وبحسب تسريبات من أوساط برلمانية عراقية في بغداد، فإنّ أطرافاً إيرانية وأخرى عراقية مقربة منها، تتواصل مع قوى عربية سنّية وأخرى قبلية وأطراف معروفة برفضها للوجود الأميركي ومقاومتها له بداية الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003، لتشكيل جبهة عربية سنّية واسعة لرفض الوجود الأميركي على المستويات كافة.
وقد أكّد القيادي في تحالف "القرار العراقي"، ومحافظ نينوى السابق، أثيل النجيفي، لـ"العربي الجديد"، هذه المعلومات، لافتاً إلى أنّ "هذه التحركات بدأت قبل فترة وليست الآن". وأوضح أن "هذه المعلومات وردتني منذ مدة وتتضمّن خطة لتشكيل فصائل وقوى من العرب السنّة، لمقاومة الأميركيين وجعلهم رأس الحربة ضد الوجود الأميركي، لا سيما أن وجود الجيش الأميركي كله هو في مناطق العرب السنّة شمال وغرب ووسط العراق".
وأضاف النجيفي: "هناك اتصالات مع قوى سنّية لها صلات أو علاقة مع فصائل أو شخصيات سابقة مقاوِمة للوجود الأميركي، لفتح طريق تواصل معها تحت عنوان مقاومة الأميركيين"، معتبراً أنه "حراك على مستوى ضيق بطبيعة الحال، لكن نعم هناك عملية تشجيع لجهات سنّية على مشروع مقاومة جديد وأرى أنه جدي؛ فالأمر لن يقف عند التظاهرات أو التحريض الإعلامي بالنسبة إلى إيران حيال الوجود الأميركي في العراق".
وتابع النجيفي أنّ "المناطق السنّية فيها ضعف وفقر، ومن الممكن أن يتم استغلال ذلك ودفع الأموال للذين يقومون بهذه المهمة، وأيضاً يتم منح النفوذ والمكانة لمن يتولى أو يتصدّر هذا المخطط من العرب السنّة، من خلال نفوذ إيران المهيمن بالعراق"، مؤكداً أنّ "القضية مطروحة فعلاً من خلال بعض الفئات السياسية التي تصدرت المشهد أخيراً كممثلة عن العرب السنّة، وهي قوى هزيلة لا ثقل لها في الشارع ولا نفوذ، لكنها قريبة من الخط الإيراني". وحذّر النجيفي من "حطب جديد من الشعب العراقي تحت خانة الصراع الإيراني-الأميركي في العراق". وختم بالقول: "الشعب العراقي ككل يجب أن يبعد نفسه عن أي صراع مستقبلي بين واشنطن وطهران، ومصلحتنا في البقاء متفرجين لا لاعبين، فاستقرار العراق أهم من أي شيء آخر، وأحذر من أن يكون المواطن العراقي، حطباً لصالح إيران ومشاريعها. كما أنّ التورّط في ذلك يعني عزلة تامة للعراق ودماراً وفقراً أكثر مما هو عليه اليوم".
بدوره، أكّد رعد الدهلكي، النائب العراقي والقيادي في تحالف "الوطنية"، بزعامة إياد علاوي، أيضاً أنّ "هذه المعلومات تتردد في الأجواء منذ فترة"، موضحاً في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "هذه لعبة جديدة ونتحسسها ونخشى منها، لكن أعتقد أنّ الشارع العراقي ككل صار أكثر وعياً، ولن تنطلي عليه هذه الأمور، خصوصاً السكان في المدن العربية السنّية شمال العراق وغربه". وأكّد الدهلكي أنّه "على الحكومة أن تتخذ موقفاً صريحاً؛ هل هي مع طرف دون آخر أم تقف على الحياد؟ وكذلك أن تكون أكثر صراحة، لأن الغموض يجعل العراق ساحة تصفية حسابات".
وتابع أنّ "مناطق شمال العراق وغربه الآن شغلها الشاغل هو إعادة الإعمار، وإعادة النازحين، وهذه مهمة حالياً تحتاج إلى جهود التحالف الدولي بعد أن تنصّلت الحكومة من وعود الإعمار لإعادة الحياة لهذه المناطق". وختم بالقول: "أعتقد أنّ العرب السنّة يعون خطورة ذلك، ويعون أنّ مناطقهم منهكة، وهم يحتاجون إلى من يمد لهم يد المساعدة من أي جهة دولية كانت، لا أن يرفعوا السلاح مرة أخرى"، معتبراً أنّ "الدفع بقوى وجهات سنّية لتبني خطاب ضدّ الأميركيين هو من جهات تحترف القتال بأدوات خارجية من خلف الستار، وتريد أن تجعل العراقيين أمام فوضى كبيرة"، مؤكداً أنّ "أي دعوات من هذا القبيل ستكون مرفوضة بطبيعة الحال، ويجب ألا نقع في الفخ الذي يجري إعداده حالياً".
