التهجير في سيناء: انعدام شفافية النظام يثير الشكوك

28 فبراير 2017
الأجهزة الأمنية لم توفر الحماية لعائلات مسيحية (العربي الجديد)
+ الخط -



يبدو أن الوضع في محافظة شمال سيناء المصرية قد خرج عن السيطرة الأمنية بشكل كامل، إذ وقعت أمس الأول، الأحد، 3 حوادث، تؤكد أن أجهزة الدولة أصبحت عاجزة تماماً في مواجهة الجماعات المسلحة المختلفة. ففي مشهد غير مسبوق، قام مسلحون مجهولون، مساء الأحد، بخلع عيني مواطن كان برفقتهم مكبل اليدين في الحسينات غرب رفح، ثم أشعلوا النار فيه، ما جعل الشاب يركض حتى اصطدم بشجرة، فقام المسلحون بإطلاق النار على رأسه.
أما الواقعة الثانية والتي أثارت جدلاً واسعاً فهي قيام مسلحين مجهولين بتوقيف حافلة تقلّ معلمات بإدارة رفح، صباح الأحد، ووجّهوا لهن تحذيراً قالوا إنه "الأخير"، بحسب شهادات المعلمات، وبعدها ستتم معاملتهن معاملة المرتد عن دينه. وقالت معلمة إنها سألت أحدهم عما يمكن فعله إذا حضرت إحداهن من دون نقاب ومن دون محرم أثناء الذهاب للعمل، فقال لها الرجل إن ذلك سيتم مواجهته بـ"الجَلد أو مياه النار". وقالت المعلمة إنه بعد عودتهن من رفح، ذهبن لمقابلة المحافظ في ديوان عام المحافظة خوفاً على حياتهن، وطالبن بإعفائهن من العمل في مناطق رفح نهائياً، وتحويلهن لإدارات أخرى. وهو ما جعل محافظ شمال سيناء يقرر إعطاءهن إجازة الإثنين واليوم الثلاثاء، على أن يذهبن للإدارة التعليمية بالعريش للتوقيع بالحضور هناك. الواقعة الثالثة التي حدثت الأحد أيضاً هي استيلاء مسلحين على سيارة سكرتير عام محافظة شمال سيناء، وهي سيارة حكومية تحمل رقم 1114، وقد استولوا عليها وسط مدينة العريش، بالقرب من كمين أمني، وقال شهود عيان إنهم أطلقوا سراح سائقها.
وعلى الرغم من نفي وزارة الداخلية المصرية، ما تردد حول إجبار الأسر المسيحية على ترك العريش، إلا أن روايات أسر، تمكنت من الفرار من المدينة، تؤكد أن الأجهزة الأمنية تخلت عن حمايتهم حينما طلبوا ذلك، بعد تكرار عمليات قتل المسيحيين، ووصل عددهم لسبعة مواطنين منذ مطلع شهر فبراير/شباط.
سيناريو إخلاء النظام المصري لسيناء، يتسق مع قرار عشرات الأسر غير المسيحية في الفرار هي الأخرى من مدينة العريش، وقبلها مدينتا الشيخ زويد ورفح، هرباً من وطأة استهداف المسلحين لهم وقصف الجيش المصري الجوي والمدفعي لمنازلهم، الذي يخلف قتلى وجرحى أغلبهم من النساء والأطفال.


وقال خبير في مركز الأهرام للدراسات السياسية، إن هناك شواهد عدة تؤكد سعي النظام الحالي إلى إخلاء سيناء من سكانها، سواء بهدف تنفيذ سيناريو توطين الفلسطينيين أم لا. وأضاف الخبير، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أن التهجير القسري الذي حدث لأهالي رفح يؤكد أن هناك خطة لدى النظام الحالي في التعامل مع ملف سيناء، كما أن التراخي في مواجهة الجماعات الإرهابية يعزز من فرضية خطة إخلاء سيناء، وبغض النظر عن الهدف منها سواء لتنفيذ سيناريو توطين فلسطينيين أم لا، إلا أنها تصب في النهاية في صالح إسرائيل.
وتابع أن الثوابت الوطنية والتقديرات العسكرية تقول إنه لمواجهة أي أطماع إسرائيلية في سيناء مستقبلاً، ينبغي فتح ملف التنمية هناك بشكل موسع، وتحويل المحافظة إلى جاذبة للسكان وليس طاردة لها. ولفت إلى أن النظام الحالي لا يتعامل بشفافية في ملف سيناء، سواء على مستوى العمليات العسكرية أو ما يتردد عن الموافقة على سيناريو توظيف الفلسطينيين، وحتى الرد كان "خجولاً" من جانب مؤسسة الرئاسة، فضلاً عن عدم الرد من الأساس على قصف إسرائيل لأهداف في سيناء. وشكك الخبير في إمكانية عودة الأسر التي قررت الهجرة من سيناء تماماً سواء من العريش أو غيرها من المدن، في ظل الصراع المسلح، الذي فشلت الدولة في حسمه أو تتراخى في مواجهة التنظيمات الإرهابية عن قصد.
من جهته، قال الخبير السياسي، محمد عز، إن الرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي، وعلى الرغم من فشله في حماية المدنيين في سيناء، يحاول استغلال خطوة هجرة المسيحيين لصالحه، لإظهار ما يسميه "التحديات" الكبيرة التي تواجهه في الحرب على الإرهاب. وأضاف عز لـ"العربي الجديد"، أن السيسي دائماً ما يردد أن الوضع الحالي على الرغم من أنه سيىء للغاية من الناحية الاقتصادية وتراجع الحريات وحقوق الإنسان، إلا أنه أفضل من تحويل مصر إلى سورية أو عراق جديدة، في إشارة إلى الصراعات المسلحة التي أسفرت عن سقوط ضحايا من المدنيين وتشريد مئات الآلاف، إلا أن سيناء مقبلة على نفس السيناريو.
وتابع أن النظام المصري الحالي فقد المصداقية تماماً في ما يتعلق بجهود الدولة لمكافحة الإرهاب، لأن الاستراتيجية المتبعة فشلت تماماً، معتبراً أن "الشماعة التي كان يعلق عليها السيسي فشله، وهي الإخوان المسلمون، سرعان ما انتهت لدى الشعب المصري، الذي أدرك أن السيسي يقدم خطاباً للاستهلاك فقط".
وأشار عز إلى أن السيسي يُصدّر مسألة التحديات التي تواجه مصر من قبل الجماعات الإرهابية، من أجل الحصول على دعم ليس فقط عسكرياً، بل سياسياً أيضاً لإقناع الدول الغربية أن بقاءه في الحكم هو أفضل السبل لمواجهة الإرهاب في المنطقة. ولفت إلى أن الرئيس المصري يحاول منذ وصوله إلى الحكم في 2014 تصدير نفسه للغرب على أنه "شرطي المنطقة"، والشخص الذي سيحقق السلام الدافئ مع الكيان الصهيوني، وربما هناك تقارب في هذا الجانب مع الإدارة الأميركية الجديدة برئاسة دونالد ترامب.

المساهمون