يوم إضافي من جحيم الغوطة: أكبر موجة تهجير للمدنيين

16 مارس 2018
سوريون فروا من الغوطة يصلون لعدرا أمس(لؤي بشارة/فرانس برس)
+ الخط -
حرص النظام السوري، أمس الخميس، وبالتزامن مع دخول الثورة السورية عامها الثامن، على تأكيد أنه ماضٍ، بدعم وغطاء سياسي وعسكري روسي، في تنفيذ مخطط تهجير أهالي الغوطة الشرقية في دمشق، وتفتيت صفوف المعارضة المسلحة تسهيلاً للاستفراد بكل منها تمهيداً لإخضاعها، مستفيداً من المجازر المتنقلة التي يواصل ارتكابها ومن غض طرف يرقى إلى مستوى التواطؤ على الصعيدين الدولي والعربي.
وبدت المشاهد التي تناقلتها واحتفت بها وسائل إعلام النظام وروسيا للمدنيين وهم يغادرون الغوطة، ضمن ما وصف بأنه أكبر موجة تهجير جماعي، على وقع تقدم النظام في بلدة حمورية، خير معبّر عن الوضع الذي آلت إليه الأوضاع بعد رفض النظام وروسيا أي وقف لإطلاق النار في الغوطة، متجاهلين قرار مجلس الأمن رقم 2401 واستمرا على مدى أيام متواصلة في تنفيذ أعنف حملة قصف جوي ومدفعي على مدنها وبلداتها، ما جعل الهجمات المعاكسة التي قامت بها بعض الفصائل المعارضة غير كافية لوقف تقدم النظام. 
وحتى المناشدات التي صدرت، أمس، من أهالي الغوطة لوقف "المحرقة بيد (بشار) الأسد والروس والإيرانيين" بدت بلا صدى في وقت كانت موسكو تؤكد أنها ستواصل دعم النظام، وبالتزامن مع استعدادها لاستثمار التقدم العسكري الجديد سياسياً خلال القمة التركية الروسية الإيرانية المرتقبة في إسطنبول في 4 إبريل/ نيسان المقبل، فيما سيكون الملف السوري حاضراً أيضاً في اجتماع وزراء خارجية تركيا وايران وروسيا، اليوم الجمعة، بعدما انطلقت، أمس الخميس، الاجتماعات التقنية لممثلي الدول الضامنة لمحادثات أستانة بشأن سورية.

وبدأت ترتسم معالم خطة روسيا والنظام، المتمثلة بشق المعارضة، ليس جغرافياً فقط بين شمال وجنوب، بل عسكرياً وسياسياً أيضاً بين "مهادن ومقاتل"، وذلك مع إعلان وزارة الدفاع الروسية، أمس الخميس، توقف العمليات العسكرية في شمال الغوطة، أي منطقة دوما التي يسيطر عليها "جيش الإسلام"، بحجة "استقرار" المنطقة هناك، مع مواصلة العمليات في بقية أنحاء الغوطة، فيما نفى "جيش الإسلام" أن يكون توصل إلى أي اتفاق مع النظام السوري بشأن هدنة في مدينة دوما، مؤكداً عدم صحة ما نشرته بعض وسائل الإعلام بهذا الصدد.



في هذا الوقت، تواصل روسيا الاستهزاء بالتهديدات الأميركية، وتوجهها إلى مجلس الأمن الدولي للحصول على وقف إطلاق نار في الغوطة، إذ أعلنت موسكو، أمس، أنها ستواصل دعمها لقوات النظام في عملية تهجير الغوطة، وذلك قبل ساعات من الاجتماع الذي عقده الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، أمس الخميس، مع مجلس الأمن الروسي، لبحث الوضع في الغوطة الشرقية والعلاقات المتوترة بين لندن وموسكو.

