يمكن لمتابع المشهد في محافظة شمال سيناء شرقي مصر أن يلحظ توافق التطورات على الأرض مع المقترحات الإسرائيلية المتعلقة بسيناء، وارتباطها بملف قطاع غزة المجاور لشمال سيناء، والتي كان آخرها دعوة مركز أبحاث إسرائيلي يميني لمعالجة "التحديات" التي يمثلها القطاع لإسرائيل، من خلال تنفيذ خطة لتطوير شمال سيناء، عبر التوسع في الاستثمار بمشاريع بنى تحتية يمكن أن توظف في تحسين الأوضاع الاقتصادية في القطاع.
وفي ورقة صادرة عنه، لفت "المركز اليروشليمي لدراسة المجتمع والدولة"، الذي يرأس مجلس إدارته وكيل الخارجية الإسرائيلية السابق دوري غولد، إلى أنّ تدشين بناء مشاريع بنى تحتية وسياحية في شمال سيناء، سيوفر فرص عمل للغزيين والسيناويين. وتقترح الخطة، التي أعدها الباحث في المركز العميد المتقاعد شمعون شابيرا، الذي سبق أن عمل سكرتيراً عسكرياً لرئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، أن تتولى كل من الولايات المتحدة والدول الخليجية مهمة تمويل المشاريع الهادفة إلى تطوير شمال سيناء، حيث تشمل الخطة تدشين ميناء بحري داخل ميناء العريش الحالي، بحيث يسمح برسو السفن الكبيرة التي ستستخدم في عمليات الاستيراد والتصدير لصالح قطاع غزة.
وتدعو الخطة إلى التوسع في بناء مناطق سكنية في محيط العريش وشمال سيناء، من دون أن تحدد الفئات التي يفترض أن تقطن فيها. ولفتت إلى أنّ مشاريع البنى التحتية هذه يجب أن تكون تحت الإشراف المصري، بحيث يُسمح لسكان القطاع بالاستفادة من الخدمات التي تقدمها، كما ينص على ذلك القانون المصري. وتنطلق الورقة من افتراض مفاده بأنّ تحسين الأوضاع الاقتصادية للبدو، الذين يقطنون منطقة شمال سيناء، يخدم المصلحة الأمنية الإسرائيلية، على اعتبار أنّ هذا التطور يقلّص من فرص انضمامهم إلى التنظيمات "الجهادية" العاملة في المنطقة، بحسب الورقة.
وفي التعقيب على ذلك، يقول أحد مشايخ سيناء، لـ"العربي الجديد"، إن "ما جاء في الاقتراح الإسرائيلي الأخير يأتي كجزء من الاقتراحات الإسرائيلية السابقة التي تتحدث عن ربط قطاع غزة بسيناء، بمشاريع حيوية، بدعم خليجي وأميركي، وبإشراف مصري، على أن يستفيد منه بالدرجة الأولى الفلسطينيون وكذلك المصريون المقيمون في سيناء. ووفقاً لما جاء في الاقتراح، وبالنظر على أرض الواقع، فإن حالة واسعة من التوافق بين الأمرين، تتمثل في أن سيناء تشهد توسيعاً لمطار العريش ليتمكن من استيعاب عدد أكبر من الطائرات والمسافرين، في ظل عدم توافر مطار في قطاع غزة، وحاجة الفلسطينيين إلى السفر عبر مطار القاهرة، الذي يبعد أكثر من 400 كيلومتر متر عن معبر رفح، فيما تبلغ المسافة بين غزة ومطار العريش 75 كيلومتراً. بالإضافة إلى أن العريش تشهد إغلاقاً لمينائها الرئيسي وتسليمه لقوات الجيش بهدف توسيعه بشكل كبير، على حساب منازل المواطنين وممتلكاتهم، ليتمكن من استيعاب السفن الكبرى ونقل البضائع بشكل موسع خلال المرحلة المقبلة".
