تركيا ما بعد الانتخابات: إحياء تغيير الدستور... والسلام الكردي

04 نوفمبر 2015
يجمع الأتراك على ضرورة إتمام عملية السلام(آدم آلتن/فرانس برس)
+ الخط -
عاد الحديث عن ضرورة تغيير الدستور التركي مجدداً، بغية الحدّ من النفوذ العسكري فيه، لمصلحة دستور أكثر مدنية، وأيضاً على تفعيل عملية السلام مع حزب "العمال الكردستاني"، ذلك بعد أيام من نتائج الانتخابات البرلمانية التي أفرزت فوزاً ساحقاً وغير متوقعاً لحزب "العدالة والتنمية"، أتاح له العودة إلى التفرّد بالحكم، فيما ارتفعت حدّة المواجهات بين "الكردستاني" والحكومة التركية مجدداً.

الحديث عن ضرورة كتابة دستور جديد للبلاد، جاء أولاً وخصوصاً على لسان كل من الرئيس رجب طيب أردوغان وقبله رئيس الحكومة والحزب الحاكم، أحمد داود أوغلو، في "خطاب النصر"، وهو ما كرره أردوغان، أمس الأربعاء، عندما دعا إلى اعتماد دستور جديد في البلاد، متعهداً بمواصلة الحرب ضد حزب "العمال الكردستاني". وقال أردوغان، في خطاب متلفز في أنقرة، إن "حل مسألة اعتماد دستور جديد كان أحد أهم رسائل الانتخابات". وفي وقت سابق من يوم أمس، أعلن الناطق باسم أردوغان، إبراهيم كالن، أن "تركيا تنظر في إمكانية تنظيم استفتاء للانتقال من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي".

وطالب الرئيس التركي، كل الأطراف السياسية إلى العمل على دستور مدني جديد يحل محل دستور العام 1980 الذي أعده الجيش بعد انقلاب، قائلاً: "آمل في أن يجلسوا إلى الطاولة ويقوموا بحل هذه المسألة"، لافتاً إلى أنه "بحث هذا الأمر مع رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو الثلاثاء". كذلك، شدد أردوغان على أن بلاده ستستمر في قتال المسلحين الأكراد حتى "تصفية" آخر مسلح، معتبراً أن "الوقت الحالي ليس وقت نقاش".

الكلام الأبرز كرديّاً هو ما ورد على لسان المتحدث باسم "العدالة والتنمية"، عمر جيلك، مشيراً إلى إمكانية إعادة تفعيل عملية السلام بشرط انسحاب "الكردستاني" من الأراضي التركية ووقف هجماته، قبل ساعات من قيام سلاح الجو التركي بتوجيه ضربات لمعسكرات "الكردستاني" داخل الأراضي التركية وفي إقليم كردستان العراق. وردّ اتحاد المجتمعات الكردستانية بإعلان إعادة تفعيله لـ"حرب الشعب الثورية" ضد الحكومة التركية، لتتوالى ردود الفعل من قبل المعارضة التركية.

وبينما تحاول أحزاب المعارضة التركية لملمة صفوفها بعد الهزيمة التي منيت بها، يوم الأحد الماضي، دعا حزب "الشعوب الديمقراطي" (ذو الغالبية الكردية) وعدد من المنظمات والأحزاب الكردية الأخرى، في بيان مشترك، إلى وقف العنف والعودة إلى المفاوضات، وإنشاء لجنة برلمانية تعمل على "الاستجابة لاحتياجات المجتمع إلى السلام والديمقراطية"، مضيفاً أنّ "البرلمان الجديد يجب أن يأخذ على عاتقه العمل على حلّ القضايا العالقة، وتحديداً القضية الكردية، وذلك على أرضية من الحوار والمفاوضات، وعدم ترك عملية السلام تحت رحمة حزب العدالة والتنمية"، فيما بدت رؤية "الشعوب الديمقراطي" الجديدة للعملية، تدعو إلى ضرورة إعادة عملية السلام إلى البرلمان وأن تكون تحت نظر الشعب التركي بأسره وليس وراء الأبواب المغلقة، التي كان "العدالة والتنمية" يسخّرها لمصالحه الحزبية.

في المقابل، اتهم نائب رئيس الوزراء، يالجين أكدوغان، "الشعوب الديمقراطي" و"العمال الكردستاني" بالوقوف وراء إفشال عملية السلام، مشيراً في حديث له بعد ساعات من تصريحات "الشعوب الديمقراطي"، إلى أن "العملية ستُدار بشكل مختلف، إذا التزم العمال الكردستاني بشروط أنقرة".

