خلافاً للأعراف... السيسي يُعين مدير مكتبه رئيساً للاستخبارات العامة

28 يونيو 2018
بطل التسريبات الصوتية الأول في مصر (Getty)
+ الخط -


أصدر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، قراراً جمهورياً، اليوم الخميس، بتعيين مدير مكتبه اللواء عباس كامل، رئيساً لجهاز الاستخبارات العامة، وهو المكلف بأعمال المنصب منذ الإطاحة برئيس الجهاز السابق اللواء خالد فوزي، في يناير/كانون الثاني الماضي.

وأطيح بفوزي على خلفية التسريبات الصوتية التي نشرتها صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، وكشفت تلقي بعض الإعلاميين لتعليمات من ضابط برتبة نقيب، وبعد زهاء ثلاثة أشهر من إقالة مماثلة لرئيس أركان الجيش الفريق محمود حجازي.

واجتمع السيسي بعباس بعد تأديته اليمين الدستورية أمامه، هو ونائبه لرئاسة الجهاز، ناصر فهمي، موجهاً بـ"مواصلة العمل باجتهادٍ وتفانٍ لحماية مصر وأمنها القومي من المخاطر التي تحيق بها، بعدما أشاد بالجهود الدؤوبة التي يبذلها رجال الاستخبارات العامة، في ضوء التحديات التي تواجه مصر في المرحلة الحالية، والتطورات المختلفة التي تشهدها المنطقة، وانعكاساتها على الأمن القومي المصري".

وخالف السيسي الأعراف المستقرة داخل جهاز الاستخبارات العامة، الذي أسس في العام 1954، وتعاقب عليه 20 رئيساً، جميعهم من المنتمين للجهاز، أو من القيادات العسكرية البارزة، وكان من أشهرهم: علي صبري، وصلاح نصر، والمشير أحمد إسماعيل، والفريق كمال حسن، ومحمد سعيد الماحي، ومحمد رفعت جبريل، واللواء نور الدين عفيفي، وصولاً إلى الراحل عمر سليمان، ومراد موافي، واللواء محمد فريد التهامي.

وفي نهاية العام 2014، أطاح السيسي باللواء التهامي من منصبه، وعين بدلاً منه رئيس هيئة الأمن القومي بالجهاز اللواء خالد فوزي، على وقع التسريبات التي بثتها قناة "مكملين" الفضائية قبل الإقالة بنحو أسبوعين، ونالت من سمعة السيسي بشكل واضح، كونها تناولت طلبه للمليارات من الدولارات من دول الخليج في صورة منح عقب فترة الانقلاب، وعدم إيداعها في البنك المركزي ببلاده.

وكان عباس هو بطل التسريبات الصوتية الأول بلا منازع، للدرجة التي دفعت "مكملين" لتسميتها بـ"تسريبات مكتب السيسي"، كونها أظهرت حجم نفوذه، ودوره البارز في إدارة مقاليد الحكم من وراء ستار، إذ كشفت التسريبات وصفه لرئيس الوزراء السابق، شريف إسماعيل، بـ"الصايع الضايع"، إبان شغله حقيبة البترول، بعدما كان في البداية مجرد مدير مكتب السيسي حين كان مديراً للاستخبارات الحربية.

وشغل كامل منصب مدير مكتب السيسي عندما كان الأخير وزيراً للدفاع في حكومة الرئيس السابق، محمد مرسي، الذي عزله الجيش في انقلاب عسكري في يوليو/ تموز 2013، واستمر يرافقه كظله منذ عمله في جهاز الاستخبارات الحربية حتى وصوله لرئاسة البلاد في 2014، وبقي يلقب إعلامياً بـ"كاتم أسرار السيسي"، بسبب القرب الشديد بينهما، ومعرفته للكثير من الكواليس التي صاحبت وأعقبت الانقلاب.

ولم يترك السيسي رجله الأقرب حين تم تعيينه وزيراً للدفاع، فاصطحبه أيضاً إلى المقر الجديد في الأمانة العامة لوزارة الدفاع في العباسية، ومع استعداد السيسي للانتقال إلى قصر الاتحادية الرئاسي، كان أول قراراته الجديدة إعادة تشكيل مؤسسة الرئاسة، والتي كانت أبرز خطواتها تولي عباس منصب مدير مكتبه، والذي لا تمر ورقة أو قرار إلا من تحت يديه.


