صراع النفوذ والسلطة يعمّق محنة الاشتراكي الألماني بعد "انتصار غروكو"

12 فبراير 2018
أربك شولتز الاشتراكيين بخياراته (أنيغريت هيلسي/Getty)
+ الخط -

بعد أن مهّد المؤتمر الخاص للحزب الاشتراكي الألماني، الشهر الماضي، في مدينة بون الألمانية، الطريق أمام مفاوضات الائتلاف الكبير "غروكو" مع الاتحاد المسيحي بغالبية ضئيلة، والتي استطاع بنتيجتها، الأسبوع الماضي، تحقيق مكاسب بوجه زعيمته المستشارة أنجيلا ميركل، وأهمُّها انتزاعه لعدد من الوزارات السيادية، التي اعتبرها كثيرون داخل حزبها بمثابة "إلغاء للذات"، عادت الخلافاتُ إلى داخل الاشتراكي على خلفية صراع النفوذ والسلطة.

وقد تسبب زعيم الاشتراكي مارتن شولتز، بهذا الأمر، رغم خوضه مفاوضات ناجحة مع الاتحاد، مع إعلان نيته تولي وزارة الخارجية. وهذا ما أغضب أحد قياديي الاشتراكي وزير الخارجية الحالي زيغمارغابريال، وكذلك خصوم "غروكو" داخل حزبه، وأغلبيتهم من شبيبة الحزب. ووُصف بـ"الناقض للوعود كونه يودّ الآن المشاركة في حكومة ميركل، بعد إعلانه بعد الانتخابات أنه لا يتطلع إلى المشاركة في حكومة برئاستها". وبدا واضحاً أن الخوف لدى مسؤولي الاشتراكي بالتصويت بـ"لا" للائتلاف، كان وراء عودة شولتز عن موقفه عن تولّي حقيبة الخارجية، وفق ما أوردت صحيفة "بيلد" أخيراً. وترافق ذلك مع تصاعد الحملة المناوئة للتحالف الكبير، خصوصاً في ولاية شمال الراين وستفاليا، التي تضم حوالى ربع أعضاء الحزب (110 آلاف عضو). حتى أنه وبعد اتفاق الائتلاف انصب جهد خصوم "غروكو" داخل الاشتراكي، وقبل بدء عملية التصويت المقررة في 20 الحالي، لمعرفة ما إذا كانت حقيبة وزارية ستؤول لشولتز.

مع العلم أن شولتز برر تراجعه عن المنصب الحكومي، بالتشديد في كلمته على أنه "الأجدى بالأعضاء الآن التركيز على مضمونه وإنهاء المناقشات حول الأشخاص، لأن اتفاق الائتلاف يمكن أن يحسّن حياة الناس في العديد من المجالات". وتابع أنه "لهذا كان من الأهمية القصوى بالنسبة لي أن يصوت أعضاء الحزب لصالح الاتفاق، وعدم تركيز النقاش على المناصب، وأن طموحاتي الشخصية يجب أن تكون وراء مصالح الحزب". وهو ما طالب به نائب رئيس البوندستاغ الاشتراكي توماس أوبرمان، عندما ناشد الجميع بإنهاء المناقشات الشخصية المدمرة على الفور، وأنه "لا بد من مناقشة النقاط الجوهرية لاتفاق الائتلاف". وبتراجعه، أنقذ شولتز حزبه من مأزق تنامي الأصوات الرافضة للتحالف والتصويت ضد الاتفاق، لأن الانتخابات الجديدة في مثل هذه الحالة ستكون مدمرة للاشتراكيين الديمقراطيين.



وبخصوص زيغمار غابريال وموجة الغضب التي أحدثها بعد إعلان شولتز نيته تولي وزارة الخارجية، فإن شخصية مثل غابريال ترأس الحزب لفترة 7 سنوات وخبرة الحياة السياسية الداخلية الألمانية، ليس الشخص الذي يسمح بأن يدفع بهذه الطريقة جانباً، لا سيما أنه وبعد تسلّمه منصب الخارجية، عاد ليستحوذ على أرقام جيدة في استطلاعات الرأي، من دون الإغفال عن أن قصة صعود شولتز وهبوطه مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بغابريال كونه ساند زميله لتبوؤ زعامة الاشتراكي.

وفي تصريح في شهر مارس/آذار الماضي قال شولتز إنه "ممتن لتسمية غابريال بالصديق"، قبل توتّر العلاقة بينهما، إلى حدّ اتهام غابريال شولتز في حديثٍ أخير لمجموعة "فونكه" الإعلامية، بقوله: "يبدو أن ما تبقى هو فعلياً الأسف على الطريقة التي تفتقر إلى الاحترام التي بتنا نتعامل فيها فيما بيننا داخل الاشتراكي، وكيف صارت الوعود المقطوعة أمراً ليس له اعتبار". وهو ما اعتبر اتهاماً غير مباشر لشولتز، وبدا أن غابريال استند في ذلك إلى وعد مزعوم من قبل شولتز، بأنه "في حال قيام ائتلاف غروكو جديد يبقى غابريال وزيراً للخارجية، بيد أن أحداً لم يتحقق من هذا الوعد".

في هذا الإطار، رأى خبراء في العلاقات الأوروبية أن "لدى الاشتراكي ما يكفي من المشاكل والمطلوب وقف تآكل الحزب وأن وقت البراغماتية قد انتهى، خصوصاً وأنه يؤخذ على قيادة الاشتراكي من قبل خصوم غروكو، أنها لم تكن مهتمة لا برؤى ولا بتطور الحزب وعمله في القرن الواحد والعشرين، وكيف يمكن الحفاظ على سياسة تقوم على التوازن الوطني للمصالح في وقت التدفقات المالية العالمية".

وارتكب شولتز أخطاء عدة سواء في تبريره للتحالف الكبير، وهو الذي قال في سبتمبر/أيلول الماضي، بعد إعلان نتائج الانتخابات العامة لحزبه أنه "سيكون في المعارضة"، إلى خطأ الأسبوع الماضي، عندما أقدم على تزكية رئيسة الكتلة البرلمانية لحزبه داخل البوندستاغ أندريا ناليس، كزعيمة مستقبلية للاشتراكي، إلى إعلان نيته الانخراط في الحكومة. ولاقى هذا التصرف اعتراضاً حزبياً بسبب التوقيت غير الصحيح، ولأن معالجة المنافسة السياسية ومضمونها تُناقش داخل الحزب.




دلالات