وقال وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، خلال منتدى في موسكو: "سنواصل مكافحة الإرهابيين، وسنهزمهم. سنهزمهم في الغوطة الشرقية حيث يشن الجيش السوري حالياً عملية بدعمنا". وأضاف "الأهم أن يتوقف التحالف الأميركي الذي يعمل جواً في سورية، ولديه قوات خاصة على الأرض عن دعم الإرهابيين، مثل جبهة النصرة، بما في ذلك في الغوطة الشرقية وغيرها من الأماكن". ويأتي  التعنت الروسي فيما كانت أنقرة تواصل محاولاتها لتجنيب المدنيين في الغوطة مآسي الحرب. وقال المتحدث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم كالن، في مقابلة مع قناة "تي آر تي" التركية، إن "الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يبذل جهوداً دبلوماسية كبيرة لوقف هجمات النظام السوري ضد المدنيين" في الغوطة. ولفت إلى أنّ وزراء خارجية تركيا وروسيا وإيران، سيبحثون ملف الغوطة، خلال اجتماعهم في أستانة، اليوم. وأضاف "النظام يدعي وجود عناصر للنصرة في الغوطة يتراوح عددهم بين 300 و1000 عنصر، ونحن نقول حتى إن كان هذا الادعاء صحيحاً، فإنّ ذلك لا يبرر قصف المدنيين في تلك المنطقة باستمرار، وأجهزة الاستخبارات التركية تعمل حالياً على إخراج عناصر النصرة والآخرين من الغوطة". 


في غضون ذلك، نفى "جيش الإسلام"، أمس الخميس، أن يكون قد توصل إلى أي اتفاق مع النظام السوري بشأن هدنة في مدينة دوما، مؤكداً عدم صحة ما نشرته بعض وسائل الإعلام بهذا الصدد. وقال مدير المكتب السياسي في "جيش الإسلام"، ياسر دلوان، في تغريدة، إن الكلام الذي نسب إليه بهذا الصدد عارٍ من الصحة و"لم أصرح به، وليس لدي وسيلة أنشر عليها إلا حساباتي الرسمية". من جهته، أوضح مسؤول المكتب السياسي في "جيش الإسلام"، محمد علوش، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن نفي دلوان يتعلق بما نشرته بعض المواقع عن توصل بعض الفاعليات في دوما إلى اتفاق مع روسيا على هدنة في المدينة تجنبها المزيد من القصف، وبنود أخرى. وأكد علوش أن ما نشر "كذب وتزوير"، محذراً من انتشار مثل هذه الشائعات، ومشدداً على ضرورة استقاء المعلومات من المصادر الرسمية لـ"جيش الإسلام" فقط. وكانت بعض المواقع نشرت ما قالت إنه نص اتفاق بين "جيش الإسلام" وروسيا يتضمن بعض النقاط "لوضع حد للمآسي التي تعيشها مدينة دوما"، مشيرة إلى أن الاتفاق تم بعد اجتماع ضم عدداً من القيادات والفاعليات بهدف "تحييد مدينة دوما عن القصف والدمار"، وتضمن بعض النقاط، منها إطلاق سراح جميع الموقوفين من قوات النظام والمعتقلين وإفراغ السجون، وفتح طريق معبر المخيم لخروج الجرحى والمصابين، ودخول المواد الغذائية والمساعدات، والخروج إلى إدلب أو درعا لمن أراد، وتشكيل شرطة مدنية من أبناء مدينة دوما تسيّر الأمور، وعودة الدوائر الحكومية للعمل بعد فترة من دخول الاتفاق حيز التنفيذ. وحسب البيان، فقد تمت أيضاً "مناقشة موضوع من أراد تسوية وضعه وخروجه إلى دمشق".