ورافق عباس السيسي أثناء إدلائه باليمين الدستورية عن فترة ولايته الأولى أمام المحكمة الدستورية، والثانية أمام مجلس النواب، كما صاحبه في جميع زياراته الخارجية، ويجلس إلى جواره على كافة طاولات المشاورات واللقاءات الرسمية في مصر والعواصم العالمية، حتى بات يمثل رقماً صعباً في معادلة الحكم، بعدما تحوّل منصب رئيس ديوان رئيس الجمهورية، إلى منصب شرفي داخل مؤسسة الرئاسة، وحل مكانه منصب مدير مكتب الرئيس.

ومع الوقت تحول عباس إلى ظل الرئيس، الذي يقف على بعد خطوات قليلة منه أينما تحرك، وظهر اسمه للمرة الأولى عند تسريب التسجيل الصوتي لحوار رئيس تحرير صحيفة "المصري اليوم"، الكاتب ياسر رزق، مع السيسي، وكان حينها وزيراً للدفاع، إذ وجّه رزق سؤالاً للسيسي بشأن عدد ضحايا فض اعتصام رابعة العدوية، فقال له السيسي "اسألوا عباس".

ويُعرف عباس بأنه "قائد الأذرع الإعلامية"، الذي يوجّه دفّة الإعلام كما يحلو له، سواء لتسويق القرارات التي يتخذها السيسي، أو التمهيد للقرارات الجديدة تارة، وتارة أخرى يوجهها للهجوم على أي شخصية أو كيان يعلن معارضته للرئيس، من خلال سيطرته الكاملة على كبار مقدمي برامج الـ"توك شو" اليومي، ورؤساء تحرير الصحف الحكومية والخاصة.

ويعد الإعلامي توفيق عكاشة، الذي كان أبرز عرّابي انقلاب الثالث من يوليو/تموز، الضحية الأبرز لعباس، بعدما شن الأول هجوماً إعلامياً ضارياً على مدير مكتب السيسي، واصفاً إياه بأنه "صاحب العقلية الأخطر في مصر"، ومن يدير الحياة السياسية، والجميع يتحرك بتعليمات شخصية منه، وهو ما أطاح به من مجلس النواب عقب أقل من شهرين من انعقاد البرلمان، وإغلاق فضائية "الفراعين" المملوكة له.

وأدلى عباس بشهادة أمام محكمة جنايات القاهرة في القضية المعروفة إعلامياً بـ"التخابر مع قطر"، بصفته رئيساً للجنة الخبراء التي وضعت تقريرها عن أحراز القضية، في ما يتعلق بمستندات الأمن القومي المرسلة لمرسي بصفته رئيس الجمهورية الأسبق، إلى مقر المحكمة، وأفاد خلالها بأن الفحص أظهر عدم وجود دفاتر لتسجيل أي مكاتبات واردة من الجهات السيادية إبان فترة تولي مرسي لرئاسة البلاد.

وقال عباس: "الثابت لدى عمل اللجنة أن كل المكاتبات الخاصة بجهاز الاستخبارات العامة، ووزارة الداخلية كانت ترد بمظاريف مغلقة، لكني لم أجد تلك المظاريف لتتم معرفة أرقام الصادر والوارد لها، وما ثبت بالدفاتر خلال تولي مرسي الرئاسة المكاتبات العادية المتداولة بين الرئاسة والجهات الأخرى، أما مكاتبات الجهات السيادية فلم تسجل بأي دفتر نهائياً".

وأضاف كذلك أنه بمراجعة الأوراق المتعلقة بالمكاتبات المرسلة من الحرس الجمهوري لمرسي، وجد أنها نفس الأوراق والمراسلات المحرزة بالقضية، وأن اللجنة تأكدت أن كل المكاتبات مع الأجهزة السيادية يتم حفظها داخل مكتب مدير مكتب رئيس الجمهورية، طبقاً لأقوال الموظفين الذين أفادوا بذلك، مشيراً إلى أن المنوط به حفظ المراسلات المتعلقة بالقوات المسلحة هو قائد الحرس الجمهوري، الذي يتولى مهمة عرضها على رئيس الجمهورية.