مؤتمر باريس للسلام: تمخض الجبل فولد فأراً

17 يناير 2017
فرنسا تفقد مصداقيتها في نظر أوساط فلسطينية(برتران غي/فرانس برس)
+ الخط -
على الرغم من الترحيب الرسمي الفلسطيني بمؤتمر باريس حول السلام في الشرق الأوسط ومخرجاته، إلا أن القيادة الفلسطينية تدرك أن ما زرعته من آمال على المؤتمر الدولي، خلال العامين الماضيين، لم تحصد منه سوى تأكيدات وهمية على أهمية حل الدولتين، وبيان عديم التأثير، وصيَغ أخرى ملتبسة تساوي بين قوة الاحتلال والمحتل. وترى أوساط سياسية فلسطينية أن فرنسا فقدت مصداقيتها وتنصلت من كل الوعود ورؤيتها لدور المؤتمر الدولي كامل الصلاحيات وما يجب أن يتمخض عنه، وخضعت للابتزاز الإسرائيلي وللابتزاز الأميركي، بإفراغ المؤتمر من محتواه، وعدم نصه على أية آلية للمتابعة، فضلاً عن إتاحة الفرصة لأفكار وزير الخارجية الأميركية، جون كيري، لأن تكون ضمن توصيات المؤتمر الملتبسة. وتؤكد الأوساط نفسها أن القيادة الفلسطينية التي عوّلت على المبادرة الفرنسية، زرعت وهماً سياسياً ستحصده عبر مفاوضات ثنائية. وكان الرئيس، محمود عباس، قد أكد في آخر اجتماع للجنة التنفيذية لـ"منظمة التحرير الفلسطينية"، قبل أسابيع، أنه "سيعود للمفاوضات الثنائية مع إسرائيل، وهذه مسألة وقت ليست أكثر"، على حد تعبيره.

وأعلنت القيادية في "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين"، خالدة جرار، أن حزبها حذر "من زراعة الوهم لدى الناس بأن مؤتمر باريس هو ليس أكثر من تجمع دولي الهدف منه إعادتنا إلى المفاوضات الثنائية بإطار تفاوضي أقل من سقف أوسلو، إذ استند فقط إلى قرارات الشرعية الدولية 242 و338، أي إطار مؤتمر مدريد، مع إضافة إطار أقل للمفاوضات". وقالت في تصريحات لـ"العربي الجديد" إن "خطورة" مؤتمر باريس تتمثل في "مساواة الإرهاب بالمقاومة لأنهم استندوا إلى تقرير اللجنة الرباعية الذي سبق ودانته اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، فضلاً عن استناده إلى المبادئ الستة التي سبق أن ذكرها الوزير كيري حول يهودية دولة (إسرائيل)، وتبادل الأراضي، والتعويض بدل حق العودة". وذكرت أن "القيادة الفلسطينية غاضبة، لكن دبلوماسياً لا تستطيع أن تعبر عن غضبها وخيبة أملها من المؤتمر"، بحسب تعبيرها.

ودعت جرار القيادة الفلسطينية إلى تبني خيار سياسي آخر يتمثل بـ"العمل على تأمين اصطفاف دولي لتطبيق قرارات الشرعية الدولية وليس التفاوض عليها، والمضي قدماً نحو المحكمة الجنائية الدولية"، مؤكدة أن "هذا الخيار يترتب عليه استحقاقات سياسية ربما لا ترغب القيادة بدفع ثمنها".


وعلق نائب الأمين العام لـ"الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين"، قيس عبد الكريم، على نتائج مؤتمر باريس بالقول إنها "جاءت مخيبة للآمال الوهمية التي علقها البعض على هذا المؤتمر الذي يفتقر إلى أي آلية دولية فاعلة لإنهاء الاحتلال أو لتحديد أي سقف زمني لإنجاز هذا الهدف، وهو علاوة على ذلك يساوي بين ما يسميه العنف والتحريض وبين الاستيطان الذي هو جريمة حرب موصوفة بموجب القانون الدولي"، بحسب تأكيده. واعتبر أن "مصداقية فرنسا باتت على المحك، وعلى باريس أن تستعيد مصداقيتها بالاعتراف فوراً بدولة فلسطين".