من جهتها، أعلنت وزارة الدفاع الروسية، مساء الأربعاء، عن وقف العمليات العسكرية بشكل كامل في محيط مدينة دوما بالغوطة الشرقية بريف دمشق. وأشارت الوزارة، وفق وسائل إعلام روسية، إلى أن الوضع العسكري في دوما بات مستقراً، لافتة إلى تمديد الهدنة الإنسانية في دوما يومين إضافيين. وأضافت "تم إخراج 437 مدنياً من مدينة دوما عبر الممرات الإنسانية". ورغم أن وائل علوان، المتحدث باسم "فيلق الرحمن"، أبرز فصائل المعارضة العاملة في وسط وجنوب الغوطة، تجنب في حديثه مع "العربي الجديد"، الحديث عن طبيعة ومغزى توقف العمليات العسكرية نسبياً في دوما وتواصلها في بقية المناطق، لكن من الواضح أن روسيا تعمل على تفتيت صفوف المعارضة، والاستفراد بكل جبهة على حدة، لتسهيل إخضاعها الواحدة تلو الأخرى. وقال علوان إن "الغوطة تعيش حالة كارثية، حيث استخدم النظام غاز الكلور في استهداف مدينة حمورية، ما أوقع الكثير من الإصابات بالتزامن مع قصف عنيف جداً بالطيران"، مشيراً إلى "محاولات جديدة قامت بها قوات النظام، صباح الخميس، لاقتحام حمورية، لكن فصائل المعارضة تصدت لها وكبدتها خسائر كبيرة"، فيما ذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان أن قوات النظام سيطرت على حمورية بعد انسحاب المقاتلين منها. وأكد علوان أن "هناك عشرات المصابين لم تستطع فرق الإنقاذ الوصول إليهم بسبب شدة القصف". وأشار إلى أن "الآلة الإعلامية التابعة لروسيا والنظام تحاول التعتيم على ذلك من خلال التركيز على دخول المساعدات إلى الغوطة أو توقف القصف على بعض المناطق أو خروج المدنيين من الغوطة"، معتبراً أن "كل ذلك يندرج في إطار التضليل الإعلامي". وأوضح أن "الهدنة التي يفترض أن تشمل مدينة دوما فقط لم يتم الالتزام بها، وما زالت المدينة تقصف".

في غضون ذلك، قالت مصادر محلية إن قوات النظام السوري والمليشيات المساندة لها تقدمت شرقي بلدة حمورية المحاصرة بالغوطة الشرقية، وأعطت مهلة قصيرة للأهالي لإخلائها. وأوضحت أن قوات النظام سيطرت على الأحياء الشرقية في حمورية، وطلبت من السكان إخلاء الأقبية والملاجئ التي يختبئون فيها والتوجه إلى موقع محدد لنقلهم في حافلات إلى مدينة عدرا. وأكدت المصادر وجود عشرات الجثث لمدنيين في شوارع حمورية، فضلاً عن عشرات المصابين، فيما تداول نشطاء سوريون رسالة من طبيب داخل حمورية جاء فيها أن 5 آلاف عائلة بقيت في البلدة مهددة بـ"الإبادة" في ظل تقدم قوات النظام من عدة جهات وقصفها المكثف للأحياء السكنية بكافة أنواع الأسلحة. وأضاف الطبيب أن "الجرحى في الطرقات لا يمكن نقلهم، الطيران يستهدف كل شيء يتحرك، عشرات العائلات حاولت النزوح تحت وابل القصف لا نعرف مصيرها. إصابات عديدة على الطرقات لا أحد يسعفها"، لافتاً إلى انقطاع الاتصالات بشكل كامل في حمورية.

وكانت قوات النظام بدأت هجوماً على حمورية وسط حملة قصف شديدة. وأشار الدفاع المدني في الغوطة إلى أن الطيران الحربي، الروسي والسوري، ارتكب مجزرة في البلدة راح ضحيتها 13 شخصاً، مشيراً إلى أن طواقمه لم تتمكن من الوصول إلى عشرات الجرحى نتيجة كثافة القصف وإغلاق الطرق المؤدية إلى المنطقة بالركام. كما تم استهداف أحد مراكزه في حمورية، ما أدى إلى مقتل أحد العناصر وخروج المركز عن الخدمة، فيما استهدفت قوات النظام البلدة بغاز الكلور السام، ما أدى إلى حالات اختناق. من جهتها، زعمت قناة "روسيا اليوم" أن قوات النظام "فتحت معبراً جديداً لخروج المدنيين يمر من بلدة حمورية"، فيما تحدثت مصادر النظام عن وصول المدنيين إلى نقاط "الجيش السوري في المدخل الشرقي لبلدة حمورية عبر معابر آمنة حددها الجيش للأهالي مسبقاً"، مدعية أن "المجموعات المسلحة تقوم بقصف الممرات الآمنة بقذائف الهاون لمنع الأهالي من مغادرة بلدة حمورية واستخدامهم كدروع بشرية". كما زعم الإعلام الحربي، التابع للنظام، أن قوات الأخير أمنت خروج نحو 10 آلاف مدني من أهالي الغوطة الشرقية لدمشق من خلال ممر حمورية".

