ألغاز مأساة فتيات دابتشي لدى "بوكو حرام": المدارس ممنوعة

22 مارس 2018
إحدى الفتيات النيجيريات المحررات في دابتشي أمس (فرانس برس)
+ الخط -
يبدو أن جماعة "بوكو حرام" أوصلت الرسالة التي كانت تبتغيها من وراء خطف فتيات من بلدة دابتشي في ولاية يوبي قبل نحو شهر، إذ إن عملية الإفراج عن عشرات من الطالبات الصغيرات جاء مع رسالة تحذير للأهالي: لا ترسلوا بناتكن للمدرسة أبداً مرة أخرى. كما يظهر أن الحكومة النيجيرية عملت على تسريع عملية الإفراج عن الفتيات، حتى لا يتحولن إلى شيبوك أخرى، وذلك إما بدفع فدية، على الرغم من أن الحكومة تنفي ذلك، أو عبر تدخل أطراف دولية، إذ إن عودة الفتيات بهذه الطريقة والسرعة تطرح الكثير من الأسئلة حيال ما حصلت عليه الجماعة مقابل الإفراج عنهن؟

وتستخدم "بوكو حرام" الخطف سلاحاً في إجرامها منذ تسع سنوات تقريباً، والذي أدى إلى مقتل 20 ألف شخص على الأقل وتشريد أكثر من مليونين. ولم تعلن الجماعة المرتبطة بتنظيم "داعش" مسؤوليتها عن هجوم دابتشي، لكن يعتقد أن فصيلاً يتزعمه أبو مصعب البرناوي يقف وراءه. وفي أغسطس/آب 2015 أعلن "داعش" دعمه للبرناوي زعيماً لجماعة "بوكو حرام"، مكان أبو بكر شيكاو الذي نفذ عناصره هجوم شيبوك. ويقول المحللون إن دوافع خطف فتيات دابتشي مادية، نظراً لمبالغ الفدية التي دفعتها الحكومة إلى "بوكو حرام" مقابل إطلاق سراح عدد من فتيات شيبوك. وأحصت منظمة العفو الدولية 38 عملية خطف جماعية قامت بها الجماعة منذ مطلع 2014.

وكان  اختطاف 111 فتاة، تتراوح أعمارهن بين 11 و19 سنة، من مدرسة في دابتشي في 19 فبراير/شباط الماضي أكبر عملية اختطاف جماعي تحدث منذ اختطفت جماعة "بوكو حرام"، بطريقة مشابهة، 267 تلميذة من مدرسة في بلدة شيبوك في إبريل/نيسان 2014. لكن وضع هؤلاء الفتيات أفضل حالاً من مختطفات شيبوك، والتي لم تعد 100 فتاة منهن إلى عائلاتهن حتى الآن. وكانت جماعة "بوكو حرام" بثت في مايو/أيار 2017 تسجيل فيديو لفتاة قالت إنها من تلميذات شيبوك النيجيريات اللواتي خطفن في 2014، وأكدت أنها لم ترغب في إطلاق سراحها في إطار الاتفاق الذي أبرم أخيراً مع الحكومة النيجيرية، معلنة ولاءها للجماعة. وكانت "بوكو حرام" أفرجت، بعد مفاوضات مع الحكومة عن 82 من تلميذات شيبوك بعد أكثر من ثلاثة أعوام على خطفهن. وتمت مبادلة 21 أخريات في أكتوبر/تشرين الأول 2016 وعثر الجيش على ثلاث فتيات في حين تمكنت 57 من الهرب.

وكان عناصر "بوكو حرام" شنوا هجوماً في 19 فبراير الماضي على قرية دابتشي في ولاية يوبي بعدما وصلوا على متن شاحنات صغيرة، وبدأوا إطلاق النار وتفجير قنابل. وقام العناصر بمهاجمة مدرسة داخلية تستقبل فتيات بدءاً من سن الحادية عشرة، وقاموا بخطف 111 تلميذة، بحسب مصادر في الشرطة. وأعلنت الحكومة النيجيرية، أمس الأربعاء، أن عناصر من جماعة "بوكو حرام" التي خطفت 111 تلميذة في بلدة دابتشي قبل أكثر من شهر، أعادوا 76 منهن إلى البلدة الواقعة في شمال شرق نيجيريا. وقال وزير الإعلام، لاي محمد، إن الإفراج عنهن كان "غير مشروط"، وجاء نتيجة "جهود قنوات خلفية بمساعدة بعض أصدقاء البلاد" من دون أن يضيف أي تفاصيل. وتابع أن "الشابات الـ76 هن اللواتي تم تسجيلهن حتى الآن". وكان الرئيس النيجيري، محمد بخاري، أعلن، الأسبوع الماضي، أن الحكومة "اختارت التفاوض" وليس اللجوء إلى القوة العسكرية لضمان عودة فتيات دابتشي. وقال لاي محمد "لتحقيق الإفراج عنهن، كانت الحكومة مدركة تماماً أن العنف والمواجهة ليسا الحل، فذلك يمكن أن يعرض أرواح الفتيات للخطر، وبالتالي كان الخيار المفضل هو عدم اللجوء إلى العنف". وأضاف "خلال فترة إعادة الفتيات، تم تعليق العمليات في بعض المناطق لضمان المرور الآمن وعدم إزهاق أرواح".