لكن مستشار الرئيس الفلسطيني للشؤون الاستراتيجية، حسام زملط، رأى "أن الأمر لا يتعلق بالتوقعات من مؤتمر باريس، بقدر ما يتعلق بالحديث عن الإرادات". وقال لـ"العربي الجديد": "نحن نريد أن تكون هناك إرادة دولية ووتيرة دولية باتجاه إعادة فرض القضية الفلسطينية كقضية محورية ومركزية في الشرق الأوسط، وإعادة تأكيد الإجماع الدولي حول دولة فلسطينية على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وإعادة تأكيد المسؤولية الدولية لإيجاد حل، وليس طرفان يجب عليهما إيجاد حل، لذلك وفي هذا السياق، كان باريس خطوة بالاتجاه الصحيح"، بحسب قوله.

وتعليقاً على المواقف التي تعتبر أنه كان يجب على المؤتمر الدولي أن يكون كامل الصلاحيات، علق زملط قائلاً "صحيح أن المطلوب كان مؤتمراً كامل الصلاحيات، لكن الفرنسيين وكل من حضر الاجتماع، يعلمون أن الفكرة الأساسية هي المسؤولية الدولية"، مضيفاً أنه "وبغض النظر عن بعض التصريحات هنا وهناك، أهم ما في الأمر أن روح المبادرة الفرنسية وأساسها هي تأكيد المسؤولة الدولية عن القضية الفلسطينية"، وفق تعبيره.

ويبقى الهاجس الفلسطيني الأبرز يتمثل في متابعة مخرجات مؤتمر باريس، ولا سيما أنه لم يقرر تشكيل لجنة متابعة، على عكس ما كان منتظراً. وفي هذا الصدد، أكدت مصادر لـ"العربي الجديد" أن سبب ذلك يكمن بـ"ضغوطات وابتزازات كبيرة مارستها إسرائيل والولايات المتحدة على فرنسا، للحيلولة دون تشكيل لجنة متابعة".

وفي هذا الإطار، قال زملط إن "الرئيس أبو مازن سيزور باريس خلال الفترة المقبلة، وأن السلطة الفلسطينية ستتابع مع فرنسا وحلفائها في العالم، كيف ستستمر في بناء هذه الوتيرة الدولية، بحيث يكون مؤتمر باريس نقطة الانطلاق"، وفق تعبيره.

واعتبر أستاذ العلوم السياسية في جامعة بيرزيت شمال رام الله، علي الجرباوي، لـ"العربي الجديد"، أن اللقاء الذي تم في باريس جيد، من ناحية أن هناك 70 دولة اجتمعت لتؤكد مبادئ أساسية لا تستطيع أن تفرضها، لكن تأكيدها مهم قبل وصول الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترامب، للحكم، ولا يوجد أكثر من هذا"، بحسب قوله. وحول سقف التوقعات الفلسطيني المرتفع الذي سوّق للمبادرة الفرنسية خلال العامين الماضيين، قال: "المستوى الرسمي الفلسطيني لا يقيس الأمور بشكل جيد، ويتوقع توقعات خارجة عن الإطار، ويذهب للمأمول أكثر من الممكن، لكن من حيث الممكن هذا لقاء جيد، إذ لم يخسر الفلسطينيون شيئاً"، بحسب اعتقاده. وأضاف أن المؤتمر كرس مبدأ حل الدولتين "على الورق فقط، ولن يغير أي شيء، لكن هذا ما استطاعت فرنسا أن تقوم به"، وفق تحليله. وختم قائلاً إن "المشكلة تتمثل في أن الفلسطينيين يعولون على الآخرين أكثر مما يعولون على أنفسهم، لذلك نفكر أن الآخرين سيفعلون لنا ما لا نستطيع أن نفعله لأنفسنا، وهذا مستحيل، لدينا انقسام، ونظام سياسي مترهل، وسلطات تركزت بسلطة واحدة، وتراجع للديمقراطية والشفافية، وبالتالي يجب أن نحل مشاكلنا أولاً قبل أن نعوّل على العالم"، بحسب قوله.

 

المساهمون