100 يوم في ماراوي: نيران في منطقة بحر الصين

10 سبتمبر 2017
جندي فيليبيني في معركة ماراوي (فرديناند كابريرا/فرانس برس)
+ الخط -
شكّل تاريخ 23 مايو/أيار الماضي محطة فاصلة في عهد الرئيس الفيليبيني رودريغو دوتيرتي، وتبدلاً في أولوياته، من محاربة عصابات المخدرات وأفراد من الحزب الشيوعي، إلى محاربة تنظيم "داعش"، الذي اتخذ من مدينة ماراوي في جزيرة مينداناو معقلاً له. وبعد أكثر من 100 يوم من القتال الضاري بين الجيش الفيليبيني و"داعش"، لا يبدو أن الأوضاع متجهة نحو الحسم، رغم تهديدات دوتيرتي المتواصلة. وفي موازاة القتال في الفيليبين، بات الحيّز الجيوبوليتيكي لدولة الـ7641 جزيرة، في قلب الأزمات المتلاحقة، من كوريا الشمالية في أقصى الشرق الآسيوي إلى الحدود الهندية ـ الصينية.

في ماراوي، فشلت مهمة الجيش الفيليبيني في 23 مايو الماضي، في إلقاء القبض على زعيم "داعش" في البلاد، إيسنيلون هابيلون، الملقب بـ"أبو عبدالله الفيليبيني"، فتحوّلت المدينة إلى ساحة حربٍ، سقط فيها نحو 145 جندياً فيليبينياً وجُرح نحو 1400 وفُقد 60، بينما قضى للتنظيم 653 قتيلاً، وألقي القبض على 9. كما فقد 80 مدنياً أرواحهم، وتمّ إجلاء أكثر من نصف مليون شخص. المعركة الدائرة في ماراوي، محيّرة أمنياً، فمساحة المدينة تبلغ نحو 87.55 كيلومتراً مربّعاً، وكان يُفترض سقوطها سريعاً في ظلّ مشاركة أكثر من 3 آلاف جندي في القتال. فرضيتان يُمكن طرحهما في هذا الصدد، إما أن تحصينات "داعش" أقوى مما توقّع الجيش، أو أن لا إمكانات للجيش في إنهاء الحرب. وهو ما دفع الأميركيين إلى إبداء رغبتهم في تقديم العون العسكري لحكومة مانيلا. بالطبع رفض دوتيرتي، المعروف بطباعه الحادّة، العرض الأميركي.

في الواقع، إن تزامن سقوط "داعش" في الموصل العراقية في يوليو/تموز الماضي وتراجعه في الرقة السورية حالياً، دفع دوتيرتي إلى التصريح بأن "داعش ينوي نقل المعركة إلى بلادنا"، وذلك للتغطية فقط على ارتكابات قواته المتلاحقة بحقّ تجار المخدرات، على اعتبار أن الرئيس الفيليبيني منح الضوء الأخضر لجيشه بتصفية كل من يشتبه في تعاطيه المخدرات أو بيعها. وقد سقط أكثر من 10 آلاف قتيل في "الحرب على المخدرات" منذ تسلّم دوتيرتي مهامه الرئاسية في 30 يونيو/حزيران 2016. ولعمدة مدينة دافاو السابق رغبة في تحويل الفيليبين إلى "دافاو كبرى"، التي باتت خالية من العصابات، بفعل اعتماده على "فرق الموت" أيام حكمه المدينة على فترات متقطعة بين عامي 1988 و2016.

حسابات دوتيرتي مختلفة عن حسابات دول الجوار. مع أنه راغب في إنهاء الوضع في ماراوي، معززاً بفرضه حالة الطوارئ في جزيرة مينداناو حتى نهاية العام الحالي، إلا أن فشل قواته في ذلك حتى الآن، يفسح المجال أمام تطوّرات أكثر دراماتيكية، رغم مساعي الرجل في تأمين دعم دول الجوار، مثل إندونيسيا وماليزيا، إثر اتفاقه معهما على "إمكانية تشكيل قوة لمكافحة التشدد المستلهم من فكر تنظيم داعش". في هذا الاتفاق أكثر من نقطة سلبية، تبدأ من الاعتراف بين مانيلا وجاكرتا وكوالالمبور، أقلّه، على وجود "فكر ملهم لداعش" في جنوب شرق آسيا، بما معناه أن أي "خليفة" لتنظيمات مثل "القاعدة" أو "داعش"، قد يجد موطئ قدم في تلك البقعة من العالم، مما يهدّد حكماً خط التجارة الأكثر طلباً في الوقت الحالي، وهو الخط العابر في بحر الصين الجنوبي، فضلاً عن كون وجود "فكر مستلهم لداعش"، يمنح التنظيم فرصة لتجديد نفسه، في ظلّ تهاويه المتسارع في الشرق الأوسط. تلك النقطة تعني حتماً نقطة أخرى، اسمها "التدخّل الأميركي لمحاربة داعش"، بما فيه تشكيل تحالف دولي جديد، شبيه بالتحالف الذي يقاتل التنظيم في سورية والعراق.



التدخّل الأميركي العسكري في جنوب شرق آسيا، واستطراداً في محيط بحر الصين الجنوبي، هو آخر ما ترغب الصين في رؤيته، خصوصاً بعد الالتحامات السياسية والميدانية، بين بكين وواشنطن، في شأن جزر اصطناعية في البحر. المشكلة تكرّست مع إعلان وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) زيادة وتيرة الدوريات الأميركية في بحر الصين الجنوبي إلى دوريتين أو ثلاث شهرياً، لـ"التأكيد على حرية الملاحة" في البحر، حسبما ذكر تقرير لصحيفة "وول ستريت جورنال" الأسبوع الماضي. ورفض مسؤولون في الوزارة إعطاء تفاصيل بشأن مكان وزمان إطلاق الدوريات الجديدة . مع العلم أنه "يُسمح للدوريات أن تتضمن نشر طائرات حربية أميركية وبوارج".

