الأنبار العراقية تتحوّل لثقب أسود من الرمادي إلى الفلوجة

21 يونيو 2016
من معارك الفلوجة (حيدر محمد علي/فرانس برس)
+ الخط -
تواجه الحكومة العراقية حرجاً كبيراً على خلفية معركة الفلوجة، بسبب الانتقادات التي تعرّضت لها دولياً ومحلياً، نتيجة جرائم المليشيات والملف الإنساني ووفاة نازحين في العراء، بعد كذب الحكومة في إعلانها توفير مخيمات ومعسكرات نزوح قبل أسبوع من بدء المعارك، فضلاً عن تأخر الحسم العسكري في المدينة، التي باتت تتقاسم القوات العراقية ومليشيات "الحشد الشعبي" من جهة، وتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) من جهة أخرى، السيطرة عليها.

في هذا السياق، يؤكد ضابط برتبة مقدم من فرقة المشاة السابعة بالجيش العراقي لـ" العربي الجديد"، أن "هناك خطأ عسكرياً في اقتحام الفلوجة بهذه السرعة، فالأميركيون نصحوا بعدم الانجرار وراء كمين كبير يعدّه داعش". ويوضح الضابط أن "داعش جرّ القوات العراقية والمليشيات إلى منطقة قتال يعرفها ويخبرها جيداً، وهي أفضل له من القتال على أسوار الفلوجة، الخالية من أي غطاء يحميه من الطيران".

من جانبه، يكشف ضابط في الشرطة المحليّة في الفلوجة، لـ"العربي الجديد"، أنّ "داعش شنّ أمس الاثنين، هجمات على القطعات العراقية الموجودة وسط مدينة الفلوجة، منطلقاً من جيوبه في المدينة، التي أعاد تنشيطها مجدّداً". ويضيف أنّ "أغلب الأحياء وسط المدينة، ومنها نزّال وجبيل والضباط، تشهد اشتباكات عنيفة لكنّها متقطّعة"، مبيّناً أنّ "التنظيم ينفّذ ضربات وهجمات سريعة وينسحب بشكل خاطف، محاولاً إرباك القوات العراقية وإسقاط أكبر عدد من الخسائر بين صفوفها".

ويلفت الضابط إلى أنّ "التنظيم يكثّف من قصفه العشوائي والدقيق على القوات العراقية بالمدافع والهاونات والصواريخ، ما أسفر عن سقوط عدد من القتلى والجرحى"، مشيراً إلى أنّ "مركز الفلوجة بدا أمس غير آمن، بسبب الاشتباكات والهجمات والقصف الكثيف، التي أعاقت التقدّم نحو شمال المدينة. الأمر الذي يستدعي إعادة حسابات القوات العراقية من جديد، واستحداث خطط عسكرية وفقاً للمعطيات الجديدة".





ويذكر أنّ "القادة الميدانيين طلبوا تعزيزات عسكرية، التي وصلت وانضمت إلى القطعات الأخرى في الفلوجة"، مشدّداً على أنّ "المعركة الآن تتطلّب دوراً أكبر لطيران التحالف الدولي في استهداف جيوب داعش، لأنّ تلك الجيوب لا يمكن القضاء عليها إلّا من خلال القصف الأميركي الدقيق". ويرى الضابط أن "المعركة الحقيقية بدأت، والفلوجة أصبحت أخطر من بداية الاقتحام، ما يستدعي إعادة ترتيب أوراق المعركة التي قد تطول".

في غضون ذلك، تحدث الإعلام الحكومي عن "تقدّم للقوات العراقية في عدد من أحياء الفلوجة". وأفادت خلية الإعلام الحربي، أنّ "قوات الفرقة 14 في الجيش العراقي، تتقدم في الفلوجة باتجاه أهدافها وتقترب من محطة القطار"، مشيرة إلى أنّ "أفواج مغاوير قيادة عمليات بغداد تمكّنت من السيطرة على خط السكك الحديد شمالي الفلوجة".

ويقول قائد عمليات الجيش العراقي في الفلوجة الفريق عبد الوهاب الساعدي، إن "العمليات بالفلوجة مستمرة"، مردفاً في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "هناك معارك مع الإرهابيين داخل المدينة ونعمل على القضاء عليهم خلال الأيام المقبلة".

