تقديرات إسرائيلية: سباق تسلح وارتفاع احتمالات المواجهة

07 ديسمبر 2019
قدرات جيش الاحتلال تتأثر بالأزمة السياسية (جلاء مرعي/فرانس برس)
+ الخط -
بدأت الأزمة السياسية الداخلية في إسرائيل تلقي بظلالها على قدرات جيش الاحتلال في إكمال استعداداته لاستبدال أسلحته القديمة بأسلحة جديدة، وبدء تطبيق الخطة الخمسية التي اقترحها رئيس أركان جيش الاحتلال الجديد، أفيف كوخافي، في ظل تغييرات إقليمية من شأنها أن تزيد من تعقيدات ما ستضطر دولة الاحتلال إلى مواجهته في الأيام المقبلة.
وكشفت صحيفة "يديعوت أحرونوت"، في هذا السياق، إشكالية عجز الجيش حالياً عن تغيير أسراب مروحيات عسكرية قتالية من طراز "يسعور"، على الرغم من أن الجنرال كوخافي وجد أنه تتوفر للجيش ميزانية 12 مليار شيقل (نحو 3 مليارات و500 مليون دولار) لشراء أسلحة جديدة، وتطبيق خطته التي عرضها على رئيس الحكومة والكابينيت، لكنه بحاجة لمصادقة من رئيس الحكومة، ومن وزير الأمن ومن الكابينيت السياسي والأمني لتطبيق خطة الشراء والتزود بأسلحة جديدة.

واعتبرت "يديعوت" في تقرير موسع أن هذا الأمر يتصل بشكل واضح بالتقديرات الأخيرة التي عُرضت أمام 30 ضابطاً من هيئة الأركان العامة وقادة الجيش، يوم الاثنين الماضي، وأشارت إلى قناعة بأن المنطقة مقبلة على سباق تسلح متسارع تمهيداً لمواجهة عسكرية آتية، في موازاة حالة من الجمود في الأزمة السياسية الداخلية في إسرائيل.
وبحسب التقرير الذي نشره المحلل العسكري أليكس فيشمان، فإن رئيس قسم الأبحاث في شعبة الاستخبارات العسكرية، "أمان"، البريغدير جنرال درور شالوم، يشير إلى تصعيد في سباق التسلح بين محور إيران-سورية-"حزب الله"، وبين إسرائيل، مع تمكّن المحور الإيراني من تقليص الفجوات عبر تحسين قدراته التكنولوجية (في إشارة للصواريخ الإيرانية البالستية).
وأعلن رئيس قسم الأبحاث، أنه على الرغم من كل المحاولات والجهود التي بذلها جيش الاحتلال الإسرائيلي وأجهزة المخابرات المختلفة، فإن تعاظم القوة الإيرانية في المنطقة سجل ارتفاعاً كبيراً. ووفقاً لهذه التقديرات، تواصل إيران إنتاج ونشر (على أراضيها) مئات الصواريخ الدقيقة بعيدة المدى الموجّهة نحو إسرائيل، كما أن البنية التحتية الإيرانية في سورية وعلى الرغم من الضربات الإسرائيلية المتتالية لها، إلا أنه يمكن الافتراض أنه سيكون بمقدور الإيرانيين خلال العام المقبل، نصب صواريخ دقيقة بالقرب من الحدود مع هضبة الجولان.

هذه التقديرات ترتبط أيضاً بما تراه إسرائيل عودة إيرانية للملف النووي، وإن كانت الخروقات الإيرانية الحالية للاتفاق النووي مع الدول الغربية ذات دلالات رمزية أكثر من كونها ذات دلالات عملية، إلا أنها مع ذلك تشكّل مؤشرات بأنه سيكون على إسرائيل العودة للاستثمار في خطط وبرامج لمواجهة الخيار النووي الإيراني.
تقديرات شبعة الاستخبارات لا تقفز عن لبنان وعن الوضع الجديد لـ"حزب الله" المغاير لوضعه قبل عدوان 2006 وقبل انخراطه في الحرب ضد الشعب السوري إلى جانب نظام بشار الأسد، لا سيما بعد محاولاته الأخيرة، في سبتمبر/أيلول الماضي، اعتراض طائرات إسرائيلية مسيّرة باستخدام صواريخ مضادة للطائرات من طراز SA8 والاتجاه لديه ولدى إيران لترسيخ معادلة رد جديدة على كل عدوان إسرائيلي.

ووفقاً للصحيفة، فإن أحد الحضور من الجنرالات في جيش الاحتلال ذكّر الحاضرين بأن "حزب الله" كان يملك قبل 30 عاماً ألفي مقاتل، أما اليوم فإن عماد قوته هو 30 ألف مقاتل مسلح إلى جانب 15 ألف مقاتل في صفوف الاحتياط، وأن عدد جنود وحدة "الرضوان" التي يفترض أن تقود الهجوم البري باتجاه احتلال مستوطنة داخل إسرائيل هو 5 آلاف مقاتل، ناهيك عن آلاف المقاتلين من المليشيات الشيعية المنتشرين في سورية، ويمكن لهم في حالة المواجهة الانتقال إلى لبنان وزيادة صفوف مقاتلي الحزب بنحو 35-40 ألف مقاتل إضافي.