وكانت عملية السلام تُدار قبل أن تسقط برمّتها في يوليو/ تموز الماضي، من خلال آليّتيْن: الأولى، هي التحاور المباشر بين الاستخبارات التركية وزعيم "العمال الكردستاني"، عبدالله أوجلان، في جزيرة إمرالي، حيث يقضي حكماً بالسجن المؤبد. أما الآلية الثانية، فكانت عبر الحوار مع  قيادات "العمال الكردستاني" في جبال قنديل، عبر وساطة حزب "الشعوب الديمقراطي"، الذي كان بدوره أيضاً يتوسط بين أوجلان وقنديل، لتتوّج العملية بدعوة أوجلان "العمال الكردستاني"، في مارس/ آذار الماضي، إلى عقد مؤتمر عام لـ"الكردستاني" وإعلان وقف النضال المسلّح والدخول في النضال الديمقراطي، الأمر الذي لم يتحقّق، ليتفق الجانبان على إنشاء لجنة متابعة للعملية مكوّنة من شخصيات اعتبارية من خارج وداخل البرلمان، الأمر الذي سقط أيضاً بانقلاب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عليه، بعد دخول "الشعوب الديمقراطي" الانتخابات بقائمة حزبية وليس كمستقلين كما اعتاد.

اقرأ أيضاً: تراجع "الشعوب الديمقراطي" في الانتخابات التركية: ابحث عن "الكردستاني"

حاول "العدالة والتنمية"، بعد انتخابات يونيو/ حزيران الماضي، قلْب الطاولة على "الشعوب الديمقراطي" الذي كان صعوده بقائمة حزبية إلى البرلمان أحد أهم أسباب خسارة "العدالة والتنمية" لتفرّده بالحكم، ليضغط نحو تحويل عملية السلام إلى البرلمان، وتحويل "الشعوب الديمقراطي" إلى المخاطب الوحيد والشرعي فيها، مع تهميش كل من قنديل وأوجلان، وذلك إمعاناً في صبّ الزيت على نار الخلافات التي اندلعت بين قنديل و"الشعوب الديمقراطي" على السيطرة السياسية، والتي بدأت بعد صعود الأخير مباشرة إلى البرلمان بانتصار كبير، إذ بدأت قنديل بتوجيه انتقادات لـ"الشعوب الديمقراطي" متهمة إياه بكونه "عديم الخبرة السياسية"، وعبر التأكيد على أنها لا تزال المخاطب الأول والوحيد في العملية برمّتها.

يجمع أكثر من 85 في المائة من الشعب التركي باستثناء القاعدة الصلبة لحزب "الحركة القومية"، على أنّه لا بديل عن عملية السلام لإنهاء الحرب مع "الكردستاني". كما تجمع الأحزاب السياسية على الحاجة الملحّة إلى تغيير الآليات القديمة للعملية. وتتداول الأوساط السياسية الكثير من المقترحات، لكنها جميعاً غير واضحة، حتى أن "العدالة والتنمية" لا يبدو بأنه يملك رؤية واضحة للآليات الجديدة للعملية، بينما يحاول كل من حزب "الشعب الجمهوري" و"الشعوب الديمقراطي" العمل على سحب ورقة عملية السلام من يد "العدالة والتنمية" وإعادتها إلى البرلمان لتكون عملية قوميّة تشارك فيها مختلف الأحزاب من دون أي مكسب خلال العملية لـ"العدالة والتنمية" وحده.

في غضون ذلك، توالت ردات فعل المعارضة التركية على إعادة فتح ملف الدستور الجديد، وأكّد حزب "الشعب الجمهوري" استعداده الكامل لإعادة كتابة الدستور الجديد مع رفض تام للتحوّل إلى النظام الرئاسي، على لسان الأمين العام للحزب، غورسيل تكين، الذي قال: "إذا كانوا يريدون كتابة دستور جديد ضمن القواعد العالمية والمعايير الغربية، فنحن جاهزون لذلك، أمّا إذا كانوا يريدون تسميم العملية وإضافة مادة للتحوّل إلى النظام الرئاسي، فلن نشارك أبداً".

وبينما يبدو "الحركة القومية" في أزمة كبيرة بعد الهزيمة التي مني بها في الانتخابات البرلمانية، كان "الشعوب الديمقراطي" أكثر انفتاحاً على الدستور الجديد، بما في ذلك موضوع التحوّل إلى النظام الرئاسي متراجعاً عن مواقفه السابقة في هذا الشأن، إذ أكّد المتحدّث باسم الحزب، أيهان بيلغن، أنّ الحزب منفتح تماماً لمناقشة جميع الخيارات في ما يخصّ الدستور الجديد، بما في ذلك التحول إلى النظام الرئاسي، مشدداً على أن الحزب لن يقبل بنظام رئاسي يرسخ حكم الرجل الواحد، في إشارة إلى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.  

وفي ظلّ هذا الجدل، أشار المتحدث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم كالن، أمس الأربعاء، إلى أن اللجوء إلى استفتاء شعبي في شأن التحوّل إلى النظام الرئاسي، قد يكون أحد الخيارات المطروحة لحلّ هذه المعضلة، قائلاً إنّه "لا يمكن أن يتم النقاش في أمر مهم كهذا بعيداً عن الأمة"، مشدداً على أن الأمر لا يتعلق بمصير الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بالقول، إنّ "الرئيس الآن، دستورياً، قائد قوي دخل التاريخ".

اقرأ أيضاً: قراءة في انتصار "العدالة والتنمية": أمن واقتصاد وفشل المعارضة

المساهمون