مارين لوبان والتعصّب لليمين المتطرّف أوروبياً: ورقة انتخابية رابحة؟

15 مارس 2019
ينتاب لوبان بعض الزهو بعد تزايد شعبيتها (مارتن بورو/Getty)
+ الخط -
مارين لوبان متعصبة للبرنامج الذي يجذب قاعدة صلبة من الناخبين، ويغري ناخبين جدداً، أصابتهم أحزاب أخرى بالخيبة، ولا يمكن أن تغيّره، على الرغم من أنّ الحقائق تقول عكس ذلك. إذ ما دام يوجد أناس يُصدّقون ويستعدون للتصويت، فلا حاجة للمراجعة.

ينتاب لوبان، منذ أسابيع، بعض الزهو، فاستطلاعات الرأي تمنحها تقاسُم الصدارة مع حزب الرئيس إيمانويل ماكرون. ولا تفكّر لوبان، التي تريد من الانتخابات الأوروبية المقررة في مايو/أيار المقبل، أن تكون تصويتاً ضد ماكرون وحكومته، إلا في الانتقام من الرئيس، ومحاولة محو إنجازها الباهت في المناظرة التاريخية ضده، قبل سنتين، في انتخابات الرئاسة.

ولهذا السبب لا يضيرها في شيء أن تنشر الخوف والقلق من المستقبل. وهذا ما عمدت إليه، رئيسة حزب "التجمع الوطني" اليميني المتطرف، أمس الخميس، عندما حلّت ضيفة رئيسية على البرنامج الأسبوعي "البرنامج السياسي" في القناة الفرنسية الثانية.

وحيال الأحداث، لا سيما في بلد جار كالجزائر وتربطه علاقات تاريخية وعاطفية مع فرنسا، أعادت لوبان نفس القراءة ونفس الأجوبة التي عبّرت عنها، الأسبوع الماضي، وهي تشاهد، مثل كل الفرنسيين، خروج الشبيبة الجزائرية للتظاهر من أجل ثني الرئيس عبد العزيز بوتفليقة عن الترشح لولاية خامسة، وخروج جزائريين وفرنسيين من أصول جزائرية في بعض ساحات فرنسا للتضامن معهم.

وفي الوقت الذي كان فيه بعضُ الساسة الفرنسيين يؤيدون الاحتجاجات السلمية ويتعاطفون مع تطلعات المتظاهرين الجزائريين إلى مستقبل أفضل وأكثر ديمقراطية، كانت مارين لوبان تحذّر من تدفق ملايين الجزائريين إلى فرنسا.

واستشهدت أمس، هذه المرة، بالصحافي الجزائري المقيم في فرنسا محمد سيفاوي، وهو صحافي مثير للجدل؛ يتحدث عن "احتمال وُصول ما بين 10 و15 ملايين جزائري في حال حدوث كارثة"، على الرغم من أنّ الجزائر شهدت حرباً أهلية "عشرية" دامية، ولم تشهد فرنسا تدفق جزائريين إليها.

ووصل التهويل بمارين لوبان إلى درجة أكثر وقاحة، حين طلبت، أكثر من مرة، من وزارة الخارجية الفرنسية وقف تسليم التأشيرات للمواطنين الجزائريين، مرتكزة على وجوب "أخذ الحيطة والحذر واستباق الأمور"، على الرغم من أنّ معطيات وزارة الداخلية الفرنسية تشير إلى أن فرنسا تمنح أكثر تأشيرات للصينيين والروس، وأنّ عدد من دخل سنة 2018 من الجزائريين أقل بكثير من عدد 2017.

ومارين لوبان، هي في حماسها المفرط، تقترف كثيراً من الأخطاء، ولكنها مقصودةٌ، مثلما فعلت أثناء مناظرتها للمرشح ماكرون، قبل سنتين. فقد ارتكبت خطأ حين زعمت أنّ التلقيح على الحصبة إلزامي في فرنسا، وهو غير ذلك، إذ لم يصبح إلزامياً إلا في 1 يناير/كانون الثاني 2018. وهو ما دفع وزيرة الصحة أنييس بوزين، للتأكيد على أنّ لوبان"متعودة على التصريح بمغالطات".

