تبون يتسلّم مهامه رسمياً رئيساً للجزائر... ويتعهد بدستور جديد يحقق مطالب الحراك
ويُعدّ تبون سادس رئيس منتخب في تاريخ الجزائر، بعد كل من الرؤساء أحمد بن بلة، وهواري بومدين، والشاذلي بن جديد، وليامين زروال، وعبد العزيز بوتفليقة.
وتعهّد تبون، في أول خطاب يلقيه للشعب الجزائري، بإجراء تعديل دستوري في وقت وجيز من بداية عهدته الرئاسية التي بدأت اليوم، وذلك لبناء "الجمهورية الجديدة"، و"جزائر لا يظلم فيها أحد"، وأمر المسؤولين والمؤسسات الإعلامية بسحب لقب "الفخامة" من اسم الرئيس واستبدال لقب السيد به.
وقال إن "الدستور الذي هو الحجر الأساس للجمهورية الأولى، ومثلما تعهدت خلال الحملة الانتخابية، فإنني سأقوم بتعديله خلال الأشهر الثلاثة الأولى، وربما خلال الأسابيع الأولى"، من العهدة الرئاسية.
وأكد تبون أن الدستور الجديد سيحقق مطالب الشعب، ويتضمن إقرار "عهدة رئاسية تجدد مرة واحدة (بمجموع عهدتين فقط)، ويقلّص من صلاحيات رئيس الجمهورية، ويحصّن الجزائر من السقوط في الحكم الفردي، ويخلق التوازن بين المؤسسات ويضمن الفصل بين السلطات".
وأكد الرئيس تبون أنه سيقرّ أيضاً تعديل قانون الانتخابات، حيث سيتضمن شروطاً جديدة للترشح للمجالس المنتخبة (المحلية والبرلمان)، تخصّ الحصول على مستوى وشهادة علمية، ما يضمن "أخلقة الحياة السياسية"، وإعادة الاعتبار للمجالس المنتخبة، وتشجيع الشباب على الترشح، ومساعدتهم في تمويل الحملة الانتخابية، قائلاً إن الدولة ستتكفل بتمويل المرشحين الجامعيين لمنع وقوعهم في يد المال الفاسد، متعهداً "بتجريم تدخل المال الفاسد في العمل السياسي".
وجدد الرئيس الجديد دعوته للحراك الشعبي والمكونات السياسية والمدنية إلى الحوار، قائلاً: "أجدد التزامي مدّ يدي للجميع للحوار في إطار التوافق الوطني وقوانين الجمهورية"، مؤكداً التزامه "الاستجابة للتطلعات العميقة لشعبنا بالتغيير العميق لنظام الحكم ولدولة الديمقراطية، دولة القانون وحقوق الإنسان، وخلق الظروف لإعادة بعث النمو الاقتصادي، وإرجاع الجزائر لمكانتها بين الأمم"، موضحاً أنه "يتعين علينا أن نطوي صفحة الخلافات والتنازع".
وأطلق تعهدات صريحة بدعم حرية الصحافة، وقال: "أعد بحرية لا حدود لها لوسائل الإعلام شريطة التحلي بالمسؤولية والموضوعية"، معلنا أنه "سيتم حل مشكل الإشهار العمومي وجعله آلية لحرية الصحافة والوسائل الإعلامية والصحافة الإلكترونية".
وتحدث تبون للمرة الأولى عن "الاقتصاد الجبلي والصحراوي، وفتح آفاق واسعة لاقتصاد المنزل، وإلغاء الضرائب على إنتاج الأسر، ووضع خطة لتحديث الزراعة لتحقيق الأمن الغذائي والتصدير ووقف الاستيراد العشوائي، ورفع الضرائب عن كل مؤسسة عمومية وخاصة تخلق مناصب شغل".
وتعهد بـ"تعزيز السياحة وتخفيف إجراءات الحصول على التاشيرة السياحية ورحلات أقل كلفة للجزائر، وتطوير الصناعة السينمائية والاهتمام بالفنانين، ورفع القدرة الشرائية للجزائريين، وإنهاء أزمة السكن". وقال "لن أسمح لأي جزائري بالعيش في كوخ يهين كرامته"، وكذا تحسين خدمات الصحة والتشخيص المجاني لكل الأمراض مبكرا، وإنشاء مستشفيات، وتشجيع الاستثمار في إنتاج الأدوية.
وأعلن الرئيس الجزائري الجديد عن وضع تصور لحل مشكلات التعليم والتربية وتخفيف ضغط المحفظة على التلاميذ، وتطوير التعليم العالي والجامعة، وربط الجامعة بعالم الشغل، وضمان استقلالية المؤسسات الجامعية.
وأكد تبون أنه سينهي أزمات بعض الفئات الاجتماعية العالقة منذ سنوات، كفئة أفراد الجيش المعطوبين، أو الذين أعيد تجنيدهم لمكافحة الإرهاب، والذين يتظاهرون منذ سنوات للحصول على حقوقهم.
وفي ما يتعلق بالجيش، أكد أنه سيدعم استمرار سياسة تطوير الجيش واحترافية الأفراد ورفع معنويات العسكريين، خاصة العاملين في المناطق الجنوبية والحدود والجبال، كما أعلن عزمه على إنشاء هيئات للدفاع الفوري عن أفراد الجالية الجزائرية في الخارج، وكذا التزام الدولة بأن تأخذ على عاتقها نقل جثامين الجزائريين الذين يتوفون في الخارج.
