تغيرت أحوال معبر رفح البري الذي يفصل قطاع غزة المحاصر عن الأراضي المصرية سريعاً. وتبدلت حالة الارتياح للإجراءات المصرية إلى النقيض تماماً، مع إغلاق المعبر، منذ أكثر من ثلاثة أشهر، من دون فتحه للعالقين الراغبين في الخروج من أكبر سجن بشري في العالم. وفي غزة، التي استبشرت قبل أشهر بإعلانات مصرية متكررة بفتح المعبر، وبتسهيلات غير مسبوقة للسكان، بات الإحباط سيد الموقف، وغطى الغبار بوابات منفذ رفح، بعد أشهر من إغلاقها بوجه أكثر من 25 ألف محتاج للسفر بشكل إنساني مستعجل. الحجج المصرية للإغلاق هي ذاتها، الظروف الأمنية لا تسمح. لكن في مثل هذه الظروف الأمنية، وأسوأ منها، كان المعبر يعمل بشكل شبه طبيعي سابقاً، ولم يكن ليشكل ذلك عبئاً ولا ثقلاً على السلطات المصرية، التي لم تشكو يوماً من إخلال أي مسافر فلسطيني مر عبر المعبر بالأمن في مصر.
حركة "حماس" وحكومتها وأجهزتها في قطاع غزة لا تملك إجابة عن السؤال الذي يتكرر يومياً على ألسنة السكان بشأن المعبر، فهي أيضاً تخضع لمزاجية التعامل المصري معها، وتبدو الاتصالات منقطعة، منذ أشهر، بينها وبين السلطات المصرية الرسمية والأمنية، التي منعت رئيس مكتبها السياسي الجديد، إسماعيل هنية، من مغادرة غزة إلى قطر. وبينما تحاصر غزة من قبل إسرائيل ويُضيق عليها الخناق من قبل مصر، يصبح سكان القطاع، البالغ عددهم نحو مليوني إنسان، ضحايا سياسة لا ترحم، ولا تعرف للحاجات الإنسانية ممراً، مع تصاعد الأزمات في القطاع، ووصولها إلى مرحلة خطيرة تنبئ بالمزيد من المآسي وربما الوصول إلى حرب جديدة.
ويقول مدير الإعلام في معبر رفح البري، وائل أبو محسن، لـ "العربي الجديد"، إنّ المنفذ الوحيد للسفر لأكثر من مليوني مواطن غزي على العالم فتح خلال العام الحالي 10 أيام فقط، في حين أغلق لأكثر من 141 يوماً منذ بداية 2017. ويوضح أن عدد المسافرين الذين تمكنوا من السفر خارج القطاع بلغ نحو 2624 مسافراً من القوائم المسجلة ضمن كشوفات وزارة الداخلية والكشوفات المصرية، في حين عاد إلى القطاع 3106 أشخاص، في الوقت الذي أرجعت فيه السلطات المصرية 203 مسافرين للقطاع أثناء مغادرتهم من دون إبداء أية أسباب عن ذلك. ويشير إلى أنه، ورغم حالة التحسن التي شهدها عمل المعبر الذي يربط القطاع المحاصر إسرائيلياً بالأراضي المصرية، منذ الربع الأخير للعام 2016 وحتى مارس/آذار الماضي، فإن عدد أيام إغلاق المعبر أمام حركة الوصول بلغت أكثر من 90 يوماً، في الوقت الذي فُتح فيه قبل نحو شهر لمدة أربعة أيام فقط من أجل عودة العالقين خارج القطاع إليه. ويلفت مدير الإعلام في معبر رفح البري إلى أن السلطات المصرية باتت تسمح، في كل مرة يتم فيها فتح المعبر، بإدخال شاحنات تحمل بضائع تجارية ومواد للإعمار، كالإسمنت وطلاء المنازل، والسيارات والأخشاب بالإضافة إلى الأسماك. وعن وجود اتصالات أو ترجيحات بقرب فتح المعبر مجدداً أمام المسافرين، يؤكد أبو محسن أنه لا وجود لمعلومات تدل على قرب فتح المعبر، في الوقت الذي يتواصل فيه إغلاق المعبر أمام حركة المغادرة للشهر الثالث على التوالي، وهو ما رفع نسبة المسجلين للسفر لدى وزارة الداخلية بغزة.
وسجل نحو 25 ألف فلسطيني أسماءهم في كشوفات السفر لدى الهيئة العامة للمعابر والحدود في غزة، بانتظار فتح المعبر والسماح لمن يحالفه الحظ منهم بالمغادرة، وجميعهم من الحالات الإنسانية، كالمرضى، والطلاب وحملة الإقامات والجنسيات الأجنبية، الذين يحتاجون إلى المغادرة بشكل فوري. ويتوقع كذلك أنّ تزداد أعداد المسافرين الراغبين في مغادرة غزة أو العودة إليها، مع استمرار إغلاق المعبر ومنع الدخول والخروج من غزة، فيما ترفض إسرائيل، عبر معبرها الوحيد أيضاً، السماح لغالبية سكان غزة بالمرور إلى الأراضي المحتلة أو العالم الخارجي.
وفي السياق، يشير رئيس هيئة الحراك الوطني لكسر الحصار عن غزة، علاء البطة، في حديث، لـ"العربي الجديد"، إلى أن إغلاق معبر رفح يمثل كارثة للفلسطينيين، على اعتبار أنّ هذا الإغلاق يزيد من المعاناة المتفاقمة في القطاع، مع تشديد الحصار الإسرائيلي. وتضاعفت الحاجة إلى فتح معبر رفح البري بشكل منتظم في ظل تضاعف الحاجات الإنسانية وزيادة الأزمات في القطاع، وفق البطة، الذي يلفت إلى أنّ استمرار إغلاق المعبر يمثل "كارثة حقيقية يعاني منها كل الفلسطينيين في قطاع غزة". ويقول "نحن لا نجد تبريراً لاستمرار إغلاق معبر رفح. كان هناك وعود جميلة وفضفاضة، ووفود، وصلت إلى مصر بدعوة من الأجهزة السيادية، وعدت أن يتم فتح المعبر عما قريب، واعتبرت أن استمرار إغلاقه غير منطقي وغير مبرر، وبعد فترة من الأداء الجيد لمعبر رفح يتم إغلاقه لفترة طويلة، بلا مبرر حقيقي". ويوضح أنّ غزة تُقدر الخصوصية الأمنية في مصر، لكن المعبر عمل في أوقات سابقة في ظروف أمنية أسوأ من تلك التي تعيشها مصر حالياً، وكان هناك انسيابية وراحة في العمل من خلال المعبر، مشدداً على أنّ استمرار الإغلاق من دون مبررات حقيقية "يضع علامات استفهام كبيرة في ضوء الحاجة الماسة لفتحه، ويؤدي إلى مشاكل إنسانية". ويبينّ البطة أنّ معبر رفح أصبح أخيراً شرياناً حقيقياً لغزة، عبر مدها بكميات من المواد التي تخفف من حدة الحصار المفروض على القطاع، سواء الطبية أو التجارية ومواد البناء، متحدثاً عن ضرورة أنّ يعمل المعبر بشكل مريح كما نصت الاتفاقيات الدولية الناظمة لعمل المعابر الحدودية بين البلدان.