عبدالفتاح مورو: لا معنى للخوف من الانقلاب على "النهضة"

12 سبتمبر 2019
مورو: التجربة المصرية شجعتني على الترشح للرئاسة (فرانس برس)
+ الخط -
لم يكن كثيرون يتوقعون أن يكون نائب رئيس حركة "النهضة" عبد الفتاح مورو مرشحها للانتخابات الرئاسية المبكرة في تونس والمقررة في 15 من سبتمبر/أيلول الحالي، وذلك بعد مشوار برلماني أوصله لأن يكون نائب رئيس البرلمان. اليوم يعي مورو المسؤولية الملقاة عليه، متحدثاً في حوار مع "العربي الجديد" عن طموحاته في إصلاح الأوضاع الصعبة التي تمر بها البلاد، مروراً بما يتوقعه للمسار الانتخابي، ونظرته للعلاقات مع الخارج في حال وصوله إلى قصر قرطاج. إلى نص الحوار:

لماذا قررت خوض الانتخابات الرئاسية وبشكل فجائي؟
أولاً نزولاً عند رغبة حركة "النهضة" التي أنتمي إليها، وأنا من مؤسسيها منذ خمسين سنة. وثانياً لشعوري بحاجة البلاد لخدماتي، وأنه من واجبي أن أواصل مسيرتي السياسية والاجتماعية كمناضل من أجل قضية. أنا محامٍ، وحياتي قضيتها في الدفاع، وأريد أن أكون مدافعاً عن المواطن التونسي.

لكن قبل اتخاذ هذا القرار، وقبل أن تختارك "النهضة"، كنت عازفاً عن اقتحام هذا المجال، بل كنت لا تفكر فيه أصلاً؟ ماذا حدث حتى غيّرت رأيك؟
لم يتوفر لي مجال العمل من قبل، لكن حركة "النهضة" هي التي رشحتني من قبل للانتخابات التشريعية، وهو ما جعلني أخوض تجربة العمل البرلماني بما فيها من سلبيات وإيجابيات، وعرضت عليّ الحركة مواصلة التجربة نفسها فامتنعت عن ذلك لأني أعتبر أني قدّمت ما يمكن تقديمه، وهو ما جعلني أفكر في العودة إلى مكتبي كمحامٍ بسيط أرتزق منه، لكن لما عرضت عليّ الحركة هذا الأفق الجديد شعرت بأن رغبتي في العمل العام لم تنطفئ، وهي قائمة.

اتخذتَ قرار الترشح على الرغم من صعوبة الأوضاع السياسية والاقتصادية في البلاد؟

نعم على الرغم من صعوبة الأوضاع، لأنه إذا أحجم المناضلون عن التقدّم من أجل إصلاح هذه الأوضاع فإن البلد سيضيع. فالصعوبة هي المحفز على وضع بصمة قد تساعد على تحسين الوضع.

هل أنت قادر على ذلك؟
بالصلاحيات الممنوحة لرئيس الدولة أعتقد أن هذا الأمر ممكن. فالرئيس ليس مجرد مدير إدارة، وليس مجرد محاسب، وإنما هو من يضفي على البلد مسحة من التفكير نحو المستقبل، ومسحة من الوئام الوطني والحوار المفقود في تونس. نحن ليس لنا مؤسسات حوارية أبداً. وكل الإشكالات التي طُرحت علينا يُحل بعضها في مجلس تقريري لا في مجلس حواري. فالبرلمان هو المكان الوحيد الذي نجتمع فيه، ولم أرَ مكاناً آخر يمكن أن يفتح المجال للحوار. في تصوري أرى أن رئيس الجمهورية سيكون من أهم مهامه أن يُحدث هذه المجالات الحوارية عن طريق لجان. نحن لدينا قضايا هامة مثل العقد والميثاق الاجتماعي الذي لم تقم أسسه حتى اليوم. الأمر يحتاج إلى سلطة اعتبارية خارجة عن الحسابات السياسية أو السياسوية، وأن تكون قادرة على فعل ذلك.

