نِزال الصدر و"الدعوة": شلل بغداد في معركة الحليفَين

18 مارس 2016
كسر أنصار الصدر حواجز محيط المنطقة الخضراء(أحمد الربيعي/فرانس برس)
+ الخط -
لا يمكن التكهّن بما ستؤول إليه الأزمة السياسية الجديدة في بغداد بعد تطورات، أمس الجمعة، والتي تسببت بشلل شبه كامل لمعظم مناطق العاصمة إثر التظاهرات التي دعا إليها زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر. وكسر الآلاف من أنصار الصدر الحواجز المقامة في محيط المنطقة الخضراء، ووصلوا إلى بواباتها الرئيسية الثلاث، ونصبوا خيامهم هناك، ما دفع رئيس الحكومة العراقية، حيدر العبادي، إلى سحب جزء من قوات الجيش القتالية المتواجدة في محيط بغداد الغربي مع الأنبار وإدخالها لتأمين العاصمة. وجاءت هذه الخطوات، في ظل تصاعد حدّة البيانات والتصريحات بين قيادات التحالف الوطني الحاكم للبلاد، والذي بلغ ذروته في بيان لنائب رئيس الجمهورية، رئيس كتلة دولة القانون، نوري المالكي، قال فيه "الرجال بالرجال والسلاح بالسلاح".

وتجمّع أكثر من 2500 مناصر للصدر على أبواب المنطقة الخضراء، وتحديداً، بوابة جسر الجمهورية، وكرادة مريم، والجسر المعلّق، والبوابة الأخيرة المخصصة لرئيس الحكومة، والوزراء، فضلاً عن السفارتَين الأميركية والبريطانية. وأعلن المتحدث باسم التيار الصدري، كاظم العيساوي، البدء رسمياً بالاعتصام أمام بوابات المنطقة الخضراء حتى تنفيذ مطالب الإصلاح، داعياً قوات الأمن إلى عدم المساس بالمعتصمين.

ورصدت "العربي الجديد" على جانبَي الكرخ والرصافة من بغداد، شللاً تاماً لحركة السيارات، والمشاة، والأسواق، تحسباً من حدوث صدامات بين أنصار الصدر وقوات الأمن، أو مليشيا "العصائب" التي تنافس التيار الصدري، والتي أعلنت موقفها الداعم للحكومة. فيما شوهدت مروحيات عسكرية تجوب سماء المنطقة الخضراء على علو منخفض. 
 
عصيان الجيش للأوامر
يقول العميد الركن محمد جاسم الأحباني (قوات قيادة عمليات بغداد)، لـ"العربي الجديد"، إن "المعتصمين جلبوا معهم ملابس وأطعمة ونصبوا خيماً عند بوابات المنطقة الخضراء، والاحتكاك بهم غير وارد"، مبيناً أنهم (المعتصمين) "طالبوا الجيش بالابتعاد عنهم، وهو ما حدث، تجنباً لأي تصعيد".

فيما تؤكد مصادر عسكرية أخرى أنّ رئيس الوزراء، القائد العام للقوات المسلحة، حيدر العبادي، أمر بفتح تحقيق مع ستة ضباط كبار في الجيش والشرطة الاتحادية، اتُّهموا بتسهيل كسر أنصار الصدر للحواجز وعصيان أوامر محددة مُنحت للجيش في منعهم من الوصول إلى منتصف جسر الجمهورية المؤدي للمنطقة للخضراء. إلّا أن الضباط، بحسب المصادر، أمروا بوضع الحواجز نهاية الجسر الذي يمكن من خلاله استغلال فتحات أسفل نهر دجلة للمرور إلى المنطقة الخضراء، لافتاً إلى أن الضباط متهمون بـ"التعاطف مع التيار الصدري". 
 
