تحوّل اعتصام نواب كتلة الحزب الدستوري الحر في تونس، من قاعة الجلسات العامة إلى مكتب رئيس البرلمان راشد الغنوشي، الذي منعوه من دخول مكتبه، مشكّلين حاجزاً بشرياً بالكراسي، في سابقة لم تشهدها المؤسسة البرلمانية من قبل.
وتصاعد حجم الاحتقان بين "النهضة" وغريمه الانتخابي "الدستوري الحر" ليعرف أقصاه اليوم الأربعاء، بما يكشف أن الصدام اللفظي قد يتطور إلى عنف مادي، بالنظر إلى حجم الاحتقان المتصاعد والاتهامات والشتائم المتبادلة بين الطرفين.
ولم تستقرّ نيران التناحر الانتخابي التي بلغت أوجها خلال الانتخابات الأخيرة، بل ازدادت تفاقماً عند جلوس الخصمين تحت ذات قبة البرلمان، وسط غياب أدنى رغبة في التحاور أو تقارب وجهات النظر بينهما.
وتطالب رئيسة كتلة "الدستوري الحر" عبير موسي، كتلة حزب النهضة ورئيس الحركة راشد الغنوشي، باعتذار رسمي عمّا صدر عن النائبة جميلة كسيكسي خلال اختتام الجلسة العامة أمس، حيث وصفتهم بـ"المنحرفين"، و"المصيبة" التي حفت بالبلاد وبالبرلمان.
وفي وقت لم تصدر فيه كتلة حزب النهضة أي موقف، مكتفية بمتابعة الأحداث والاعتصام والتدافع داخل البرلمان، امتنع الغنوشي عن القدوم إلى المجلس، تفادياً لصدام مع نواب "الدستوري الحر" المعتصمين داخل مكتبه، في وقت يحاول فيه رؤساء كتل التدخل تجاوز الخلاف وإعادة العمل إلى سالف طبيعته.
وأجل رئيس البرلمان جميع اجتماعاته المبرمجة على غرار لقاء رؤساء الكتل ومكتب البرلمان إلى الغد، وذلك تحسباً لمزيد من التصعيد والدخول في مواجهات عنيفة مع "الدستوري الحر".
من جانبه، قال النائب عن حركة النهضة، سمير ديلو، إن الحركة سترفع قضية بأحد قيادات الحزب الدستوري صالح ناجي، بسبب نشره على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك صوراً عنصرية (صورة غوريلا) ضد النائبة جميلة الكسيكسي.
ويبدو أن الخلاف بين الحزبين يعرف أشده ويسير نحو أقصى أشكال التصعيد والتصادم، حيث عمدت رئيسة الحزب الدستوري الحر إلى قطع أعمال اللجنة المالية، مطالبة بتعليقها إلى حين تقديم الاعتذار.
وآلت جميع محاولات نائبة رئيس المجلس سميرة الشواشي لإقناع النواب بفك الاعتصام إلى الفشل، بسبب تمسكهم بتنفيذ اعتصام مفتوح إلى حين نشر اعتذار رسمي مكتوب على الصفحة الرسمية للبرلمان.
وقالت عبير موسي في تصريح صحافي إن الاعتصام "متواصل وسيأخذ أشكالاً تصعيدية حالما لم تعتذر كتلة النهضة ورئيسها رسمياً لنواب الدستوري الحر ومناضليه وجميع الدستوريين والبورقيبيين".
وبينت موسي أن ما حدث أمس "كشف عن الوجه الحقيقي للنهضة ولنوابها"، مشيرة إلى أن هذا الأمر لن يُسكَت عنه.
من جانب آخر، أصدرت رئاسة البرلمان بياناً في الساعات الأولى من فجر اليوم عبّرت فيه عن "أسفها عمّا صدر من تجاوزات"، داعية الجميع بالمناسبة إلى احترام مقتضيات النظام الداخلي لمجلس نواب الشعب.
وأضافت رئاسة المجلس أنها ستقوم "بما يتعين لسحب العبارات المنافية من مداولات مجلس نواب الشعب ولفرض الاحترام المتبادل، وتنقية مناخ العمل المشترك".
وعبّر برلمانيون من مختلف الكتل عن استيائهم مما حدث من عنف لفظي ومن إساءة إلى صورة المجلس وهيبته، في وقت اعتبر فيه آخرون أن هذه المشاهد تُعَدّ طبيعية في الديمقراطية التي تعرف اختلافات في الرؤى والتصورات والأفكار والأيديولوجيات.