استمرار التوتر في محيط طرابلس وخلافات مغاربية حول شغل منصب المبعوث الأممي

14 مارس 2020
لا تزال أصوات المدفعية تُسمع في أرجاء طرابلس (الأناضول)
+ الخط -

فيما لا يزال التوتر والاشتباكات المسلحة تسيطر على الأوضاع في محيط طرابلس، لا يزال الجدل قائماً في أروقة الأمم المتحدة وفي عواصم الدول المعنية بالملف الليبي بشأن تعيين مبعوث أممي جديد بديل  لغسان سلامة المستقيل. 

وبينما قال المركز الإعلامي لعملية الكرامة التابعة لمليشيا اللواء المتقاعد خليفة حفتر، إن مليشيا الأخير صدّت مساء أمس هجوماً لقوات حكومة الوفاق على مواقعها في محيط مدينتي غريان والزاوية، غرب طرابلس، أكدت قوات الحكومة من جهتها أنها صدّت هجوماً في محور الرملة في محيط طرابلس الجنوبي.

ولا تزال أصوات المدفعية تُسمع بوضوح في أرجاء طرابلس حتى صباح اليوم السبت، فيما قال المتحدث الرسمي باسم مكتب الإعلام الحربي لعملية بركان الغضب التابع لحكومة الوفاق، عبد المالك المدني، إن "سرية الهاون تمكنت من تدمير 4 آليات مسلحة واستهداف تجمّع لمليشيات حفتر في محور الرملة" جنوب طرابلس.

وأوضح المدني في حديثه لــ"العربي الجديد" أن "العملية جاءت ضمن صدّ محاولة لمليشيا حفتر في المحور"، مشيراً إلى أن أصوات المدفعية، التي لا تزال تُسمع بوضوح حتى صباح السبت، هي "أصوات مدفعيتنا، وهي تتعامل مع مصادر النيران في محاور عين زارة والمطبات".

ولفت المدني، خلال حديثه إلى استمرار تساقط القذائف العشوائية على الأحياء المدنية في طرابلس، مشيراً إلى أن إحداها أصابت محطة للكهرباء في حيّ الهضبة، ما سبّب انقطاع التيار الكهربائي عن كامل المنطقة.

وفي سياق منفصل، علمت العربي الجديد من عدة مصادر ليبية أن اقتراح الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، بتعيين السياسي الجزائري، رمضان لعمامرة، لشغل منصب رئيس البعثة الأممية في ليبيا، لا يزال يلقى معارضة من بعض الدول الإقليمية، وتحديداً من قبل المملكة المغربية. 

وبحسب الباحث السياسي الليبي بلقاسم كشادة، هناك "مستوى جديد من الصراع بين المتدخلين الخارجيين في الشأن الليبي لم يتوقف عن حد التدخل بالمبادرات، بل أيضاً وصل إلى حد التداخل في شاغلي الوظائف الأممية المناطة بها مهام الوساطة". 

وأكدت المصادر الليبية أن الخلاف المغربي الجزائري برز بعد أن دفع المغرب بضوء أخضر من واشنطن بالسياسي المغربي جمال بنعمر كمرشح لشغل منصب المبعوث الأممي في ليبيا، بعد شعورها بأن السعي الجزائري لتعيين لعمامرة وتقديم مبادرة جديدة للحل يذهب باتجاه فقدان المكاسب السياسية المغربية أهميتها، وتحديداً الاتفاق السياسي الموقع في الصخيرات المغربية بين الأطراف الليبية نهاية 2015م.

وكان الأمين العام للأمم المتحدة السابق، بان كي مون، قد عيّن بن عمر، مستشاره الخاص في اليمن بين عامي 2011 و2015، لقيادة وساطة أممية بين الأطراف اليمنية، قبل أن يعينه كي مون وكيله الخاص في 2015.

وفيما تطابقت معلومات المصادر حول تراجع حظوظ كل من السياسي التونسي، خميس الجهيناوي، والأردني، علي الزعتري، الذي سبق أن عمل في البعثة الأممية في ليبيا منسقاً للشؤون الإنسانية، قالت مصادر إن المغرب ذكّرت مكتب غوتيريش بقرارات مجلس الأمن التي صدّقت على اتفاق الصخيرات إطاراً سياسياً وحيداً لحل الأزمة في ليبيا.

 وبعد إعلان غسان سلامة استقالته في الثاني من الشهر الجاري، أعلن الأمين العام للأمم المتحدة تعيين نائبته في البعثة، ستيفاني ويليامز، لشغل منصبه مؤقتاً.
ورغم إعلان استقالة سلامة، إلا أن وزارة الخارجية التونسية قالت، في بيان لها أمس الجمعة، إنه عقد اجتماعاً مع وزير الخارجية، نور الدين الريّ، بحث خلاله الجهود والمساعي التي بذلها على رأس البعثة الأممية لتقريب وجهات النظر بين الفرقاء الليبيين وإيجاد تسوية سلمية للأزمة.

