لم يجد "أبو خليل"، الرجل الذي يقترب من الستين من عمره، أمامه من سبيل إلا مغادرة مدينته خان شيخون في ريف إدلب الجنوبي إلى مخيمات النزوح في شمال غربي سورية، للنجاة بعائلته من قذائف وصواريخ قوات النظام التي أجبرت أغلب سكان المدينة على النزوح المر. "نهرب من موت إلى مجهول" يقول أبو خليل، في حديث مع "العربي الجديد"، مضيفاً: "لا أحد يعلم نهاية هذه الكارثة. لا أحد يهتم بنا. أطفال يُقتلون منذ سنوات على يد النظام الذي لا يلتزم باتفاق منذ عام 2011".
ويعيش أهالي أرياف إدلب وحماة وحلب، منذ بداية الشهر الحالي تحت وطأة قصف لا يكاد ينتهي، غايته استنزاف المنطقة وإفراغها من سكانها، تمهيداً كما يبدو لتدخل عسكري. ولم يكد يطمئن سكان ريف إدلب الجنوبي وريف حماة الشمالي، بعد الاتفاق التركي الروسي المعروف باتفاق سوتشي الذي أبرم في سبتمبر/أيلول الماضي وكان يُفترض أن يجنّب المنطقة حرباً، حتى بدأت مجدداً حركة نزوح كثيف، باتجاه مناطق في محافظة إدلب شمال غربي سورية، خلال الأيام القليلة الماضية، نتيجة القصف المدفعي والصاروخي على مدن وبلدات وقرى هذا الريف من قبل قوات النظام، ما أدى إلى مقتل وإصابة العشرات، أغلبهم من النساء والأطفال. وتجاوز النظام مرة أخرى تفاهمات إقليمية، متخذاً من المدنيين العزّل أدوات ضغط في الصراع الذي يتصاعد على شمال غربي سورية معقل المعارضة الأبرز والملاذ الوحيد لمن بات هدفاً لقوات النظام من المدنيين.
وقال ممثل المجالس المحلية التابعة للمعارضة في ريف حماة، ريان الأحمد، لـ"العربي الجديد"، إنه عقب الهجمة الأخيرة من قبل قوات النظام على أجزاء من ريف حلب الجنوبي وريف إدلب الجنوبي وريف حماة، حصلت موجة نزوح كبيرة، مقدّراً عدد النازحين بنحو 100 ألف نسمة، مضيفاً: "لم تستجب المنظمات المعنية لحملات المناصرة لهؤلاء النازحين على الإطلاق، وحتى من قِبل الإعلام الذي لم يهتم بالنازحين، وصرف اهتمامه فقط للأنباء عن القصف والقتلى والمصابين". وأوضح أن أغلب النازحين "توجّهوا إلى مخيمات الشمال الغربي على الحدود السورية التركية، وقسم منهم توجّه إلى قلعة المضيق في ريف حماة، وإلى منطقة جبل الزاوية في ريف إدلب الآمنة نسبياً".
ووثّق فريق "منسقو استجابة سورية" مقتل 85 مدنياً، نصفهم من مدينة خان شيخون، على يد قوات النظام السوري في ريفي إدلب وحماة، منذ بداية الحملة على المنطقة أي من 2 فبراير/شباط الحالي، وحتى 26 منه، بينهم 38 طفلاً.
وباتت مخيمات الشمال الغربي من سورية مكتظة بالنازحين، في ظل نقص حاد بالمستلزمات التي يحتاجها النازحون الجدد الذين لا أمل في الأفق يلوح بعودتهم القريبة إلى مناطقهم، فمن الواضح أن النظام مستمر في حملته العسكرية التي يهدف من خلالها للعودة إلى محافظة إدلب، وهو ما تعتبره المعارضة السورية مستحيلاً، متوعّدة برد في حال أقدمت قوات النظام على تحرك بري.
وأكد الناشط الإعلامي محمد كركص من مركز المعرة الإعلامي، أن مدينة خان شيخون "باتت مدينة أشباح"، مضيفاً "أغلب أهلها تركوا منازلهم إما إلى مخيمات النزوح، أو إلى الأراضي الزراعية في محيط المدينة المنكوبة". وأوضح أن ريف إدلب الشرقي يتعرّض هو الآخر لقصف مدفعي كثيف، خصوصاً بلدات جرجناز والتح والخوين، ما أدى إلى حركة نزوح أخرى. وأشار إلى أن عدد قتلى التصعيد وصل إلى 89 مدنياً، و305 مصابين، موضحاً أن قوات النظام قصفت ريفي إدلب وحماة بـ3555 قذيفة وصاروخاً من المدفعية والطيران، منذ بداية الشهر الحالي، استهدفت 78 منطقة في محافظة إدلب ومحيطها، مؤكداً أن القصف المدفعي والصاروخي يأتي من معسكرات في منطقة أبو دالي في ريف إدلب الجنوبي الشرقي.