ولا تتوقف المغالطات عند هذا الحد، فقد قرأت مارين لوبان، بوحي من نزوعها القُطري والسيادويّ، معاهدة "إيكس-لا-شابيل"، 22 يناير/كانون الثاني 2019، بين فرنسا وألمانيا، قراءة مغلوطة حين قالت إنّها تنصّ على تقاسم منصب فرنسا في مجلس الأمن مع الجار الألماني، وأضافت "بل وتنص حتى على تقاسم قوتنا النووية". غير أنّ المعاهدة لا تنص، إطلاقاً، على ما زعمته لوبان من "تخلّي فرنسا عن بعض المناطق لألمانيا"، وكانت مارين لوبان رأت في توقيع المعاهدة من دون جلبة "فعلاً يقترب من الخيانة".


إلى ذلك، واصلت مارين لوبان هجماتها على الضواحي والأحياء الشعبية، كعادتها، من أجل شق الوحدة الوطنية، وكانت شرسة في مواجهة عمدة مدينة أوبيرفيليي؛ الضاحية الباريسية التي تديرها الشيوعية مريم درقاوي، وهي من أصول مغربية.

ففي مواجهة هذه العمدة التي انتقدت خطاب مارين لوبان، الذي تفوح منه روائح "الكراهية"، كراهية المهاجرين والأجانب و"الوصم" و"التمييز"، كان جواب مارين لوبان جاهزاً: "إنّ الجمهورية الفرنسية للجميع"، وهذه الضواحي هي ليست فقط "مناطق لا قانون"، بل هي "مناطق قانون آخر"، أي يديرها قانون غير القانون الفرنسي، في إشارة إلى مصطلح "أسلمة فرنسا"، الذي يستخدمه رموز اليمين المتطرف الفرنسي من إيريك زمور وعمدة مدينة بيزيي، وغيرهم كثر.

وبخصوص التحالفات الأوروبية، لا شيء تغيّر في برنامج مارين لوبان، فهي دائماً مع نفس الحلفاء، مع أمل توسيع دائرتهم.

وهو ما يتجلّى في دعمها المستمر للقرارات الحكومية في إيطاليا، سواء تعلّق الأمر بقضايا المهاجرين واللاجئين أو بمواجهة قرارات الاتحاد الأوروبي التي تعتبرها قرارات "نابعة من السيادة الوطنية ومن الإرادة الشعبية التي أوصلت التحالف القائم في إيطاليا"، وتتأسف لأنّه "لا يوجد في فرنسا قادة"، غيرها، "قادرون على اتخاذ قرارات جريئة".

وكل السلبيات في نظرها، هي من مسؤولية الاتحاد الأوروبي، وهو ما جعلها ترحب بخروج بريطانيا من الاتحاد "بريكست".

وعلى الرغم من مشاكل مارين لوبان مع القضاء الفرنسي، وهو ما جعل حزبها أقل نشاطاً من السابق، إلا أنّه استعاد حركيته بعد ماراتون قامت به في مناطق فرنسا، بداية 2019، وسينتهي بتنظيم تجمع كبير في روما في 29 من مارس/آذار الحالي، إلى جانب حلفاء الحزب اليميني الفرنسي، ومنهم الإيطالي ماتيو سالفيني وحزب "البديل من أجل ألمانيا" وحزب "الحرية" النمساوي، وحزب "القانون والعدالة" البولندي.

وتراهن مارين لوبان على الدخول في تحالفات أوسع، في مشروع "أوروبا الأمم"، الذي تدافع عنه، في مواجهة الاندماج الأوروبي أو الفدرالية الأوروبية.

وهي تراقب شعبيتها في ازدياد، مع صمود حزبها في صدارة استطلاعات الرأي، إلى جانب حزب الرئيس ماكرون، لن تتخلى لوبان قيد أنملة عن برامجها، رغم أنّ بعض بنوده تثير الاشمئزاز، داخلياً وخارجياً... فمن يغيّر فرسَه الرابحة؟