بعد مرور أكثر من 3 أسابيع على تكليف حسان دياب بتشكيل حكومة جديدة في لبنان، وفيما يتسلّح بصمت مطبق محاولاً تدوير الزوايا وتقديم تشكيلة حكومية ترضي الجميع قبل انتهاء مهلة الأسابيع الستة التي حددها لنفسه لإنجاز الأمر، تبدو مهمته كأنها "أكبر منه ومن قدراته"، كما تقول مصادر نيابية محسوبة على تحالف "14 آذار" لـ"العربي الجديد".
وتدل المؤشرات المتوافرة على أنّ دياب لم يتقدّم خطوة في مهمته، على الرغم من أنه طرح، كما تردد، تركيبة حكومية من 18 اسماً على رئيس الجمهورية ميشال عون، لم تبصر النور نتيجة اعتراضات المشاركين فيها، وتحديداً رئيس "التيار الوطني الحر" وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال جبران باسيل.
ويدور دياب حول القضايا التي عادة ما تؤخّر تأليف الحكومة، وتحديداً التوازنات فيها، وهي وفق ما تقول مصادر مطلعة على مسار التأليف والمشاورات بين الكتل والتيارات الداعمة لدياب لـ"العربي الجديد"، أنها تتمثّل أولاً بعدد أعضاء الحكومة. إذ يعتبر دياب أن حكومة مصغرة قد ترضي الشارع، ويصرّ على أن تكون من 18 وزيراً، فيما يطالب باسيل بحكومة من 24 وزيراً لضمان حصة أكبر فيها، وتحديداً الثلث المعطل (ثلث الوزراء زائد واحد) الذي يمكن من خلاله إسقاط الحكومة والتحكم بقراراتها.
ثانياً، نوع المشاركة في الحكومة، إذ لا يزال دياب يميل إلى حكومة تكنوقراط تختار الأحزاب فيها أسماء اختصاصيين ولا تشارك بشخصيات حزبية، فيما تصرّ بعض الأحزاب على تمثيل سياسي فيها، إضافة إلى موقف رئيس مجلس النواب نبيه بري الأخير، الذي تحدّث فيه عن حكومة "لمّ شمل".
ووفق المعلومات، فإنّ العقبة الأساسية أمام مهمة دياب تكمن في الحصة المسيحية وتحديداً التي يريدها باسيل، وهو ما برز بوضوح في كلام الأخير خلال مقابلة تلفزيونية له أخيراً، قبل أن يعيد بري النقاش إلى المربع الأول مع إشارته إلى عودة الحديث عن الحكومة السياسية، ما يعني فعلياً أنّ دياب بات مكبلاً من كل اتجاه، وسط مساع تؤكد أنّ النقاش عاد إلى شكل الحكومة ومهمتها، أي نوعية المشاركة فيها، أو طبيعة المستوزرين.
وحده ربما "حزب الله" قدّم دعماً غير مشروط لدياب في الساعات الأخيرة، إثر زيارة وفد منه إلى بكركي (مقر البطريرك الماروني بشارة الراعي)، وحديث رئيس المجلس السياسي في الحزب، إبراهيم أمين السيد، عن "ضرورة الإسراع في تشكيل الحكومة"، و"تقديم التسهيلات لذلك".
أمام هذه المعطيات، بات دياب أمام خيارات لا يحسد عليها، خصوصاً أنّ الخلافات دخلت على خط الفريق الواحد، وتحديداً بين "حركة أمل" التي يتزعمها بري، و"التيار الوطني الحر". إذ فسر أكثر من مصدر تصريحات بري الأخيرة، وحديثه عن حكومة "لمّ شمل"، والإيحاء ضمناً بإمكانية عودة خيار رئيس الحكومة المستقيل سعد الحريري، تصويباً باتجاه باسيل، ومساعيه لامتلاك الثلث المعطل مجدداً، والتحكم بالحكومة المقبلة.
لكن من ضمن الخيارات المتاحة وفق أوساط سياسية مطلعة، هو عودة دياب إلى طرح حكومة "تكنو سياسية"، وهو ما يقال إنه طرح تسرّب أولاً من بعبدا. وما يعزز هذا السيناريو موقف "حزب الله" الداعم، والذي يبدو أنه متمسك اليوم بدياب لأن التراجع عنه يعني خسارة للمحور الذي سماه، وبالتالي عودة الحريري بشروطه وبشكل أقوى، على الرغم من أنّ مهمة دياب تبقى رهن تسهيل "التيار الوطني الحر" وحركة "أمل".
وستحدد الساعات المقبلة إذا ما كان طرح الحكومة "التكنو سياسية" سيسلك طريقه، وبالتالي ينطلق التأليف مجدداً وفق هذه القاعدة، أم أنه سيصطدم برفض رئيس الحكومة المكلف الذي لم يُبدِ بعد موقفاً واضحاً من هذا الطرح. وفي حال تمّ السير به، يتبقى معالجة العقبات الأخرى المتعلقة بالثلث المعطل، ومعايير التوزير، وأيضاً توزيع الوزارات الرئيسية، وغيرها من العناوين التي ستصعّب مهمة دياب أكثر فأكثر.
ويعيد هذا الوضع إلى الأذهان كيفية اختيار دياب، فعندما طُرح كمرشح فريق "8 آذار" في الاستشارات النيابية لتشكيل الحكومة الجديدة، ظنّ البعض في الأروقة السياسية، خصوصاً لدى الأحزاب التي كانت تشكل قوى "14 آذار"، أنها مزحة، قبل أن يتبيّن أن الطرح جدي. ويقول متحفظون على اسم دياب إنه بعيد عن الكباش السياسي بين الأفرقاء السياسيين، إلا أنّه يفتقر إلى الخبرة المطلوبة لإدارة البلد في مرحلة هي الأخطر في تاريخ لبنان المعاصر، وتالياً لا يمكنه تشكيل حكومة ترضي الشارع والمجتمع الدولي، ولا تقديم طروحات تُخرج البلاد فعلياً من حالة الانهيار التي تتخبّط بها. وقد اعتبر هؤلاء وقتها أنّ طرح الاسم هو محاولة لتمرير الوقت قبل أن يعاد البحث في اسم رئيس حكومة آخر.
اليوم، وعلى الرغم من صعوبة المهمة أمام دياب، إلا أنّ سيناريو الاعتذار عن التأليف ثمّ عودة الحريري أو غيره، يبدو بعيداً، خصوصاً أنّ المنطقة دخلت منذ التصعيد الأميركي-الإيراني الأخير، في لعبة عضّ أصابع، والتمسّك بأوراق القوة والنفوذ في المنطقة، وهو ما يُصعّب احتمال الإطاحة بدياب، بما أنه اليوم واقعياً هو مرشح "حزب الله"، حتى لو حاول تصوير نفسه على أنه مستقلّ. وأمام المهمة المستحيلة في التأليف، يسابق البلد فعلياً الانهيار على وقع تتابع الأزمات، من المحروقات إلى ارتفاع سعر الدولار في السوق الموازية وغيرها.