اقــرأ أيضاً
وباتت قضية الشمال الغربي من سورية في صدارة المشهد السوري المعارض الذي يرقب بحذر التطورات الميدانية "المقلقة"، في ظل عدم بروز أي تحرك تركي معلن لدفع الضامن الروسي للالتزام ببنود اتفاق سوتشي الذي من المفترض أن يُبعد شبح الحرب والتصعيد عن محافظة إدلب ومحيطها.
وفي هذا السياق، تساءل مصدر محلي في ريف معرة النعمان، لـ"العربي الجديد"، "لماذا على الجيش السوري الحر الالتزام بالاتفاقات، وليس على قوات النظام ذلك؟"، علماً أن مدينة معرة النعمان تعرضت ولا تزال تتعرض لحملات قصف مدفعي يدفع ثمنها المدنيون في مدينة تضم عشرات آلاف النازحين. وأضاف المصدر: "نعيش مأساة منذ سنوات حصدت أرواح آلاف المدنيين. لقد نزح عدد كبير من سكان معرة النعمان، ومن بقي يلازم بيته خشية القصف. المدينة بلا حياة، وهناك موجة استياء كبيرة من نحو 4 ملايين مدني في شمال غربي سورية نتيجة عدم قيام الجانب التركي بالضغط على الجانب الروسي لإيقاف القصف".
في المقابل، حذر القيادي في الجيش السوري الحر مصطفى سيجري، في تصريح لـ"العربي الجديد"، من "أي محاولة للتشكيك بالمواقف والنوايا التركية، وبحرص الأشقاء على حماية إدلب ورفض أي عملية عسكرية"، مضيفاً: "واجب الجميع في الحفاظ على آخر الحلفاء وعدم الترويج للإشاعات الكاذبة، وحماية التحالف الاستراتيجي بين جيشنا الوطني والقوات التركية في حربنا المشتركة على القوى الإرهابية". وأشار سيجري إلى "أن تنظيم جبهة النصرة يقود حملة إعلامية عبر إعلامه الرديف وأبواقه الشيطانية، لإحداث شرخ وزعزعة الثقة بين أهلنا المدنيين والجمهورية التركية، في محاولة لتحميل الحلفاء مسؤولية الجرائم الروسية، وخداع الرأي العام، بعد غدره بالقوى الثورية والجبهة الوطنية خدمة لإيران ودعماً للرواية الروسية"، وفق سيجري.
وأثبتت الأحداث الميدانية المتصاعدة هشاشة اتفاق سوتشي الذي يبدو أنه بات يترنّح كونه لم يستطع لجم النظام السوري الذي لطالما أكد أن عودته إلى إدلب لا بد منها "سلماً أو حرباً"، على الرغم من أن الشمال الغربي السوري لا يزال محكوماً باتفاق سوتشي، وتم بموجبه إنشاء منطقة آمنة في محيط إدلب بين مناطق النظام والمعارضة، بحدود تتراوح بين 15 و20 كيلومتراً، خالية من السلاح الثقيل، ولكن النظام يسعى للسيطرة عليها لتقليص المساحة الجغرافية التي تسيطر عليها المعارضة السورية المسلحة و"هيئة تحرير الشام" (النصرة سابقاً). وفي ظل استمرار التصعيد، من المتوقع ألا تنتهي حركة النزوح التي من الممكن أن تتفاعل أكثر في حال بدأت قوات النظام تحركاً برياً سواء كان محدوداً أو واسع النطاق باتجاه عمق محافظة إدلب، وهو ما قد يعيد الصراع في شمال غربي سورية إلى المربع الأول، ويدفع الجهود الدولية لبلورة حل سياسي للقضية السورية إلى حافة فشل جديد.
اقــرأ أيضاً
ويعيش أهالي أرياف إدلب وحماة وحلب، منذ بداية الشهر الحالي تحت وطأة قصف لا يكاد ينتهي، غايته استنزاف المنطقة وإفراغها من سكانها، تمهيداً كما يبدو لتدخل عسكري. ولم يكد يطمئن سكان ريف إدلب الجنوبي وريف حماة الشمالي، بعد الاتفاق التركي الروسي المعروف باتفاق سوتشي الذي أبرم في سبتمبر/أيلول الماضي وكان يُفترض أن يجنّب المنطقة حرباً، حتى بدأت مجدداً حركة نزوح كثيف، باتجاه مناطق في محافظة إدلب شمال غربي سورية، خلال الأيام القليلة الماضية، نتيجة القصف المدفعي والصاروخي على مدن وبلدات وقرى هذا الريف من قبل قوات النظام، ما أدى إلى مقتل وإصابة العشرات، أغلبهم من النساء والأطفال. وتجاوز النظام مرة أخرى تفاهمات إقليمية، متخذاً من المدنيين العزّل أدوات ضغط في الصراع الذي يتصاعد على شمال غربي سورية معقل المعارضة الأبرز والملاذ الوحيد لمن بات هدفاً لقوات النظام من المدنيين.
