وبحسب مصادر سياسية في بغداد، تحدثت لـ"العربي الجديد"، فإن خلافات بين كتل سياسية سنية في البرلمان قادت إلى فضح واحدة من أكبر صفقات الفساد منذ مطلع العام الحالي بقيمة 41 مليار دينار، يتورط فيها سياسيون ونواب برلمان، فضلاً عن مسؤولين في وزارة التربية.
ووفقاً لما جرى عليه العرف السياسي في العراق بتوزيع الوزارات في الحكومة ضمن مبدأ المحاصصة الطائفية، التي يعتبرها مراقبون أحد أبرز عوامل استمرار الفساد في البلاد، يتولّى وزارة التربية منذ نحو 12 عاماً وزراء ترشحهم الكتل السياسية السنية. وتعاني الوزارة من الفساد والمحسوبية، فضلاً عن تردّي الواقع التربوي والتعليمي بشكل دفع إلى انتعاش قطاع التعليم الخاص أو الأهلي، وحصول هجرة مستمرة من المدارس الحكومية إلى الأهلية.
وفي ساعة متأخرة من ليلة أمس الخميس، أعلن مجلس القضاء الأعلى في العراق عن إطلاق سراح وزيرة التربية سها خليل العلي بيك بكفالة، بعد ضبطها وتدوين أقوالها، مع الاستمرار باعتقال وكيل وزير التربية مع مسؤولين آخرين بالوزارة، وتوجيه طلب إلى البرلمان لرفع الحصانة عن نائب في البرلمان لتورطه في القضية، فضلاً عن إصدار أوامر قبض بحق مجموعة من اللبنانيين بقضية فساد عقد التأمين الصحي.
وذكر القاضي المختص في المحكمة المركزية لمكافحة الفساد في جانب الرصافة من بغداد، بحسب بيان نشرته وكالة الأنباء العراقية (واع)، أن المحكمة مستمرة في إجراءات التحقيق بخصوص قضية عقد التأمين الخاص بوزارة التربية مع إحدى الشركات، إذ تم إلقاء القبض على ثمانية من المتهمين الأساسيين، وهم موقوفون حالياً على ذمة التحقيق، ومن بينهم وكيل الوزارة.
وأضاف البيان أنه تم استعادة مبلغ 25 مليار دينار من مبلغ العقد البالغ 41 مليار دينار، مؤكدا أن الجهود مستمرة لاستعادة المتبقي من المبلغ خلال الأيام القادمة.
وأوضح البيان أن وزيرة التربية تم تدوين أقوالها في القضية، وهي مكفولة حالياً بانتظار موعد المحاكمة بعد اكتمال التحقيق، لافتاً إلى أن المحكمة أصدرت أوامر قبض بحق مجموعة من المتهمين اللبنانيين المتورطين في القضية، كما أصدرت قرارات بحجز حساباتهم وأموالهم ومستحقاتهم كافة لدى المصارف والمؤسسات العراقية. وتابع: "كذلك، صدرت مذكرة باستقدام أحد أعضاء مجلس النواب المتهم بالوقوف خلف تلك الجريمة والمحكمة بانتظار رفع الحصانة عنه لاستكمال الإجراءات التحقيقية بحقه".
وتعود حيثيات القضية إلى إحالة وزارة التربية العراقية عقد تأمين صحي لمجموعة من المستثمرين اللبنانيين بوساطة سياسيين ومسؤولين بالوزارة، حيث يتم اقتطاع مبلغ 3500 دينار (نحو 2 دولار ونصف) من موظفي الوزارة شهرياَ، مقابل تأمين صحي للموظفين، من دون وجود البنى التحتية لهذا التأمين، إذ لا توجد مستشفيات في العراق اعتمدت الشركة أو تعاملت معها، كما أنه لم يتم منح الموظفين أي شيء يتعلق بالتأمين حتى على مستوى بطاقة التأمين نفسها، وتبلغ قيمة العقد 41 مليار دينار عرقي (نحو 35 مليون دولار).