ليس لدينا حتى اليوم نظرة استباقية لما يحصل لتونس من مشاكل بعد عشرين عاماً. هناك مشكلة المياه التي تعتبر من القضايا المطروحة بحدّة، والتي يجب التفكير فيها مستقبلاً. هي مسائل لا تستطيع أن تقوم بها أحزاب ناشئة اليوم، ولا تقوم بذلك حكومة هي مسؤولة عن الترتيب اليومي للحياة. يقوم بذلك رئيس الدولة. كذلك الشأن بالنسبة للبيئة والتلوث والتصحر. وضعيتنا في عالم يقوم على غزارة الإنتاج. هل سنبقى أمة مستهلكة إلى الأبد؟ هل نحن في شمال أفريقيا سنواصل السير خمسين سنة أخرى نرفع شعار المغرب العربي ولا ننفذه، ولا ننفتح على بعضنا اقتصادياً؟ وضعنا في أفريقيا يتطلب تنمية ومعلومات ومسؤولون وكفاءات وأموالاً. هل سنبقى محايدين عن هذا الواقع، ونعزل أنفسنا عن العالم؟ هذا العالم الذي يضع جسوراً بين اقتصادات مختلفة، هل يمكن أن تكون تونس جسراً بين اقتصاد شمال واقتصاد جنوب، في حين أن موقعنا الجغرافي يؤهلنا إلى ذلك؟ هذه المسائل لم يتم التفكير فيها، ونحن قاصرون عن العمل والأداء اليومي. رئيس الجمهورية ليس وزير صحة أو شؤون اجتماعية أو غيرها من الوزارات، وإنما موقعه يمكّنه من التفكير في هذه القضايا، ويوفر له مجالات طرحها. ونحن في أشد الحاجة إلى هذا الطرف.

كيف سيتم ذلك؟
سيتم عن طريق الآليات التي بيد رئيس الجمهورية. يعتقد كثيرون أنها آليات ضيّقة، وتقتصر على مجلس الأمن القومي وعلى آلية المبادرة التشريعية، لكن في الحقيقة هو يتمتع بالقدرة على استحداث آليات واسعة ولن تكون قراراتها ملزمة لبقية مؤسسات الدولة، لأن الدستور لم يمنحه سلطة التقرير والإلزام، لكن منحه القدرة على التفكير والتجميع والنظر البعيد.

لكن هذه المهام التي عجز عن تحقيقها الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي هل يمكن أن يقوم بها عبد الفتاح مورو؟
يمكن تحقيق ذلك عندما يتوفر العزم، وتتهيأ الأسباب، ويتوفر التفاهم وتُطرح هذه المسائل والقضايا التي لم تطرح سابقاً، وهي تحتاج إلى تجميع أصحاب الكفاءة والنخبة الواعية. فرئيس الجمهورية لن يستطيع أن ينجز هذه الأمور بمفرده.

في حال أصبحت رئيساً للجمهورية، ألا يتطلب ذلك وجود حكومة تتشكّل من حزبك أو على الأقل تتوافق مع أفكارك وتوجّهاتك؟ كيف سيكون الحال إذا وجدت نفسك أمام حكومة لا تتفق معها، أو لها أولويات مغايرة لما تطرح؟

لن أكون في خصومة تشريعية مع أي حكومة ستتشكل سواء من قبل "النهضة" أو من غيرها. رئيس الجمهورية ليست لديه سياسة يجب أن توافق عليها الحكومة، وإنما لديه خطوط عامة يريد رسمها ويقدّمها للوطن ليقرر في شأنها. الحكومة ستكون أحد الأطراف المعنية بذلك إلى جانب البرلمان. وسيساعده في هذا السياق وجود كتلة سياسية في البرلمان.

