النظام الأردني يشقّ صفوف الإخوان: تغذية الخلافات واحتضان "الانفصاليين"

19 فبراير 2015
مباركة أردنية رسمية لإعادة تشكيل الجماعة (صالح ملكاوي/الأناضول)
+ الخط -

تعيش جماعة الإخوان المسلمين في الأردن أسواً أيامها، وسط قناعة بدأت تتسلل إلى قياداتها الحالية، ومجلس حكمائها الذي يضم القيادات التاريخية، بأن الانشقاق آتٍ لا محالة. انشقاق لن تتهم الدولة صراحة بحدوثه، وخصوصاً أن الأخيرة تمارس دور المتفرج على ما يحدث من خلافات وعمليات فصل داخل الإخوان، محاولة كتم سعادتها، وقد حققت أهدافها كاملة بعدما اعتمدت مقاربة خاصة بها لتفكيك الجماعة.

يظهر مسار الأحداث في الأردن التزام عمان بموقف محور الاعتدال العربي من جماعة الإخوان المسلمين، لكنها على الرغم من ذلك اختطت لنفسها مقاربة خاصة في التعامل مع الجماعة القوية. وتعتمد المقاربة الأردنية على إضعاف الجماعة وتفكيكها ذاتياً، عوضاً عن حلها أو حظرها أو تصنيفها منظمة إرهابية، على غرار ما أقدمت عليه مصر والإمارات والسعودية.

رسمياً وفي العلن، غرّد الأردن خلال الفترة الماضية بعيداً عن سرب الاعتدال العربي، معلناً تمسكه بالجماعة التي يعتبرها مكوناً أصيلاً من مكونات النسيج الوطني الأردني، وواصل نفيه القاطع للشائعات التي تحدثت عن احتمالات حلها، على الرغم من عتبه على الجماعة التي يتهمها بمغادرة رشدها القديم، وتغيير منطلقاتها الوطنية لصالح أجندات خارجية.

أما في الخفاء فكان النظام يغذي الخلافات الداخلية في جسد الجماعة، من خلال احتضانه الأقلية المخالفة، التي تحولت إلى مجموعة انفصالية، تحمل شعار إصلاح الجماعة، بعد أن تطورت الخلافات الداخلية لتصبح بذور انشقاق بات قريباً.

الخطة الأردنية اكتملت أركانها نهاية الأسبوع الماضي، عندما أقدمت مجموعة القيادات التاريخية للجماعة، يتزعمهم المراقب الأسبق للجماعة وعضو هيئة الإرشاد العالمي عبد المجيد الذنيبات، الذي صدر أمس قرار عن الجماعة بفصله، على التقدم بطلب لتسجيل ترخيص جديد باسم الجماعة، تحت مبرر تصويب أوضاعها القانونية. وهي الخطوة التي جاءت بعد لقاءات جمعت الذنيبات وعدداً من أفراد مجموعته بمسؤولين في مركز صناعة القرار الأردني، حسب ما أبلغ مصدر مقرب منهم "العربي الجديد".

المصدر، الذي طلب عدم ذكر اسمه، أوضح أن "الذنيبات حصل على مباركة رسمية لإعادة تسجيل الجماعة"، على الرغم من أن الجماعة في الأردن تمتلك ترخيصين؛ الأول صدر في العام 1945 كجمعية خيرية والثاني في العام 1954 تحت تصنيف جماعة إسلامية شاملة.

الخطوة التي أقدم عليها الذنيبات، الذي يتزعم منذ قرابة العامين "اللجنة العليا للإصلاح في جماعة الإخوان المسلمين"، كان لها وقع الكارثة على قيادة الجماعة التي تداعى مجلس شوراها إلى اجتماع طارئ مطلع الأسبوع الحالي خلص إلى استصدار قرار بفصل كل من يثبت تورطه في محاولة إعادة تسجيل ترخيص جديد للجماعة ومن ضمنهم الذنيبات الذي فصل أمس. وهو القرار الذي يعتبر، وفقاً للنظام الأساسي للجماعة، قطعياً وواجب التنفيذ. إلا أن عضو اللجنة الإصلاحية القيادي الإخواني نبيل الكوفحي وصفه بـ"قرار إعدام ونوع من أنواع التطرف"، في حين اعتبره رئيس مجلس شورى الجماعة نواف عبيدات "رداً طبيعياً على محاولات شق الجماعة وإضعافها".

وتصطدم جهود الذنيبات لإعادة تسجيل ترخيص جديد للجماعة، بمخالفة قانونية، إذ يحصر النظام الأساسي للجماعة المعاملات مع الجهات الرسمية بالمكتب التنفيذي للإخوان، كما يقول عضوه سعود أبو محفوظ، وبالتالي فإن أي طلب أو مخاطبة للجهات الرسمية غير صادر عن المكتب لا قيمة له.

ويتساءل أبو محفوظ من دون أن يتهم بشكل مباشر، عن توقيت الخطوة قائلاً لـ"العربي الجديد" إن "الأخ الذنيبات قاد الجماعة مراقباً عاماً لمدة 12 عاماً منذ العام 1994 وحتى العام 2006، لماذا لم يصوب أوضاع الجماعة خلال تلك الفترة لو كان فيها خلل".

وتشير التقديرات إلى أنه في حال قبول طلب إعادة تسجيل الترخيص، الذي تقوده مجموعة الذنيبات، فإن من المرجح ولادة جماعة جديدة للإخوان المسلمين، تحت مسمى "الجماعة الأردنية"، مع بقاء الجماعة التاريخية قائمة تحت مسماها "جماعة الإخوان في الأردن".

الرعاية الرسمية الأردنية لمجموعة "إعادة ترخيص الجماعة"، لا يمكن نزعها عن سياق الرعاية الرسمية التي حظيت بها المبادرة الأردنية للبناء "زمزم" التي شكلها قياديون في الإخوان، وأعلنت ولادتها الرسمية مطلع نوفمبر/ تشرين الثاني 2012، في حفل مهيب وسط تسهيلات رسمية وحضور واضح لشخصيات محسوبة على النظام، تجمعها علاقة متوترة مع جماعة الإخوان.

وتعدّ قيادة "زمزم" ضمن المحركين الرئيسيين لجماعة "إعادة ترخيص الجماعة"، وفي الوقت ذاته مكوناً أساسياً من مكونات "اللجنة العليا للإصلاح في جماعة الإخوان المسلمين".

الرعاية الرسمية "لإصلاحيي الجماعة"، تقابلها عدائية واضحة لقيادة الجماعة التاريخية، تمثلت أخيراً باقتياد الرجل القوي في الجماعة، نائب المراقب العام، زكي بني أرشيد إلى محكمة أمن الدولة بتهمة تعكير صفو علاقات المملكة مع دولة أجنبية (الإمارات) ليحكم عليه بالسجن ثلاث سنوات خفضت إلى سنة ونصف السنة.