إلى ذلك لفت التقرير إلى توقّف شعبة الأبحاث عند القدرات التكنولوجية الجديدة التي جلبها معهم الإيرانيون، مثل معدات لتشويش وتعطيل أجهزة التوجيه "جي بي إس"، ومعدات وقدرات لتعطيل وتشويش شبكات الاتصالات، وحرب السايبر، وهي أدوات يفترض أن تتوفر أجوبة لها في خطة رئيس الأركان الجديد، التي تحمل اسم "تنوفاه"، لكن الخطة لم تقر رسمياً وفعلياً بفعل الأزمة السياسية العميقة في إسرائيل، وعدم القدرة على تشكيل حكومة جديدة.
هذه الأزمة تعيق إقرار ميزانية جديدة للجيش لعام 2020 مما يعني إدارة الجيش لنشاطه وفق النسبة الشهرية للميزانية السنوية للعام الحالي، وهو ما قد يضطر الجيش بحسب التقرير، (في حال لم يتم تعديل الميزانية العامة للجيش التي تتراوح بين 29 و32 مليار شيقل وتشكل نحو نصف ميزانية الأمن الإسرائيلية العامة) إلى وقف نشاطه الجاري في مايو/أيار المقبل، ووقف التدريبات المتواصلة على غرار ما حدث عام 2014، وحينها لم يخرج الجيش من أزمته حينها إلا بعد شن العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة مما أوجب إعادة تدفق الميزانيات للجيش. ويتناغم تقرير "يديعوت" مع تقرير موسع نشرته "هآرتس" أمس، أبرز التحديات التي تفرضها عودة "حزب الله" إلى لبنان بعد انتهاء دوره في القتال إلى جانب نظام الأسد، لا سيما في ظل تصاعد التنسيق والتعاون بين "حزب الله" وبين الجيش اللبناني من جهة، وعلى ضوء الخبرات القتالية التي استفاد منها مقاتلو الحزب عبر مشاركتهم في القتال في سورية إلى جانب نظام الأسد، وما تعلموه من مقاتلي وجنود الحرس الثوري الإيراني والقوات الروسية على الأراضي السورية، من جهة أخرى.

وبحسب تقرير "هآرتس"، فإن عناصر "حزب الله" لا سيما قوة "الرضوان" بدأت تنتشر بشكل واضح للعيان، بزي عسكري وبزي مدني في قرى الجنوب، بما يتجاوز الخطوط التي حددها القرار الدولي رقم 1701 الذي شكّل أساس وقف إطلاق النار وإنهاء العدوان الإسرائيلي على لبنان في يوليو/تموز عام 2006.
ومع أن التقرير يشير إلى أن الاستخبارات الإسرائيلية وقيادة المنطقة الشمالية لجيش الاحتلال تدرك المخاطر الكامنة في هذه العودة (وإن كانت تقارير إسرائيلية وتقديرات سابقة توقّعت ذلك على مدار السنوات الماضية) وأدخلت تغييرات على استعداداتها الدفاعية والاستخبارية، إلا أن التقدير العام يرى بأن "حزب الله"، وعلى الرغم من "البلاغية الهجومية" في خطابات الأمين العام للحزب حسن نصرالله، فهو غير معني الآن بحرب مع إسرائيل، ولا يزال مرتدعاً بفعل نتائج عدوان 2006.

لكن التقرير يقول إن ليس كل شيء رهن قرار "حزب الله"، وما يقلق إسرائيل هو ماذا سيختار الحزب في حال طالبته إيران بالتحرك، وهل سيفضل الانتماء الطائفي الشيعي على الانتماء الوطني اللبناني أم لا. وبحسب الصحيفة، فهناك نقاش واختلاف في الرأي حول هذا الأمر في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، وأن التقدير السائد هو أن إيران لن تضغط على الحزب باتجاه مواجهة عسكرية مع إسرائيل إلا إذا كانت هناك حاجة ماسة من قبل طهران لمثل هذه المواجهة.

وفي هذا السياق، يرصد جيش الاحتلال رغبة إيرانية مشتركة مع رغبة لدى "حزب الله" لترسيخ معادلة رد جديدة، على شاكلة عمليات حدودية لا ترتقي لمستوى حرب، إلا أن إسرائيل ترى ذلك لعباً في النار بفعل احتمالات تدهور أي حدث أو اشتباك بفعل خطأ في الحسابات لدى أي من الطرفين، خصوصاً أن التقديرات الإسرائيلية تشير إلى أن وقف مساعي إيران لمشروع تحسين دقة الصواريخ الموجودة بحوزة "حزب الله" هو مؤقت لا غير مما يعني أن المواجهة مع إيران على هذه الخلفية ستندلع إن عاجلاً أم آجلاً.