مع ذلك، ووفقاً لما كان واضحاً أمس الثلاثاء، وأيضاً بحسب استطلاع أخير نشرته القناة 12 الإسرائيلية أول من أمس الإثنين، فإن الخريطة الحزبية في إسرائيل لن تشهد تغييراً كبيراً، بل اصطفافاً أكبر في أقصى اليسار، تمخض عن تشكيل تحالف شبه يساري، إذا جاز التعبير، مكون من أحزاب "ميرتس" اليساري، و"العمل"، و"غيشر" الذي أسسته أورلي ليفي- أبوقسيس، بعدما انشقت في إبريل/نيسان الماضي عن حزب "يسرائيل بيتينو" بقيادة أفيغدور ليبرمان، وهو في أقصى اليمين الإسرائيلي العلماني ويحمل راية "الترانسفير". وكان ضحية هذا التحالف الذي أعلن الإثنين، تأخير موقع النائب العربي عن "ميرتس"، عيساوي فريج، إلى المركز 11 في القائمة التحالفية الجديدة، وهو موقع غير مضمون.
وما عدا هذين الاصطفافين، فإن الخريطة الحزبية الإسرائيلية ستبقى على ما كانت عليه في الانتخابات الأخيرة، مع اختفاءٍ نهائي لحزب "كولانو"، الذي كان أسسه موشيه كاحلون واندمج في الانتخابات الأخيرة في "الليكود".
وتقع القوائم المرشحة للفوز واجتياز نسبة الحسم، كلّها تقريباً، في يمين الخارطة الحزبية الإسرائيلية. ويمكن عملياً، وبحسب تصريحات قادة هذه الأحزاب، حصر القوائم التالية في معسكر اليمين كالتالي: "الليكود" بقيادة بنيامين نتنياهو، حركة "شاس" لليهود الشرقيين الحريديم بقيادة أريه درعي، حركة "يهدوت هتوراة" لليهود الأشكناز الحريديم بقيادة يعقوف ليتسمان. يضاف إلى ذلك، تحالف "يمينا" من التيار الديني الصهيوني، ويضم حزب "اليمين الجديد" بقيادة نفتالي بينت، وحزب "الاتحاد القومي" بقيادة بتسليئيل سموطريتش. وكذلك تحالف "البيت اليهودي" بقيادة رافي بيرتس مع حزب "عوتصماه يهوديت" بقيادة تلميذ "كهانا"، إيتمار بن غفير.
الأحزاب المذكورة أعلاه تصب كلها في معسكر اليمين المؤيد لبقاء نتنياهو في الحكم، مع وجود أحزاب أخرى هي في قلب اليمين الإسرائيلي من حيث مواقفها السياسية والاقتصادية، وأبرزها من حيث الحجم، تحالف "كاحول لفان" الذي يقوده الجنرال بني غانتس، وحزب "يسرائيل بيتينو" بقيادة أفيغدور ليبرمان.
وتملك أحزاب اليمين هذه، سواء المؤيدة لنتنياهو والمتحالفة معه، أم المعارضة له، 97 عضواً في الكنيست من أصل 120 عضواً، علماً بأن ثلاثة من أعضاء حزب "كاحول لفان"، هم ياعيل غيرمان ومئير كوهين وعوفر شيلح، يحملون مواقف وسطية أقرب إلى اليسار منها إلى اليمين في ما يتعلق بمستقبل التسوية مع الفلسطينيين، حيث يؤيد هؤلاء بشكل صريح تسوية على أساس دولتين، بينما يعلن قادة "كاحول لفان"، أنهم يؤيدون ضمّ الأغوار وشمالي البحر الميت لدولة الاحتلال وبسط السيادة الإسرائيلية على مجمل المستوطنات في الضفة الغربية المحتلة والقدس وهضبة الجولان السوري المحتل.
وخلافاً للمعركتين الانتخابيتين الأخيرتين، حيث كان التحريض ضد العرب واليسار في إسرائيل ورقة تمكن نتنياهو من خلالها من إزاحة ملف الفساد والتهم المقرر توجيهها له، فإن المعركة الانتخابية الثالثة ستدور بشكل صريح حول موضوع التهم الموجهة لزعيم "الليكود"، بعدما قدم الأخير رسمياً طلباً للحصول على الحصانة البرلمانية، بدلاً من الموقف الذي قاد خلفه شعاراته الانتخابية، أي تحت عبارة "لن يكون هناك شيء، لأنني لم أفعل شيئاً" مخالفاً للقانون. وتراجع نتنياهو عن إنكاره للتهم الموجهة إليه، محولاً خطّه الدعائي إلى اتهام مختلف أجهزة الدولة، وصولاً إلى القضاء، بتلفيق هذه التهم له، والسعي لتنفيذ انقلاب قضائي لإزاحة اليمين من الحكم، وليس عبر صناديق الاقتراع.
وسيعني تسليم قوائم الأحزاب التي ستخوض الانتخابات، نهائياً عند الساعة العاشرة من مساء اليوم الأربعاء، عملياً بدء المعركة الانتخابية بشكل فعلي، وسط تشديد نتنياهو وأنصاره على بطلان قرار الكنيست الأخير، القاضي بتشكيل لجنة كنيست للبت بطلبه للحصول على حصانة برلمانية، مع السعي من جهة لعرقلة مداولات اللجنة وتأخير بدء جلساتها لكسب الوقت، ومن جهة أخرى القيام بنشاط محموم قد يشمل على ما يبدو التوجه للمحكمة الإسرائيلية العليا ضد البت في الحصانة الآن قبل الانتخابات، وإرجاء ذلك إلى ما بعد الثاني من مارس/آذار المقبل.
في المقابل، ترى المعارضة على مختلف توجهاتها، أن أمامها فرصة لنزع الحصانة عن نتنياهو، كي يتسنى توجيه لوائح الاتهام رسمياً له وتقديمها للمحكمة، وبالتالي محاولة سد الطريق أمام مجرد احتمال تكليفه بعد الانتخابات بتشكيل الحكومة المقبلة، خصوصاً أن كلا من المحكمة الإسرائيلية العليا، ورئيس "الدولة" رؤوفين ريفلين، رفضا حتى الآن البت في مسألة أهلية نتنياهو لتكليفه بتشكيل الحكومة المقبلة، في ظل وجود لائحة اتهام رسمية ضده.