من تطور الأحداث يُلاحظ أن حركة "النهضة" لم تختر مورو في البداية لأسباب عديدة، لكنها اضطرت في ما بعد لترشيحه. هل تهيأت الحركة لكي تتحمّل تبعات وجود شخص يمثلها في منصب رئاسة الجمهورية؟
هذا السؤال يُوجّه إلى حركة "النهضة"، وما يهمني في هذا السياق هو الالتزام القانوني والدستوري بمقتضيات تطبيق القانون. ما يخصني هو أن أكون حريصاً على أن ما يجمعني بالحركة هي ذات الالتزامات التي تجمعني ببقية الأحزاب السياسية.

قد لا ترضى حركة "النهضة" بذلك، فما الذي سيحدث حينها؟
عندها سأطلب منها تفعيل ما يخوّله لها القانون، الذي يعطيها الإمكانية لاتخاذ العديد من الإجراءات ضد رئيس الجمهورية أو تجاه الحكومة. ما أؤكده أني مرشح "النهضة" لكنها لن تختارني لوحدها. "النهضة" جزء من الذين سيدعمونني بأصواتهم لكي أصبح رئيساً للبلاد. والحركة لن تكذّب نفسها في ترشيحي، وسأبقى تحت رقابتها ورقابة غيرها، وهي رقابة قانونية ظاهرة وواضحة، ولا أخشى من ذلك.


أعلنتَ أنه في حال الفوز ستقوم بإبعاد العائلة و"النهضة" عن القصر الرئاسي وعن فضاء رئاسة الجمهورية. ماذا تقصد بذلك؟ وكيف ستقوم بعملية الفصل؟

نحن في تونس عشنا النظام الجمهوري منذ العام 1957 حتى الآن، وشهدنا في فترات ضعف رئيس الدولة، ومن العوامل التي أدت إلى ضعفه تدخّل أسرته. لقد تدخّلت الزوجة في عهد الحبيب بورقيبة، كما تدخّلت ابنة الأخت في عهده. وعندما جاء زين العابدين بن علي تدخّل الأصهار في الحكم، ولعل من أهم الإشكالات التي حصلت قيام هؤلاء بالسيطرة على المال العام ومنع البلاد من التمتع بثرواتها. كما عاد الحديث من جديد في عهد الترويكا عن الأصهار. وبالتالي هذه التجارب يجب استبعادها حتى لا يتصوّر الناس أن رئيس الجمهورية ينبغي الدخول عليه بمدخل أسري أو قرابة. هذا لن يحصل أبداً في فترة ولايتي.

تعني أنك ستمنع أي فرد من أسرتك من تولي أي منصب داخل القصر أو أن يتمتع بامتياز ما؟

أفراد الأسرة لهم اختياراتهم ولهم مساراتهم المهنية، وعندما يُنتخب والدهم أو قريبهم لن يغيّر ذلك من أوضاعهم شيئاً. بعبارة واضحة لن أستعين بأي واحد منهم. أما بالنسبة للحزب فهذه قضية أعلنها قبلنا الباجي قائد السبسي، لكن في التطبيق رأينا مراوحة بين الشعار والواقع، لأن الرئيس السبسي لم ينفصل تماماً عن حزبه، وبقيت العلاقة به قائمة، كما بقي الخلاف مؤثراً في علاقته بأطراف من داخل "نداء تونس"، وانعكس ذلك على سياسة البلاد، وبسببه توقف الحوار بين رئيس الدولة ورئيس الحكومة على الرغم من أن كليهما من حزب واحد. أنا أتعهد بألا تتكرر هذه التجربة وألا تؤثر على مسارات مؤسسات الدولة.