خلال ذلك، شنّ القيادي في مليشيا "بدر" فاضل الحسن، هجوماً على رئيس الوزراء حيدر العبادي، متهماً إياه بـ"الجبن وإضاعة دماء وتضحيات المليشيات، من خلال استمراره بالكذب في موضوع دخول الحشد الشعبي للفلوجة". ويوضح الحسن في حديث لـ"العربي الجديد"، أن " مجاهدي الحشد الشعبي داخل الفلوجة، ولا صحة لما يعلنه رئيس الوزراء من أن قوات الجيش والشرطة وجهاز مكافحة الإرهاب وحدهم من يوجد في الفلوجة". ويتابع أن "مجاهدي بدر يسيطرون على حي نزال مع الشرطة الاتحادية، وسرايا عاشوراء تشارك الجيش مهمة مسك حي العسكري، شرق الفلوجة، بينما تنتشر "مجاهدو العصائب" في ثلاثة مواقع، أبرزها بين الجسرين، غربي الفلوجة". ويطالب الحسن رئيس الوزراء، بأن يكون "أكثر شجاعة وألا يخاف من الأميركيين أو داعش، والإعلان عن أن الحشد الشعبي هو من دخل الفلوجة".

في هذا الإطار، نشر الحساب الرسمي لأحد فصائل "الحشد الشعبي" على موقع "فيسبوك" مقاطع مصوّرة لعناصر المليشيا، وهم داخل الفلوجة. وتظهر اللقطات أفراد المليشيات وهم يتجولون في الجزء الجنوبي من الفلوجة، ويرددون شعارات طائفية، مرتدين ملابس الشرطة الاتحادية. وهو تأكيد لما نُشر في "العربي الجديد" الأسبوع الماضي، حول مخطط ارتداء المليشيات الزي الرسمي الأمني العراقي.

في هذه الأثناء، يدعو عضو مجلس قضاء الفلوجة الشيخ أحمد المحمدي، إلى إدخال قوات العشائر والشرطة المحلية للمدينة، لحماية منازل المواطنين ومنع عمليات سرقة وحرق كما حدث في مدن أخرى. ويوضح المحمدي في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أنه "وصلتنا معلومات عن حرق سبعة منازل في حي نزال، جنوب الفلوجة. وكانت من المنازل الفخمة، وقد يكون الحرق سبقه سرقتها، ونحن نحمّل رئيس الوزراء نكثه بوعوده ودخول المليشيات إلى المدينة". وكان العبادي قد أعلن في أكثر من مرة عدم دخول مليشيات "الحشد" إلى الفلوجة وبقائها في محيط المدينة، إلا أن هذا الإعلان لاقى في حينها تشكيكا واسعا من قبل أطراف ومنظمات حقوقية مختلفة.

وقد نفّذت المليشيات بمحيط الفلوجة عمليات إعدام ميدانية لمدنيين هربوا من سطوة "داعش"، فيما وثّقت كاميرات فيديو وتسجيلات مسربة عمليات تعذيب. وقد أعلن محافظ الأنبار صهيب الفهداوي، عن تشكيل لجنة تحقيقية حيال تلك الجرائم، فيما نددت الأمم المتحدة ومنظمة العفو الدولية والصليب الأحمر بجرائم وانتهاكات مورست بحق سكان الفلوجة من قبل المليشيات، إلا أن أي نتائج للتحقيق لم تُقدّم حتى الآن، كما أن التقارير تشير إلى أنها ما تزال مستمرة لغاية الآن.

في غضون ذلك، تهتز الرمادي مجدداً بعد هدوء لم يدم طويلاً، بعد أن باتت البلدات الشمالية والشمالية الشرقية من المدينة في قبضة "داعش"، بشكل دفع وزير الدفاع العراقي خالد العبيدي، إلى إعلان حملة عسكرية لاستعادتها، في بيان صدر، أمس الاثنين.

ويلفت ضباط بالجيش العراقي لـ"العربي الجديد"، إلى أن "تشتيت جهود القوات النظامية في الأنبار، التي تعادل مساحة بلد كامل كالأردن، جعل الجبهات جميعها غير مستقرة. وقد تحولت مدن المحافظة إلى ثقب أسود يبتلع القوات العراقية ومليشيات الحشد".

ووفقاً للعميد الركن محمد الطائي، فإن "القوات العراقية تتعرّض يومياً لهجمات انتحارية وأخرى مسلحة، توقع عشرات الخسائر في صفوفها وصفوف المليشيات". ويبيّن في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "الوضع في شمال الرمادي غير مستقرّ، ونحتاج لإرسال قوات إضافية إلى الأنبار للسيطرة على الموقف"، متهماً رئيس الوزراء حيدر العبادي بـ"الاستماع إلى القادة العسكريين الحزبيين، وليس القادة العسكريين الميدانيين".
في سياق منفصل، أصدر العبادي، أمس الاثنين، أمراً بالإسراع في "إنجاز معاملات قتلى الحشد والجيش العراقي، واعتبارهم شهداء من الدرجة الأولى"، وفقا للمتحدث الرسمي باسمه سعد الحديثي.



المساهمون