وبحسب عضو في البرلمان العراقي، فإن "الصفقة كشفت تفاصيلها على ضوء خلافات سياسية لم تحل بين الشركاء"، وفقاً لتعبيره، مبيناً في حديث لـ"العربي الجديد" أن مجموعة المستثمرين اللبنانيين غادرت العراق مع جزء من المبلغ، وبعد البحث والتقصي تبين أن هؤلاء المستثمرين عملوا مع وزارات أخرى ومؤسسات مختلفة، ويمتلكون علاقات وطيدة بشخصيات سياسية تسهل لهم أعمالهم في بغداد.
ولفت إلى أن "أولويات العقد تعود إلى ما قبل وجود الوزيرة الحالية، لكن تم تمريرها في زمنها، كما أن هناك شخصيات رفيعة في الوزارة وأخرى سياسية متورطة بشكل مباشر أو غير مباشر، من خلال تسهيل عمل المجموعة اللبنانية التي تبين أنهم لا يملكون أصلاً حساب تأمين في البنوك العراقية، وغير معروفين من قبل في مجال قطاع التأمين، لا في لبنان ولا أي بلد آخر".
وأكد المصدر ذاته أن مجموعة المستثمرين اللبنانيين أنفسهم تبين أن لها عقداً آخر بنفس التفاصيل مع مؤسسة حكومية أخرى.
وفي الخامس عشر من مارس/ آذار الماضي، قالت وزارة التربية إن "القضية مجرد استهداف سياسي"، مؤكدة أن "عقد الائتمان قانوني تماماً". ونقلت صفحة الوزارة الرسمية في فيسبوك عن الوزيرة سها خليل قولها إنها "قدمت للجنة التربية النيابية كل الوثائق والأوراق التي تثبت قانونية عقد التأمين الصحي الذي أبرمته وزارة التربية مع هذه الشركة، والتي لديها كذلك العديد من التعاقدات مع وزارات أخرى وبنفس الشروط".
Facebook Post |
وكان عضو لجنة التربية في البرلمان العراقي عباس الزاملي قد أوضح، في وقت سابق من الأسبوع الماضي، أن إجراءً صارماً سيتم اتخاذه تجاه وزارة التربية حول ملفي طباعة المناهج الدراسية وعقد التأمين الصحي بسبب شبهات فساد.
وقال الزاملي، في بيان له، إن لجنة التربية البرلمانية سبق لها أن استضافت وزيرة التربية ووكيليها الفني والإداري، حيث تمت مناقشتها بشأن عدة ملفات، من بينها ملف طباعة المناهج الدراسية وملف التأمين الصحي، مبيناً أن اللجنة، بعد تلك الاستضافة، تبيّن لها أن طباعة الكتب في الموسم السابق كانت فيها تخصيصات فائضة، وصلت إلى خمسة وستين مليار دينار.
وتابع أن "هذا الوضع ينطبق أيضاً على عقد التأمين الصحي، حيث كان يستقطع سابقاً ألف دينار من كل موظف بوزارة التربية شهرياً، وكانت هناك أموال فائضة بمليارات الدنانير تبقى في خزينة وزارة التربية"، موضحاً أن الوزارة قامت بإبرام عقد يتم من خلاله استقطاع مبلغ خمسة آلاف وخمسمئة دينار من كل موظف بالوزارة. وفيما تحدثت النائب في البرلمان، إقبال عبد الحسين، أمس الخميس، عن وجود عمليات فساد كبرى يقوم بها وزراء في الحكومة المستقيلة، و"انتهازاً منهم للفرصة لاستثمار أكبر عدد من الأموال لصالحهم قبل إحالتهم على التقاعد".
وقالت عبد الحسين، في بيان لها، إن "غالبية الوزراء في حكومة عادل عبد المهدي المستقيلة استغلوا الوضع الصحي بتفاقم أزمة كورونا والوضع الاقتصادي بانخفاض أسعار النفط عالمياً، للقيام بعمليات فساد كبرى، تمثلت بإبرام عقود مباشرة مشبوهة وإلغاء عقود أبرمت سابقاً، كونهم لم يستفيدوا مادياً منها، فضلاً عن عمليات المساومة والابتزاز ضد بعض الشخصيات". وأضافت أن "رئيس الوزراء المكلف مصطفى الكاظمي، وفي حال تمرير حكومته، يجب أن يصدر أوامر بمنع سفر جميع الوزراء إلى حين التأكد من سلامة موقفهم المالي".