية أعلنت، في أغسطس/آب 2018، عن تقديم 100 مليون دولار لصالح مناطق مليشيات "قسد" المدعومة من التحالف الدولي. وقالت وكالة الأنباء السعودية "واس"، حينها: "إن هذا المبلغ هو أكبر مساهمة للمناطق المنتزعة من تنظيم داعش في سورية، وسوف يوجه لإعادة إحياء المجتمعات في مناطق مثل الرقة، ولتمويل إعمار الأحياء المدمرة والخدمات الصحية والزراعة والكهرباء والمياه والتعليم والمواصلات". وفي تعليقه على هذه التطورات، قال المتحدث الرسمي باسم مجلس القبائل والعشائر السورية مضر حماد الأسعد، في حديث مع "العربي الجديد"، إنه "بعد الضغوط التركية على الولايات المتحدة من أجل إقامة المنطقة الآمنة، استعانت واشنطن ببعض الدول الأوروبية لإيجاد بدائل عن تركيا، لكنها لم تجد استجابة كافية كما يبدو. وهي تحاول اليوم الاستعانة ببعض دول الخليج العربي، خصوصاً السعودية، مستفيدة من الخلافات بين الأخيرة وتركيا، وأيضاً من أجل إبعاد المليشيات الإيرانية عن محافظة دير الزور، في ظلّ محاولة إيران الدخول إلى هذه المنطقة، تحديداً البوكمال والمريعية وحطلة وعين علي ومحميدة والكسرة وحيَيّ الجورة والقصور في مدينة دير الزور، وقامت بشراء مئات العقارات وآلاف الهكتارات من الأراضي الزراعية".
وأعرب الأسعد عن أمله في أن "تقف السعودية ودول الخليج مع العرب في شرق سورية الذين يشكلون 90 في المائة من السكان، بينما محافظة دير الزور هي عربية بالكامل"، معتبراً أن "الوقوف مع العرب هناك هو مصلحة سعودية كما هو مصلحة تركية، بافتراض أن الجانبين لهما هدف واحد مشترك، وهو رفض إقامة كانتون كردي أو فيدرالية أو تقسيم سورية". ورأى أن السعودية هي "العمق الاستراتيجي للقبائل العربية"، مشيراً إلى "وجود نحو مليوني نسمة من سكان شرق سورية، إما كلاجئين في تركيا أو نازحين في المناطق الحدودية معها. وهؤلاء سيعودون إلى أراضيهم حالما يتم تفكيك حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي الانفصالي". وقال: "نحن في مجلس القبائل والعشائر السورية نتمنى على السعودية المحافظة على المنطقة الشرقية والعمل على تفكيك تنظيم الاتحاد الديمقراطي الذي ارتكب مجازر مروعة بحق العرب والكرد وجميع الفئات الأخرى، وعمل على تجريف عشرات القرى وتدمير آلاف المنازل، واعتقال واغتيال الكثير من أبناء المنطقة وتهجير عدد كبير من أبناء المنطقة الشرقية".
ورأى الأسعد أن "الولايات المتحدة تريد بالدرجة الأولى من السعودية ودول الخليج دفع الأموال لإعادة إعمار المنطقة، ودعم قسد عسكرياً والوقوف في وجه تركيا. كما تريد خلط الأوراق في المنطقة الشرقية لإعطاء الشرعية للمليشيات الكردية، وتمكينها من إقامة حكم ذاتي أو فيدرالي عكس رغبة أبناء المنطقة وتركيا".
وأعرب عن اعتقاده بأن "أغلبية المساعدات المقدمة للمنطقة سوف تذهب وفق الواقع الحالي إلى قسد لتنفيذ أجندتها الخاصة التي لا تخدم العرب في المنطقة ولا تخدم سورية"، مشيراً إلى أنه "حتى الذين يتم تجنيدهم من العرب في قسد، يتم إعطاؤهم أسماء تختلف عن أسمائهم الأصلية وكتابتها باللغة الكردية".
وحول ما جرى في الاجتماعات الأخيرة، قال الأسعد إنها "استهدفت دفع العشائر العربية للتعاون مع قسد، مع تقديم وعود بإعادة بناء البنى التحتية وتخفيف الإجراءات الأمنية والمداهمات والعمل على فرض الأمن في المنطقة، بالتعاون مع العشائر، فضلاً عن التعويض على المتضررين ومعالجة ملفات المعتقلين والمحتجزين في المخيمات، إضافة إلى مطالب شيوخ العشائر بأن يكون لهم الدور الأكبر في تسيير شؤون مناطقهم اليومية".
وقالت مصادر محلية لـ"العربي الجديد"، إن "المشاركين العرب في الاجتماع تطرقوا أيضاً إلى بعض المشاكل بين قبيلة البقارة والعقيدات وقسد، وكذلك أهالي جنوب الحسكة والشدادي ومرقدة والصور وشددوا على ضرورة احترام قسد للسكان العرب والعشائر العربية ومواجهة تجاوزات عناصرها، بما في ذلك عمليات السرقة". ولفتت إلى أن "قسد تقوم بنشر الفتن والشائعات بين العشائر، ما أدى أحياناً إلى اقتتال عشائري وعائلي بين بعض أبناء المنطقة".
من جانبه، رأى الناشط عبدالله الحميدي من أبناء المنطقة في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "هذه الاجتماعات تهدف إلى تعويم مليشيا قسد وفرض حكمها على المنطقة الشرقية، على الرغم من الرفض الشعبي لها، خصوصاً بعد التظاهرات الأخيرة التي شهدتها مناطق مختلفة في الجزيرة السورية ضد هذه المليشيات". ولفت إلى أن "الوزير السعودي قد يكون قدم مبالغ مالية لبعض ممثلي العشائر، لإقناعهم بالتعاون مع قسد ودعم نفوذها في المنطقة".