عندما قررت الترشح للانتخابات الرئاسية هل كانت التجربة الخاصة بمصير "الإخوان المسلمين" غائبة عن ذهنك، أم أنك استحضرتها واستوعبت الدروس الضرورية منها قبل أن تُقدم على خوض التجربة؟
لم تكن الحالة المصرية غائبة عني، بل هي التي شجعتني على خوض هذه التجربة. ويعود ذلك إلى الأسباب التالية:
أولاً: الصلاحيات الممنوحة لرئيس الجمهورية في تونس مختلفة تماماً عن صلاحيات الرئيس في مصر. صلاحياتنا محدودة، وهي في الحقيقة سلطة منتقصة، ورئيس الجمهورية لا يقرر في الشأن العام. رئيس الجمهورية لا يقرر في تفاصيل الدولة، وهو لا يسنّ السياسات الجزئية المتعلقة بالصحة والتربية والاقتصاد والتنمية. لا علاقة له بذلك، بينما رئيس الجمهورية في مصر يفعل ذلك. بناء عليه فإن انتخاب رئيس جمهورية من "النهضة" لن يغيّر ميزان القوى السياسية في البلاد. فهذا الرئيس ماذا سيمسك من أدوات تشريعية مؤثرة على الخيارات العامة للبلاد؟ لا شيء. هو مُوجِّه أعلى وهو مكوّن لمناخ عام. ثانياً: جُربت "النهضة" عندما تولَّت السلطة، واليوم نشعر أن الخوف من الانقلاب عليها لم يعد له معنى. فهي تولّت وزارات عديدة مثل الداخلية والخارجية والعدل والصحة والمواصلات وغيرها، ولم يحصل تشكيك في أدائها أو ما يبرر الخوف منها. العالم مطمئن إلى أن مشاركتها في الحكم تعتبر عاملاً من عوامل استقرار البلد. كما أن مختلف الدول سواء الواقعة في الشرق أو في الغرب، لها علاقات وثيقة بالدولة التونسية التي تُعتبر حركة "النهضة" مكوناً فيها بحكم أنها تملك ثلث السلطة في البرلمان. إذاً ما هو الجديد الذي سيتغيّر في حال وصولي إلى رئاسة الجمهورية؟ ثالثاً: في تونس لا يوجد جيش لديه خصومة مع الحكومة المدنية، بينما للجيش المصري خصومة مع المدنيين هناك بحكم أن الجيش مرّ هناك بمحطات عزة مصر منذ محمد علي باشا، ثم الخديوي إسماعيل، وبعد ذلك الثورات المتتالية وصولاً إلى ثورة محمد نجيب والضباط الأحرار. كان الجيش المصري دائماً حاضراً بخبرته العسكرية والسياسية وحتى الاقتصادية، وأصبح له تأثير كبير على اقتصاد مصر ويمسك بما يقدر بـ45 في المائة من سلطات الاقتصاد الوطني. أنا أعتقد أن الخلاف الذي حصل بين (الرئيس المصري الراحل محمد) مرسي والعسكريين عائد بالأساس إلى تنازع الحكم بين مدنيين وعسكريين. نحن ليست لدينا إشكالية من هذا النوع.

لكن هذا الخلاف راجع أيضاً إلى أن مرسي كان ينتمي إلى حركة "الإخوان المسلمين" وهو تيار تاريخي كبير

اعتقادي أن الخلاف بين "الإخوان" والعسكريين هو تنافس بينهما على السلطة. المصيبة أنه صدام بين سلطتين، وليس الأصل في ذلك المشروع الإسلامي، لأن المشروع الإسلامي هو مشروع العسكر أيضاً. فالجيش نابع من ثقافته ومن وطنه. المسألة قُدّمت على أساس أنها معركة بين إسلاميين وعلمانيين، في حين أن هذه المعركة غير قائمة ولا هي موجودة. المعركة الحقيقية هي بين سلطتين. هذا الأمر غير موجود في تونس. علماً أنه لا يوجد مشروع أيديولوجي في تونس. لا رئيس الجمهورية يدعي ذلك ولا حزب "النهضة" يدعو إليه. كما أنه ليس لدينا جيش يريد أن يستولي على السلطة أو على جزء منها. فالجيش التونسي جمهوري يريد أن يحفظ مؤسسات الدولة. هذا الصدام المزعوم وهم ولا علاقة له بالواقع التونسي أبداً.