وأصدر وزير الداخلية العراقي، محمد ثامر الغبان، بياناً تعليقاً على وصول أنصار الصدر إلى محيط المنطقة الخضراء، ونجاحهم في إقامة الاعتصام، قال فيه، إن "التيار الصدري تجاوز القانون والدولة، ولم يعطها اعتباراً في تجاوز الموافقات الرسمية، وعدم الاهتمام بالإجراءات الرسمية. كما ارتكب أتباع التيار الصدري خطأ فادحاً في عبور جسرَي السنك والجمهورية بطريقة غير منظمة"، مبيناً أن "وزارة الداخلية لم تعط الموافقات الرسمية لإقامة أي تجمع، أو تظاهرة، أو اعتصام، اليوم (أمس) الجمعة". وأضاف أن "الوزارة أوصت قوات الأمن بعدم الاحتكاك مع المتظاهرين أو المعتصمين".

تحذير من استهداف المعتصمين
من جانبه، يقول القيادي في التيار الصدري، حسين البصري، لـ"العربي الجديد"، إن "الاعتصام سيمضي، ولن يتمكن أحد من المساس بالمعتصمين، ولن يُفضّ حتى تحقيق المطالب، وإنهاء مهزلة 13 سنة من الموت، والجوع للشعب، والثراء والنعيم لحكام المنطقة الخضراء"، على حدّ تعبيره. ويضيف أنّ "أعضاء الهيئة السياسية متواجدون بين المعتصمين. ونأمل من قوات الأمن أن يكونوا أحراراً، ولا ينساقون لأي أمر حكومي لا يصبّ بصالح الشعب"، مؤكداً مشاركة "مكوّنات عراقية أخرى في الاعتصام، كالسنة، والمسيحيين، والتيار المدني، والحزب الشيوعي"، وفقاً لقوله.

اقرأ أيضاً العراق: توجيهات للعبادي بفرض الأمن.. واعتصام الصدر يتواصل

ومع بدء الساعات الأولى للاعتصام، شهدت بغداد شللاً في حركة المواطنين، وإغلاق معظم الأسواق، مع انتشار عشرات الآلاف من قوات الأمن في أحياء ومناطق العاصمة على جانبَي الكرخ والرصافة. وتؤكد تسريبات حصلت عليها "العربي الجديد" من مصادر حكومية، إيقاف السفارتَين الأميركية والبريطانية في المنطقة الخضراء نشاطهم الخارجي، بشكل مؤقت، مثل اللقاءات، والبرامج الإنسانية التي تنفذها لصالح النازحين، عقب بدء الاعتصام الذي لا يعرف كيف سينتهي حتى الآن، وفقاً لهذه المصادر ذاتها.

انقسام التحالف والمرجعية تبارك

وتحفّظ عدد من كتل التحالف الوطني على بيان كتلة "دولة القانون" التي تُمثّل حزب "الدعوة" داخل التحالف، بعد بيان المالكي الذي وصف فيه حركات التيار الصدري بـ"التهديد المبطّن للدولة والقانون"، مهدداً بعبارة "الرجال بالرجال والسلاح بالسلاح". كما أعلن رئيس كتلة "بدر"، هادي العامري، تحفّظه على بيان المالكي بسبب ما احتواه من "كلمات قاسية". فيما عد المجلس الأعلى بزعامة عمار الحكيم، البيان بـ"غير الصحيح والخاطئ"، داعياً إلى "اجتماع طارئ، ووقف التصعيد الإعلامي، والتهديد بين مكونات التحالف". كما أعرب عن "خشيته من تسلل بعض الخلايا النائمة للاعتصامات"، في إشارة إلى مخاوف من تفجيرات ينفذها تنظيم "داعش" بين المعتصمين، لإحداث فتنة.

في المقابل، بدا موقف المرجعية الدينية في النجف مختلفاً تماماً من التطورات، وفُسّرت على أنها ترك الأمور تجري من دون تدخل منها. وقال ممثل المرجع الديني، علي السيستاني، صدر الدين القبانجي، في خطبة الجمعة، إن "الأزمة السياسية الحالية تمثّل في وجهها الآخر رشداً، ووعياً سياسياً وجماهيرياً". وأضاف القبانجي "لسنا قلقين على مستقبل العراق لأن هناك شعباً حاضراً وواعياً".

