في إشارة جديدة على عودة التوتر إلى علاقات الرباط والجزائر خلال الأيام الماضية، خفضت الدبلوماسية الجزائرية، اليوم الاثنين، من مستوى تمثيلها في المؤتمر الوزاري للحوار "5+5" حول "الهجرة والتنمية"، المنعقد بمراكش، بمشاركة وزراء الشؤون الخارجية في دول غرب البحر الأبيض المتوسط، وكذا ممثلي عدد من المنظمات الدولية والإقليمية.
وكان لافتاً خلال المؤتمر، الذي تترأسه المملكة المغربية، ويهدف إلى تحديد إطار عمل شامل متوافق بشأنه ومتوازن في غرب حوض المتوسط بخصوص قضية الهجرة بأبعادها المختلفة، اكتفاء الجزائر بوفد من وزارة الخارجية لتمثيلها، بدل الوزير صبري بوقادوم، وذلك على خلاف الحضور الليبي والفرنسي من خلال مشاركة كل من محمد سيالة، وزير خارجية حكومة الوفاق، وجون إيف لودريان، ووزير خارجية فرنسا.
ويأتي غياب وزير الخارجية الجزائري عن المؤتمر في وقت سجلت، خلال الأيام الأخيرة، عودة الأزمة إلى العلاقات بين الرباط والجزائر، ترجمتها على أرض الواقع التصريحات النارية التي أطلقتها دبلوماسية البلدين، نهاية الأسبوع الماضي.
وكان بوقادوم قد اتهم، خلال مؤتمر صحافي مشترك مع الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط عُقد أول أمس السبت بالجزائر، وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة بإصدار تصريحات قال إنها "استعراضية واستفزازية"، مشيرا إلى أن "الجزائر تبني مواقفها على المستقبل، وليس السب والشتم، ولن ندخل في كلام غير لائق مع المغرب".
وجاءت تصريحات المسؤول الجزائري على خلفية مهاجمة وزير الخارجية المغربي الجزائر بشدة، بسبب موقفها من فتح دول أفريقية قنصلياتها في مدينة العيون، وسعيها لإفشال منتدى "كرانس مونتانا" في الداخلة، جنوبي المغرب.
وقال بوريطة، خلال ندوة صحافية عقدها مع وزير خارجية بوروندي، الجمعة الفائت، إنه برغم الضغوطات التي تمارسها على الدول الأفريقية الراغبة في افتتاح قنصلياتها بمدن الصحراء المغربية، "افتتحنا عشر قنصليات، وهو الهدف الذي حددناه في سنة 2020. وعندنا تفاؤل كبير في العشرة أشهر المقبلة لفتح المزيد من القنصليات".
إلى ذلك، اعتبر وزير الخارجية والشؤون الأفريقية والمغاربة المقيمين بالخارج، خلال الجلسة الافتتاحية للمؤتمر، أن "المنطقة، إذا كانت تحتضن أشكال تعاون قديمة وأكثر كثافة في مجال الهجرة (حوالي 15 اتفاقا لإعادة القبول على الخصوص)، فإن هذا التعاون يستدعي إعادة بلورته وفق توافق سياسي مهيكل".
ولفت المسؤول المغربي إلى أن هذا التجمع "يشكل مختبراً حقيقياً لظاهرة الهجرة، ذلك أنه يضم دول المنشأ والعبور والمقصد، ودولا عرفت مؤخرا المرور إلى وضعية جديدة من هذه الوضعيات. وفي نفس الوقت، يركز (التجمع) على مجموعة من السياسات الوطنية، لا تتفق دائما مع بعضها البعض؛ وفي بعض الأحيان تكون متباعدة".
وأوضح أن "هذه الانقسامات لا تتبع أي فريق، فهي شمال جنوب وشمال شمال وجنوب وجنوب. وفي الشمال، كما هو الحال في الجنوب، نجد أنفسنا في بعض الأحيان في تقارب موضوعي مع شركاء الضفة الأخرى، أكثر من بلدان منطقتنا الجغرافية".
ويتطلع المؤتمر الوزاري إلى إطلاق مقاربة متوافق بشأنها تجاه قضايا الهجرة، من خلال البحث عن الالتقائية حول موضوع الترابط بين الهجرة والتنمية. ويتعين أن تستند هذه المقاربة على تفكير مشترك لدول "حوار 5+5"، وتحديد مبادرات مشتركة واقعية وقابلة للتحقيق، وكذا تعاون حقيقي في مختلف المجالات المتعلقة بالهجرة.
وينتظر أن يعتمد الوزراء إعلانا حاملا للرسائل السياسية، يمهد الطريق لوضع خطة عمل لمنطقة غرب البحر الأبيض المتوسط حول الهجرة والتنمية القائمة، وذلك على "أسس تدبير إنساني ومنظم لمسألة الهجرة والمسؤولية المشتركة".
ويعد "حوار 5+5 "، الذي تم إرساؤه عام 1990، بمثابة منتدى شبه إقليمي يمثل إحدى أولى المبادرات المثمرة بين بلدان حوض المتوسط. ويجمع هذا الفضاء عشرة بلدان، هي المغرب والجزائر وليبيا وموريتانيا وتونس وإسبانيا وفرنسا وإيطاليا ومالطا والبرتغال.
وإلى جانب الاجتماعات الوزارية، أضحى الحوار (5+5) مبادرة مندمجة ينخرط فيها الفاعلون على مستويات عدة، من قبيل المؤسسات الأوروبية والاتحاد من أجل المتوسط، مع التوسع تدريجيا ليشمل فاعلين جدد (البرلمان والمستشارين الاقتصاديين والاجتماعيين وغيرهم)، وكذا المجتمع المدني.
ويعود تنظيم آخر اجتماع لوزراء الشؤون الخارجية لحوار (5+5) في العاصمة المالطية فاليتا، ليومي 17 و18 يناير 2019.