وبموازاة الدفع الأميركي، رفضت فييتنام المناورات العسكرية الصينية المرتقبة في بحر الصين الجنوبي، حسبما أعلنت المتحدثة باسم وزارة الخارجية لي ثي ثو هانغ، التي أضافت أن "فييتنام يساورها قلق عميق بشأن المناورات في منطقة خليج تونكن، في الطرف الشمالي لبحر الصين الجنوبي". ونوّهت إلى أن "وزارة الخارجية الفييتنامية أبلغت موقفها لممثل السفارة الصينية، يوم الخميس الماضي". مع العلم أن إدارة سلامة الملاحة في إقليم هاينان الصيني، المشرفة على بحر الصين الجنوبي، أفادت الشهر الماضي، بأن "مناورات عسكرية ستجري إلى الجنوب من الإقليم وإلى الشرق من فييتنام، اعتباراً من 29 أغسطس/ آب الماضي وحتى الرابع من سبتمبر/ أيلول الحالي". وكانت هانوي علّقت عملية التنقيب عن النفط في البحر المتنازع عليه بسبب ضغط بكين.

وتطالب الصين بالسيادة على كامل بحر الصين الجنوبي تقريباً، الذي يشهد عبور حركة سفن تجارية تقدر بخمسة تريليونات دولار سنوياً، والذي يُعتقد بأن قعره غني بمخزونات النفط والغاز. في المقابل تطالب كل من فييتنام والفيليبين وماليزيا وبروناي، الأعضاء في رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان)، بالسيادة على بحر الصين الجنوبي، وكذلك تايوان.



ومنعاً لأي تدخل أميركي محتمل، تحت ستار "محاربة داعش في الفيليبين"، اقترحت الصين عبر وزير خارجيتها، وانغ يي، مطلع الشهر الماضي، "توحيد الأصوات في دعم دوتيرتي، ومساعدة الفيليبين ومساندة شعبها لإنهاء الصراعات في أقرب وقت ممكن". وأوضح وانغ أن "الصين زودت حكومة الفيليبين بحزمة من المساعدات الطارئة التي طلبتها"، لافتاً إلى أن بلاده "مستعدة لتقديم المساعدة في إعادة إعمار ماراوي وتأهيلها بعد الحرب". دوتيرتي لن يرفض عرضاً صينياً، خصوصاً أنه قد يعني "إنقاذاً مالياً" لاقتصاد بلاده.

أيضاً بعد مرور 100 يوم على معركة ماراوي، تجدّدت مشكلة أخرى في الجوار: كوريا الشمالية. فالتجارب الصاروخية في بيونغ يانغ، خير حافز لوجود عسكري أميركي، بشكل مباشر عبر تعزيز القطع العسكرية في القواعد الأميركية الأساسية في اليابان وكوريا الجنوبية، أو بشكل غير مباشر، عبر دعم واشنطن دول جوار كوريا الشمالية، عدا الصين وروسيا، بالأسلحة والمنظومات الدفاعية. ومن مخاطر المواقع البعيدة نسبياً، لكنها مرتبطة بشكل غير مباشر في أي حراك صيني، التوتر الحدودي ين الصين والهند، الذي بدأ في 16 يونيو، في منطقة دوكلام في جبال الهملايا. تحوّل التوتر إلى صدامات عسكرية متصاعدة، قبل توقيع الطرفين اتفاقاً للتهدئة أواخر الشهر الماضي. لا يعني هذا أن المشكلة انتهت، فمشكلة دوكلام تكمن في أن الصين تطالب بالسيادة عليها وتدعوها دونغلانغ، والاتفاق تمّ على "التهدئة" فقط، من دون معالجة قضية دوكلام. كما تفاعلت مشكلة ميانمار بقوة في الأسبوعين الأخيرين مع الاضطهاد المتنامي بحق الروهينغا فيها، وتهجيرهم قسراً إلى بنغلادش المجاورة. ميانمار حليفة أساسية لكنها سلبية للصين، بسبب المذابح والتهجير.

خلال الـ100 يوم في ماراوي، ثمّة حقائق كرّست نفسها، أبرزها عدم قدرة الجيش الفيليبيني عسكرياً على حسم وضع مدينة عسكرية صغيرة بقوة أو سرعة. الحقيقة الثانية، هي أن "داعش" في جنوب شرق آسيا، أكثر من مجرد عناصر مسلّحة بل "فكر ينمو" باعتراف إندونيسيا وماليزيا. الحقيقة الثالثة، هي أن مشكلة ماراوي مؤثرة حتماً على بحر الصين الجنوبي، وإنهاء المشكلة بحاجة إلى تدخّل إقليمي. للصين مصلحة في عدم تدخّل الأميركيين، لكنها تخشى في أنه إذا أحجمت عن التدخل فإن الأميركيين سيفعلون. كما أنه في حال تدخّلت فإنها قد تقع في فخّ تفادته فترة طويلة وهو "عدم التدخل العسكري في أي دولة"، سوى بما يتعلق بحدودها الخاصة، بحراً وبراً وجواً. دائماً هناك "أول مرة"، وقد تكون ماراوي هي البداية: حسم المعركة لصالح دوتيرتي، وكسب الفيليبين حليفاً أبدياً، والحفاظ على السيطرة على بحر الصين الجنوبي.