بين المعلن والغامض
مطالب مقتدى الصدر التي بدت مقبولة إلى حد كبير في الشارع العراقي بمختلف طوائفه التي وجدتها واقعية، بحسب المعلن منها، هي تغيير جذري في حكومة العبادي، وتسمية وزراء مستقلين تكنوقراط، وعدم تدخل الكتل السياسية في اختيارهم، فضلاً عن استبدال رؤساء الهيئات والمؤسسات المستقلة، وإنهاء عمل أخرى تجري منذ سنوات بالوكالة، وتقديم المتورطين بالفساد وإهدار أموال الشعب للقضاء. في حين يصرّ العبادي و"الدعوة" على أن التغيير يكون على مرحلتَين في الحكومة، وأن تقوم الكتل السياسية بتسمية وزراء تكنوقراط من بينها. وهو ما يعتبره الصدر غير مجدٍ وإعادة تدوير للمشكلة لكن بصورة أخرى وتخديراً للشعب.

ووفقاً لعضو كتلة "الأحرار" التابعة للتيار الصدري في البرلمان، ضياء الأسدي، فإنّ ما يطرحه رئيس الحكومة غير عملي، ولا ينتج عنه نهاية لمعاناة الشعب. ويضيف الأسدي لـ"العربي الجديد"، أن "المطلوب هو حكومة حقيقة لا حكومة أحزاب وولاءات طائفية، وحزبية، وقومية ضيقة"، مبيناً أن "الصدر اقترح على العبادي البدء بتسمية وزراء مستقلين لإدارة الدولة وسيكون أول من يدعمه، إلّا أن الأخير يرفض ذلك"، وفقاً للأسدي.

في المقابل، يؤكد قيادي بارز داخل التحالف الوطني، أنّ "الصراع الداخلي بين كتل التحالف هو المحرك الأول في الأزمة السياسية. وهناك مطالب أخرى تفاقمت بين حزب الدعوة والتيار الصدري لم يعلن عنها. ويقول القيادي لـ"العربي الجديد" إن "التيار الصدري يطالب بتغيير مؤسسات يهيمن عليها حزب الدعوة، ويعتبرها أهم من أي منصب آخر، ويراها خطاً أحمر يمنع أي من كتل التحالف الاقتراب منها"، على حدّ تعبيره.

ويضيف أنّ "حزب الدعوة، حالياً، يسيطر على المفوضية العليا للانتخابات التي يطالب الصدر داخل اجتماعات التحالف بحلّها وتشكيل غيرها منذ عامين، بسبب نتائج الانتخابات الأخيرة التي حصل فيها المالكي والدعوة على نسبة أصوات كبيرة داخل مدن تعتبر معاقل للتيار الصدري وأخرى سنية. وهو ما يعتبره التيار الصدري تزويراً وتلاعباً من المفوضية"، وفقاً لمصادر التحالف. ويتابع، أنّه يضاف إلى ذلك "سيطرة حزب الدعوة على البنك المركزي، وهيئة الإعلام والاتصالات، وهيئة حقوق الإنسان، وديوان الرقابة المالية، وهيئة الهلال الأحمر، والمحكمة الدستورية، والمحكمة الاتحادية، وهيئة السجناء السياسيين، ولجنة العلاقات الخارجية. وهي هيئات ومؤسسات حساسة ومهمة في الدولة".

ويكشف قيادي آخر في التحالف، وهو من المجلس الأعلى لـ"العربي الجديد"، عن جانب خفي من الصراع الحالي بين التيار الصدري و"الدعوة"، بقوله إنّ "الدعوة يقلّد المرجع الديني الإيراني، محمود الشاهرودي، المعروف بمواقفه السلبية من مراجع النجف وكربلاء، وأبرزهم التيار الصدري. ويتهم المنتمون للتيار الصدري حزب الدعوة أنّه يعمل وفقاً لرأي مرجعية الشاهرودي وليس لمصلحة شيعة العراق"، على حدّ تعبيره. ويلفت إلى أنّ "موقف المرجعية، اليوم، قد يفسر كثيراً من ذلك، وتبدو مرتاحة لتحرك الصدر ضمن سجال أو صراع بدأ يظهر بين النجف ومراجع طهران، أخيراً، وبشكل جليّ"، وفقاً للقيادي ذاته.

اقرأ أيضاً العراق: ائتلاف المالكي يلوّح باستخدام القوة ضدّ تيّار الصدر

المساهمون