ووثّق فريق "منسقو استجابة سورية" مقتل 85 مدنياً، نصفهم من مدينة خان شيخون، على يد قوات النظام السوري في ريفي إدلب وحماة، منذ بداية الحملة على المنطقة أي من 2 فبراير/شباط الحالي، وحتى 26 منه، بينهم 38 طفلاً.
وباتت مخيمات الشمال الغربي من سورية مكتظة بالنازحين، في ظل نقص حاد بالمستلزمات التي يحتاجها النازحون الجدد الذين لا أمل في الأفق يلوح بعودتهم القريبة إلى مناطقهم، فمن الواضح أن النظام مستمر في حملته العسكرية التي يهدف من خلالها للعودة إلى محافظة إدلب، وهو ما تعتبره المعارضة السورية مستحيلاً، متوعّدة برد في حال أقدمت قوات النظام على تحرك بري.
وأكد الناشط الإعلامي محمد كركص من مركز المعرة الإعلامي، أن مدينة خان شيخون "باتت مدينة أشباح"، مضيفاً "أغلب أهلها تركوا منازلهم إما إلى مخيمات النزوح، أو إلى الأراضي الزراعية في محيط المدينة المنكوبة". وأوضح أن ريف إدلب الشرقي يتعرّض هو الآخر لقصف مدفعي كثيف، خصوصاً بلدات جرجناز والتح والخوين، ما أدى إلى حركة نزوح أخرى. وأشار إلى أن عدد قتلى التصعيد وصل إلى 89 مدنياً، و305 مصابين، موضحاً أن قوات النظام قصفت ريفي إدلب وحماة بـ3555 قذيفة وصاروخاً من المدفعية والطيران، منذ بداية الشهر الحالي، استهدفت 78 منطقة في محافظة إدلب ومحيطها، مؤكداً أن القصف المدفعي والصاروخي يأتي من معسكرات في منطقة أبو دالي في ريف إدلب الجنوبي الشرقي.
وباتت قضية الشمال الغربي من سورية في صدارة المشهد السوري المعارض الذي يرقب بحذر التطورات الميدانية "المقلقة"، في ظل عدم بروز أي تحرك تركي معلن لدفع الضامن الروسي للالتزام ببنود اتفاق سوتشي الذي من المفترض أن يُبعد شبح الحرب والتصعيد عن محافظة إدلب ومحيطها.
في المقابل، حذر القيادي في الجيش السوري الحر مصطفى سيجري، في تصريح لـ"العربي الجديد"، من "أي محاولة للتشكيك بالمواقف والنوايا التركية، وبحرص الأشقاء على حماية إدلب ورفض أي عملية عسكرية"، مضيفاً: "واجب الجميع في الحفاظ على آخر الحلفاء وعدم الترويج للإشاعات الكاذبة، وحماية التحالف الاستراتيجي بين جيشنا الوطني والقوات التركية في حربنا المشتركة على القوى الإرهابية". وأشار سيجري إلى "أن تنظيم جبهة النصرة يقود حملة إعلامية عبر إعلامه الرديف وأبواقه الشيطانية، لإحداث شرخ وزعزعة الثقة بين أهلنا المدنيين والجمهورية التركية، في محاولة لتحميل الحلفاء مسؤولية الجرائم الروسية، وخداع الرأي العام، بعد غدره بالقوى الثورية والجبهة الوطنية خدمة لإيران ودعماً للرواية الروسية"، وفق سيجري.
وأثبتت الأحداث الميدانية المتصاعدة هشاشة اتفاق سوتشي الذي يبدو أنه بات يترنّح كونه لم يستطع لجم النظام السوري الذي لطالما أكد أن عودته إلى إدلب لا بد منها "سلماً أو حرباً"، على الرغم من أن الشمال الغربي السوري لا يزال محكوماً باتفاق سوتشي، وتم بموجبه إنشاء منطقة آمنة في محيط إدلب بين مناطق النظام والمعارضة، بحدود تتراوح بين 15 و20 كيلومتراً، خالية من السلاح الثقيل، ولكن النظام يسعى للسيطرة عليها لتقليص المساحة الجغرافية التي تسيطر عليها المعارضة السورية المسلحة و"هيئة تحرير الشام" (النصرة سابقاً). وفي ظل استمرار التصعيد، من المتوقع ألا تنتهي حركة النزوح التي من الممكن أن تتفاعل أكثر في حال بدأت قوات النظام تحركاً برياً سواء كان محدوداً أو واسع النطاق باتجاه عمق محافظة إدلب، وهو ما قد يعيد الصراع في شمال غربي سورية إلى المربع الأول، ويدفع الجهود الدولية لبلورة حل سياسي للقضية السورية إلى حافة فشل جديد.