في غضون ذلك، تواصل القصف على بقية مناطق الغوطة، حيث أصيب عدد من المدنيين نتيجة غارات استهدفت بلدة كفربطنا التي سقطت عليها أيضاً عشرات قذائف المدفعية، فيما استهدف الطيران، بالصواريخ والبراميل المتفجرة، بلدات الريحان وسقبا وزملكا وجسرين وعين ترما، ما أدى إلى مقتل وإصابة عشرات المدنيين، في حين دارت اشتباكات بين قوات المعارضة وقوات النظام على جبهة الريحان في محاولة من الأخيرة للتقدم باتجاه البلدة. من جهتها، قالت مصادر النظام إن قوات النظام تصدت لما وصفته "بهجوم عنيف على مواقع قوات النظام في مزارع سقبا الغربية"، مشيرة إلى "اشتباكات عنيفة" تجري بين قوات النظام و"جبهة النصرة" على جبهة الريحان. كما تحدثت مصادر عن هجوم لفصائل المعارضة على المحور الفاصل بين دوما وحرستا لكسر الحصار عن مدينة حرستا الواقعة بالقسم الغربي من الغوطة. وكانت قوات النظام قسمت الغوطة الشرقية إلى ثلاث مناطق، هي دوما التي يسيطر عليها "جيش الإسلام"، وحرستا التي تسيطر عليها "أحرار الشام"، والقطاع الأوسط، الذي يضم حمورية، وسقبا، وجسرين، وكفربطنا، وعربين، وعين ترما، وزملكا، وهي تحت سيطرة "فيلق الرحمن".

ووجه "جيش الإسلام" و"فيلق الرحمن" و"المجلس المحلي للغوطة الشرقية" و"الدفاع المدني السوري" و"الخوذ البيضاء" رسالة مشتركة إلى العالم بشأن ما يحصل في الغوطة، التي "ذنبها أنها انضمت إلى ثورة الشعب السوري للمطالبة بالحرية والديمقراطية والعدالة والتنمية المجتمعية والصناعية والاقتصادية". واعتبروا ما يحصل بأنه "هولوكوست آخر". وأضافوا "تحدث هذه المحرقة في سورية اليوم بيد (بشار) الأسد والروس والإيرانيين". وقالوا إن "أهالي الغوطة المحاصرين، من أطفال وأمهات وكبار ومسنين، بحاجة إليكم لإيقاف جحيم الهولوكوست السوري المتنقل بين المدن والمدنيين السوريين العزل". وقال وزير شؤون الشرق الأوسط في الخارجية البريطانية، أليستير بيرت، لـ"العربي الجديد"، إن "الاستهداف المتواصل والمتعمّد للمدنيين من جانب نظام الأسد، مع ما يستعمله من تكتيكات الحصار التي تعود إلى العصور الوسطى، إنّما تكشف عن مستوى فظاظة وامتهان ووحشية لم نكن نعتقد بأننا سنشهده مرة أخرى في العالم الحديث". وأضاف "تقف بريطانيا جنباً إلى جنب مع الأغلبية العظمى من المجتمع الدولي في دعوته إلى احترام وقف إطلاق النار المتفق عليه في مجلس الأمن الدولي لمدة 24 ساعة. وإننا لا نجد عذراً لاستمرار روسيا في تجاهلها للقرار 2401، وهي التي صوّتت إلى جانبه".