ويضيف الشيخ القبلي أن "سيناء تشهد بناء تجمعات سكنية جديدة، كرفح الجديدة وأخرى في محيط مدن المحافظة، والتي أعلن عنها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في حين أنه لم يعلن عن المستفيدين من هذه التجمعات السكانية الجديدة. بالإضافة إلى أن سيناء تشهد عمليات بناء لمحطات تحلية مياه البحر، خصوصاً في مدينة الشيخ زويد التي تبعد 12 كيلومتراً عن قطاع غزة فقط، فيما جرى الحديث مرات عديدة عن نية بناء محطة توليد كهرباء في مدينة رفح المصرية الملاصقة لمدينة رفح الفلسطينية، في الوقت الذي يجري فيه تجديد خط الكهرباء المغذي لمدينة رفح والشيخ زويد، ورفع طاقته الإنتاجية، برغم أن عدد السكان انخفض إلى أقل من النصف خلال السنوات الماضية، في ظل أن رفح باتت مدينة أشباح، بعد تهجير سكانها منذ العام 2014. بالإضافة إلى أن الهيئة الهندسية التابعة للقوات المسلحة بدأت أخيراً في عملية إصلاح خط السكة الحديد الرابط بين شرق القناة وغربها، بما يصل إلى مدينة بئر العبد والعريش كمرحلة أولى، وقد تمتد إلى قطاع غزة في مرحلة لاحقة تطبيقا للمقترحات الإسرائيلية".
من جهته، يرى باحث في شؤون سيناء أن "كافة المؤشرات تؤكد منذ سنوات طويلة أن ثمة مخططاً دولياً يُطبخ على نار هادئة يستهدف سيناء"، مشيراً إلى "تهجير عشرات آلاف السكان من مدن رفح والشيخ زويد والعريش، من خلال هدم المنازل والتضييق على السكان بسلسلة من الإجراءات القاسية التي تعاني منها كافة شرائح المجتمع، وكذلك ضعف الخدمات المقدمة للمواطنين، كالكهرباء والمياه والبنى التحتية والاتصالات ووصول المواد الغذائية والأدوية والاحتياجات الأساسية للمواطنين. وهذا يتعارض تماماً مع المشاريع التي يقيمها الجيش المصري في سيناء، من قبيل بناء المدن الجديدة والبدء في مشاريع كهرباء ومياه وسكك حديدية، وتحسين قدرات ميناء ومطار العريش، ما يشير إلى أن هذه التطورات لا يقصد بها المواطن المصري بالدرجة الأولى، بل ستكون على حساب التضييق على حياته وإجباره على الرحيل من أرضه التي يقطنها منذ عقود".
ويشير الباحث، الذي فضل عدم الكشف عن اسمه، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أنه "في الآونة الأخيرة تضاعف الحديث المصري الرسمي عن تنمية سيناء، وإنشاء التجمعات السكانية والمشاريع الضخمة، في حين أن معاملة المواطن المصري ما زالت على حالها إن لم تكن ازدادت سوءا، ما يكشف حقيقة توجهات النظام المصري، ومدى تفاعله مع تنفيذ المخططات الدولية على أرض سيناء. وهي مشاريع قديمة حديثة، جرى الحديث عنها تكراراً ومراراً، إلا أنها باتت واقعاً على الأرض منذ الانقلاب العسكري صيف العام 2013، ويستمر العمل به، برغم كل التحذيرات من خطورة المخطط المقام على أرض سيناء، وتأثيراته السلبية على السيادة المصرية، والإضرار بالقضية الفلسطينية على حد سواء. إلا أن كل التحذيرات والتخوفات ذهبت أدراج الرياح في ظل استمرار الجيش المصري، والنظام من خلفه، في تنفيذ المخطط، الذي ستتكشف معالمه للعلن في مرحلة لاحقة".
وفي نهاية المطاف، تبقى الأشهر المقبلة كفيلة بالكشف عن المزيد من الوقائع المؤكدة لتنفيذ النظام المصري لمخطط دولي على أرض سيناء، في ظل انشغال المجتمع المصري بملفات داخلية أخرى، في حين أن ما يجري في سيناء يمس السيادة المصرية وجزءاً مهماً من الأرض المصرية، وذلك لتحقيق أهداف معينة لدى القائمين على النظام المصري، فيما يبقى أهالي سيناء الأكثر دراية بما يجري، حيث حذروا من ذلك في مواقف متكررة، إلى أن باتوا مضطرين إلى التعايش مع الواقع الجديد، أو الهروب منه باتجاه المحافظات الأخرى.