أمّا النائب عن مدينة الفلوجة (غربي العراق) ضمن تحالف "المحور"، فالح العيساوي، فقال إنّ "عام 2003 ليس كعام 2019، فمقاومة الأميركيين وقتها تمت من منطلق أنهم قوى احتلال واستشهد الكثير ونعتزّ بهم. لكن الآن الأمر مختلف تماماً، ونحن نتعامل مع الأميركيين اليوم كضرورة وكحلفاء وأصدقاء، فهم يدعمون حالياً مناطقنا المدمرة ونرفض أي عمل ضدهم ونعتبره تخريباً وإرهاباً وليس مقاومة، وهذا رأينا كتحالف محور يمثّل تلك المناطق". وأوضح في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، أنّ "أي مخطط مستقبلي في هذا الإطار لن يكون مرحباً به وسيكون مرفوضاً، بل سيواجهه أبناء تلك المناطق قبل قوات الأمن العراقية".
من جهته، أكّد أحد أعضاء البرلمان العراقي عن تحالف "الإصلاح"، الذي يعدّ مقتدى الصدر وإياد علاوي وحيدر العبادي أبرز أقطابه، أنّ "جهات إيرانية مرتبطة بالحرس الثوري تتحرّك نحو شخصيات وقوى عربية سنّية بمدن الأنبار وصلاح الدين ونينوى وديالى وبغداد وكركوك على وجه التحديد، بهدف حشدها ضدّ الوجود الأميركي في العراق، وللإعلان عن رفضها لهذا الوجود والدعوة لحمل السلاح ضدها واعتبارها قوات احتلال إذ ما تطلب الأمر"، لافتاً في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أنّ "إيران تحاول التواصل فعلياً مع قوى سنّية معروفة برفضها للوجود الأميركي ومقاومته خلال سنوات احتلاله العراق (2003 ــ 2011)".
وأشار النائب الذي فضّل عدم الكشف عن اسمه، إلى أنّ "طهران نجحت فعلاً في أخذ ضمانات من كتل عربية سنّية بالتصويت لصالح المشروع الذي سيقدمه تحالف الفتح ودولة القانون، والقاضي بإخراج القوات الأجنبية ومنها الأميركية من العراق". ويجري الإعداد لهذا المشروع حالياً من قبل فريق سياسي مؤلف من نواب سابقين وحاليين يتبعون تحالف "الفتح" بزعامة هادي العامري، و"دولة القانون" بزعامة نوري المالكي.
وتعليقاً على هذه المعلومات، اعتبر الباحث في الشأن العراقي، لقاء مكي، أنّ "هذه المعطيات متوقعة من الجانب الإيراني، وهدفها بطبيعة الحال حشد أكبر قوة ممكنة لمواجهة الأميركيين في العراق حالياً ومستقبلاً"، مضيفاً في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "إشراك العراقيين العرب السنّة سيخدم الهدف الإيراني الذي يتمثّل في اتجاهين: الأول إعطاء انطباع بأن المواجهة الأميركية مع كل العراقيين وليست مع القوى الشيعية القريبة من إيران، والثاني هو ضمان أن تكون العمليات المسلحة، في حال الاضطرار لها، ضمن مناطق عراقية بعيدة عنها، شمال العراق وغربه. وفي حال ردَّ الأميركيون على هذه المقاومة، فستكون أيضاً داخل مناطق السنّة، والخسائر ستكون محصورة داخلها".
وأوضح مكي أنّ "العراق قد يكون مهيأً لفوضى جديدة تحت هذا العنوان، لكنها غير مؤكدة، ذلك لأن المواجهة الأميركية-الإيرانية محتملة وغير مؤكدة، وقد تستمر بحدود التصعيد الكلامي أو السياسي. فواشنطن حتى الآن لم تستجمع كل أوراقها، كما أنها حتى الآن لم تتخذ أي شكل هجومي يسمح بصراع مسلح، وننتظر قمة وارسو (الشهر المقبل) وطبيعة التحالف الجديد المراد تشكيله لمواجهة إيران، وأيضاً إمكانية حلّ الأزمة الخليجية، لأنه مع وجود الخلاف بين حلفاء واشنطن، سيكون من الصعب التمهيد لمواجهة إيران".