هذا يعني أنك مطمئن إلى وصولك إلى رئاسة الجمهورية، وأن ذلك لن يؤثر مطلقاً على علاقة تونس بدول كثيرة؟ ولن تكون هناك أطراف معادية ستحاول أن تثير مشاكل جديدة في البلاد؟
من جهتنا نحن ملتزمون بالعلاقات والقوانين والمعاهدات الدولية. نحن تواصل لمن كانوا قبلنا، نتحدث من خلال دولة وليس من خلال حزب. ورئيس الجمهورية عندما يتكلم يقوم بذلك باسم الدولة التونسية. وهو ملتزم بقرارات الدولة وبمقتضيات القانون الدولي، ولا علاقة له بالأحزاب أبداً. وإذا كانت للأحزاب خصومات، فهي تقضيها في مجالاتها، أما في رئاسة الجمهورية فما له اعتبار هو الالتزامات القانونية القائمة على التزامات الدولة التونسية. لهذا ستكون علاقاتنا مع الجميع حسب العلاقات الدبلوماسية التونسية القائمة على عدم التدخّل في شؤون الغير، وعلى احترام الخصوصيات، والالتزام بالمواثيق، والسعي لحل الإشكالات بالحوار، والرغبة في تحقيق السلم، وعدم الانصهار في المحاور. نحن لا علاقة لنا بالمحاور. وحتى ما يحصل من خلافات داخل المجموعة العربية من اصطفافات فنحن لسنا ملزمين بها. علاقاتنا هي علاقات صداقة بالجميع. نحن لنا علاقة صداقة باليمن والسعودية وقطر والإمارات والبحرين وعمان والأردن وسورية ومصر ولبنان وليبيا والجزائر والمغرب وموريتانيا وجيبوتي وكل الدول العربية.

بحكم علاقاتك القديمة بالسعودية، هل تنوون إحياء هذه العلاقات وتوظيفها لصالح بناء الثقة من جديد بين البلدين؟

يقيناً، هذا ما سأسعى إليه. السعودية جزء محترم من الكيان العربي، وربط العلاقة بها وتجديدها أمر ضروري من خلال إذابة الجليد أو ما علق في الأذهان من تصور وجود خلافات لا أصل لها ولا سبب. هذا الأمر ينطبق على السعودية وعلى غيرها وأخص بالذكر الإمارات. وأعتبر علاقة تونس بها علاقة وئام لا علاقة صدام. فالإماراتيون ليست لهم مطامع في تونس، ونحن ليست لنا مطامع في الإمارات ولا في غيرها في المنطقة. فنحن مع علاقات واضحة ومحكومة بالعلاقات الدولية.

على سبيل المثال هل تنوون مثلاً دعوة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لزيارة تونس؟
يقيناً إذا اقتضت المشاورات بين الطرفين أن نزورهم ويزورونا فنحن ندعوهم وهم يدعوننا. هذا الأمر من بديهيات العلاقة بين الدول، وهو يقتضي تقديم مصالح هذه الدول على مصالح الأفراد والأحزاب.

هل ستتعرضون لأوضاع الحريات وحقوق الإنسان في مصر؟
يتم التعرض إلى هذه المسألة في نطاق ما يسمح به القانون الدولي، وما تسمح به المواثيق الدولية. إذ هناك منظمات دولية حريصة على ذلك، وهي التي تتبنّى مثل هذه المسائل. أما بالنسبة للعلاقات الثنائية، فيجب ألا يكون فيها تدخّل في شؤون الغير أبداً.