وكان موقع "مغرب انتليجنس" الفرنسي، قد كشف عن أن باريس وأبوظبي هما من ضغطتا على سلامة لتقديم استقالته، مشيراً إلى أن العاصمتين الباحثتين عن دعم جديد لتعزيز الجبهة المؤيدة لحفتر، تدعمان اختيار لعمامرة بديلاً لسلامة.

ويؤكد كشادة لــ"العربي الجديد" أن الصراع لم يعد خفياً، فـ"الأطراف الإقليمية والدولية تتنافس مباشرةً من طريق الجوار الليبي لتعيين خلفاً لسلامة بضمان ولائه أجندتها السياسية الداعمة لأحد الطرفين"، محذراً من بقاء المنصب شاغراً إذا استمر التجاذب بشأنه لتترتب عنه آثار أقلها فسح المجال لعودة المعارك والحل العسكري.


انزعاج مغربي ليبي من الجهود الجزائرية 

ولم تخف الرباط وطرابلس انزعاجهما من الجهود الجزائرية، إذ أكد وزير الخارجية المغربي، ناصر بوريطة، ورئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري، خلال لقائهما مساء أمس الجمعة، رفض "تعدد المبادرات"، في إشارة إلى المبادرة الجزائرية.

واعتبر بوريطة، تعدد المبادرات بأنه "لا يساعد على إيجاد حل للأزمة الليبية، بل يساهم في تشتيت الجهود"، وفق وكالة الأنباء المغربية.

وأكد بوريطة، خلال مؤتمر صحافي جمعه بالمشري في المغرب أمس الجمعة، أن بلاده "ليس لديها أي مبادرة"، موضحاً أن "المملكة تحدوها قناعة بأن المقاربة الواجب اعتمادها إزاء الأزمة الليبية يجب أن تستند إلى انخراط الليبيين أنفسهم، من خلال المؤسسات التي أُحدِثَت عبر الاتفاق السياسي للصخيرات، باعتباره إطاراً لإيجاد حل للمرحلة الانتقالية الكفيلة بأن تفضي إلى انتخابات تحسم مسألة الشرعية في ليبيا".

من جانبه، قال المشري إن "الوضع الحالي في ليبيا لا يتطلب مبادرات سياسية جديدة"، موضحاً أن المبادرات السابقة "لم تتمكن من إيجاد حلول للصراع في ليبيا أفضل من اتفاق الصخيرات الذي يعتبر المرجعية السياسية لكل المؤسسات في ليبيا".

وفي إشارة إلى المبادرة الجزائرية، قال المشري: "قد تكون هناك مبادرات تتعلق بالمصالحة، لكن ليبيا ليست بحاجة إلى مبادرات سياسية"، مشدداً على أن "لدى ليبيا خريطة طريق واضحة تهدف إلى احترام الاتفاق السياسي الموقع بالصخيرات، وتنظيم استفتاءً على الدستور، ثم الذهاب إلى انتخابات رئاسية وبرلمانية في أسرع وقت ممكن". 
وأكد المشري أنه "لا توجد ضمانات لتنفيذ أي مبادرات أو اتفاقات جديدة"، معتبراً أنها مبادرات "لا تساعد في حل الأزمة الليبية، بل تزيدها تعقيداً".

وتعليقاً على التصريحات المشتركة بين بوريطة والمشري، يرى الناشط السياسي الليبي، عقيلة الأطرش، أنها "مهمة"، موضحاً أن "رضى الأطراف الليبية بأي شخصية لشغل المنصب الأممي شرط لتعيينه"، لكنه يقرأ سعي المشري لاستثمار الخلاف المغربي الجزائري "خطأً سياسياً"، مؤكداً أن الخطوة الصحيحة لقادة طرابلس يجب أن تتوجه لاستجلاء الموقف الجزائري ومدى عدم انحياز مبادرتها الخاصة بالمصالحة الوطنية لأي من الأطراف.

وتهتم الجزائر بشكل كبير بدعم مبادرتها التي حظيت بموافقة وسعي أفريقي كبير لتطبيقها، إذ من المحتمل أن يكون للملف الليبي أولوية في لقاء الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، بالرئيس التونسي، قيس بن سعيد، بعد غد الاثنين، وهما المتوافقان على ضرورة دعم مبادرة مشتركة لإطلاق مسار جديد للحل في ليبيا من خلال منتدى ليبي موسع للمصالحة الوطنية، فيما لن تعلن الجزائر أوالاتحاد الأفريقي، الذي من المقرر أن يستضيف في أديس أبابا في يوليو/ تموز المقبل مؤتمراً لـ"المصالحة الشاملة بين الليبيين"، عن أجندة المنتدى والأطراف الليبية المدعوة للمشاركة فيه.​

 

المساهمون