وأشاد الرئيس الجديد بما وصفه بصبر رئيس الدولة عبد القادر بن صالح وحكمته خلال إدارته للدولة خلال الفترة الماضية التي وصفها بـ"العصيبة"، مثمناً دور قائد الجيش الفريق أحمد قايد صالح، في "التصدي لكل المؤامرات الأجنبية وحماية البلاد ومرافقة الحراك الشعبي"، وأشاد بأداء الهيئة العليا المستقلة للانتخابات.وقبيل أدائه لليمين الدستورية، ألقى بن صالح كلمة أخيرة له، بعد تسعة أشهر من إدارته للدولة، قائلاً إن المرحلة السابقة كانت صعبة، لكن الجزائريين تمكنوا من تجاوزها بسلام، مثمناً دور قائد الجيش الفريق أحمد قايد صالح في حماية البلاد خلال الفترة الماضية، نتيجة التزامه المسار الدستوري.
وأشاد بن صالح بسلمية الحراك الشعبي، موجهاً دعوة إلى الشعب الجزائري والمكونات المدنية والسياسية للالتفاف حول الرئيس الجديد تبون، ومسعاه الرامي إلى إحداث التغيير المطلوب الذي يطالب به الجزائريون.
ونقلت كل القنوات الجزائرية الرسمية والمستقلة حفل أداء اليمين الدستورية، إضافة إلى عدد من القنوات العربية والأجنبية.
وجرت مراسم أداء الرئيس الجديد لليمين الدستورية ومراسم التنصيب الرسمي، بحضور كبار الشخصيات السياسية والعسكرية في البلاد، بينها قائد أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح، ورئيس البرلمان سليمان شنين، ورئيس الحكومة نور الدين بدوي، ووزراء الحكومة وعدد من الشخصيات الوطنية، ورئيس الهيئة العليا للانتخابات محمد شرفي. كذلك حضر مراسم اليمين الدستورية عدد من المرشحين السابقين إلى الانتخابات الرئاسية الأخيرة، كعبد العزيز بلعيد، وعز الدين ميهوبي، وعبد القادر بن قرينة، فيما استُبعِد نواب البرلمان بخلاف الاستحقاقات السابقة.
وتضمن نصّ اليمين الدستورية التي قرأها الرئيس الجزائري أمام رئيس المجلس الدستوري كمال فنيش أنه "وفاءً للتّضحيات الكبرى، ولأرواح شهدائنا الأبرار، وقيم ثورة نوفمبر الخالدة، أُقسم بالله أن أحترم الدّين الإسلاميّ وأمجّده، وأدافع عن الدّستور، وأسهر على استمرارية الدّولة، وأعمل على توفير الشّروط اللازمة للسّير العاديّ للمؤسّسات والنّظام الدّستوريّ، وأسعى من أجل تدعيم المسار الدّيمقراطيّ، وأحترم حرية اختيار الشّعب، ومؤسسات الجمهوريّة وقوانينها، وأحافظ على سلامة التّراب الوطنيّ، ووحدة الشّعب والأمّة، وأحمي الحريات والحقوق الأساسيّة للإنسان والمواطن، وأعمل بدون هوادة من أجل تطور الشعب وازدهاره، وأسعى بكلّ قواي في سبيل تحقيق المثُل العليا للعدالة والحرّيّة والسّلم في العالم".
ويبدأ تبون عهدته الرئاسية الجديدة في ظل ظروف سياسية خاصة في البلاد، ووسط جملة من التحديات التي يرثها عن سلفه عبد العزيز بوتفليقة، بسبب استمرار مظاهرات الحراك الشعبي، ورفض جزء من مكوناته الإقرار بالمسار الانتخابي الذي حمل تبون إلى الرئاسة، ورفض الحوار مع الرئيس الجديد، ووجود نسيج سياسي هشّ، ومؤسسات رسمية معطوبة كالبرلمان، وفي ظل أزمة اقتصادية بدأت تلقي بظلالها على البلاد بفعل تآكل احتياطي الصرف، ووضع اجتماعي كان من بين أبرز دوافع خروج الجزائريين للتظاهر منذ فبراير/ شباط الماضي.
وخلال الحملة الانتخابية كان عبد المجيد تبون قد أطلق 54 عهداً والتزاماً سياسياً لتنفيذها في حال فوزه بالرئاسة، ولتأسيس ما وصفه بـ"جمهورية جديدة"، وتتعلق هذه التعهدات بمراجعة واسعة للدستور وإعادة صياغة الإطار القانوني للانتخابات، وتعزيز الحكم الراشد، والفصل التام بين المال والسياسة، عبر وضع آليات لضمان نزاهة الموظفين العمومين، وإقرار إصلاح شامل على العدالة وعلى التنظيم الإقليمي، وتسيير الإدارة المحلية، وتعزيز الديمقراطية التشاركية بتحرير الصحافة من كلّ الضغوط والإكراهات، وبناء مجتمع مدني حرّ، وتشجيع تسليم المشعل، والحكم للشباب، ومنع استغلال مكونات الهوية الوطنية المتمثلة بالإسلام والعروبة والأمازيغية، وتصحيح الاختلالات الحاصلة في الجهاز الدبلوماسي وعلاقات الجزائر الدولية، وتبنّي سياسة جديدة للتنمية خارج النفط، ومضاعفة خلق الشركات الناشئة، وتحسين مناخ الأعمال وتشجيع الاستثمار، وترقية صناعة الدفاع في خدمة الأمن والدفاع الوطني، وإعادة منح الجالية الوطنية المقيمة في المهجر حقّ المشاركة في البناء الوطني.