وقالت التلميذة عايشة الحاجي ديري (16 سنة)، التي كانت بين المخطوفات، إن الشابات لم يتعرضن لسوء معاملة خلال فترة احتجازهن، لكنها أضافت "لدى اختطافنا توفيت خمس تلميذات منا في الطريق". وتابعت "أعادونا صباح اليوم (أمس)، وأنزلونا أمام محطة الحافلات، وطلبوا منا الذهاب إلى منازلنا وعدم التوجه إلى الجيش لأنهم سيقولون إنهم جاؤوا لإنقاذنا". كما أكدت خديجة جريما وفاة "خمسة من بيننا، ولا تزال واحدة معهم، لأنها مسيحية". وقال أحد سكان دابتشي، ويدعى محمد بورساري، إن قريبة له من التلميذات العائدات أخبرته أن التلميذة الباقية لا تزال محتجزة لرفضها اعتناق الإسلام. ولم يعرف بعد مصير باقي الفتيات المخطوفات.

وكان عدد من الأهالي أشاروا إلى أن الفتيات أعدن إلى دابتشي على متن تسع آليات. وتوجهت بعض الفتيات إلى منازلهن في القرى المجاورة. وقال بشير مانزو، الذي يرأس مجموعة تقدم الدعم للأهالي في دابتشي، إنه "لم يكن برفقة الفتيات أي عناصر أمن"، مضيفاً "أحضرهن الخاطفون وقاموا بتركهن أمام المدرسة دون التكلم مع أحد". وقال الأهالي إنهم أخذوا الفتيات لإجراء فحوص طبية بعد انتهاء محنتهن، وإن الإجراءات الأمنية مشددة في البلدة. وقال شهود في دابتشي إن عناصر "بوكو حرام" أطلقوا سراح الفتيات مع تحذير "لا ترسلوا بناتكن للمدرسة أبداً مرة أخرى". وعبارة "بوكو حرام" تعني "التعليم الغربي حرام" بلغة الهوسا المحلية. وقال محمد دالا إنه عثر على ابنته، البالغة من العمر 12 عاماً، وسط حشد من الفتيات في وسط البلدة. وأضاف "رافقت مركبات مطلية بألوان الجيش فتياتنا. قال (المتشددون) إن علينا ألا نفر. أنزلوا الفتيات في وسط البلدة. وجدت ابنتي وغادرت". وأشار شهود إلى أن معظم الفتيات نقلن إلى المستشفى بحراسة من الجيش.

وستطرح أسئلة على الأرجح بشأن ظروف إطلاق سراح الفتيات، وخصوصاً بشأن قدرة مقاتلي "بوكو حرام" على دخول البلدة والخروج منها  من دون أن يتم اعتراضهم. وقال الخبير في شؤون مكافحة الإرهاب لدى مجموعة الاستشارات الأمنية "مودرن سكيوريتي" في برلين، يان سان-بيار، إن الإفراج عن فتيات دابتشي لم يكن سابقة، فقد أُفرج عن عدد من الرهائن، ومنهم محاضرون جامعيون مطلع العام. لكنه أضاف إن عملية الإفراج عن تلميذات دابتشي "كانت بسيطة بدرجة تثير العديد من الأسئلة وخصوصاً بما يتعلق بالمبلغ المدفوع". وأوضح "إذا دفعوا بالفعل، فإن الحكومة النيجيرية على الأرجح دفعت مبلغاً لتسريع إطلاق سراحهم لتجنب شيبوك أخرى".

(العربي الجديد، فرانس برس، رويترز، أسوشييتد برس)

المساهمون