ننتقل الآن من الدبلوماسية إلى الوضع الأمني، هناك سؤال يفرض نفسه: ما هو موقف مورو في العمق من الظاهرة السلفية؟
هي ظاهرة مقلقة وسببها هو التهميش، لأن الشباب الذي لم يُعتنَ به، والذي لم تُقدّم له وسائل فهم واقعه، ولم يُثقّف، ولم تعطَ له إمكانية التعبير عن ذاته من خلال عمل، ولم يتحمل مسؤولية في وطنه، وبقي يُنظَر إليه باعتباره هامشاً من هوامش البلد، هو الذي يريد أن يعبّر عن رفضه وعن كيانه من خلال تبنّي عناوين لا تُعبّر عن الواقع. هؤلاء لم يتحركوا من أجل دين، وإنما تحركوا بهدف الانتقام من واقع سيئ يعيشونه. وفي رأيي مقاومة هذه الظاهرة تبدأ من مقاومة الفقر، والتصدي للتفاوت بين المناطق، والعمل على وضع حد لتهميش الشباب.

هل ستكون قادراً إذا أصبحت رئيساً على التصدي بشكل فعلي وملموس لما تعانيه هذه المناطق المحرمة؟
أنوي القيام بتوطين الشباب في المناطق الحدودية من خلال منح الأراضي الزراعية المملوكة من الدولة للشباب، وأن تُبعث فيها مشاريع زراعية مثل منطقة رجيم معتوق التي نجحت زراعياً، ويمكن إشاعة هذه التجربة في كامل هذه المناطق. وسيمنح ذلك روحاً جديدة لهؤلاء الشباب عندما يصبحون مالكين للأرض. وبذلك يصبحون قادرين على التعبير عن وجودهم وأن يشكّلوا أسراً، وتصبح لهم أحلام. كما سأعمل على ربط الجامعة بالمصانع حتى يصبح للتعليم جدوى وأهمية.

هل لديكم مخاوف من احتمال حصول انزلاق في المنافسة الانتخابية؟

ما أخشاه حقاً هو أن نجد أنفسنا في مسار من شأنه أن يؤثر على سلامة المناخ الانتخابي. اهتمامي الآن ليس منصبّاً على النتائج بقدر متابعتي للأجواء التي ستحيط بالحملة الانتخابية. المهم أن يكون التسابق بين الأشخاص والبرامج مع حفظ الكرامة وعدم الاعتداء على حياة الناس وعلى شرفهم، وعدم الكذب عليهم. هذه شروط ضرورية لحماية الانتقال الديمقراطي وتعزيزه. فهناك من يؤمن بأن يكون منحازاً إلى جهة دون أخرى. هؤلاء يؤمنون بديمقراطية داخل عائلة سياسية واحدة، ولا يؤمنون بديمقراطية تجمع العائلة الوطنية بكل تياراتها.

لو افترضنا مرورك إلى الجولة الثانية وتجد نفسك مع أحد مرشحي العائلة الحداثية، هل تخشون حصول شرخ في المجتمع وانقسام حادّ بين المواطنين؟
لا أتصور ذلك، لأن الخلاف لن يكون أيديولوجياً ومجتمعياً، وإنما سيكون على أساس مصالح يريد كل طرف أن يدافع عنها. ليس المطلوب اليوم أن يصطف الشعب التونسي اصطفافاً مذهبياً. لأنه لو حصل ذلك فمن شأنه أن يفضي إلى انقسام مجتمعي حاد نحن لا نريده. الاصطفاف اليوم يتعلق بما وراء السلطة، ومن يموّل السلطة، ومن ستموّله السلطة. وما أخشاه أن يؤدي هذا إلى الاصطفاف إلى الوقوف وراء صاحب المال.

هل أنت واثق من الفوز؟
لم أدخل هذا السباق إلا لثقتي في الامكانات المتوفرة لي وبقدرتي على الفوز في هذه الانتخابات.

المساهمون