تسريبات بريد العتيبة: الإمارات خططت لحرب مالية ضد قطر عبر التلاعب بالسندات

09 نوفمبر 2017
تسريب جديد من بريد العتيبة (تويتر)
+ الخط -
كشف موقع "إنترسبت" الأميركي، الخميس، وثيقة مسربة من بريد سفير دولة الإمارات في الولايات المتحدة، يوسف العتيبة، أظهرت أن أبوظبي خططت لشن حرب مالية ضد قطر شملت هجوماً على العملة القطرية من خلال التلاعب بالسندات.

وبحسب الخطة التي حصل عليها "إنترسبت" من مجموعة تسمى "غلوبال ليك"، فإن الإمارات استعانت، في سبيل ذلك، ببنك "هافيلاند"، وهو بنك خاص يقع مقره في لوكسمبورغ، ومملوك لأسرة رجل الأعمال البريطاني المثير للجدل ديفيد رولاند.

وتقوم الخطة على أساس تخفيض قيمة سندات قطر وزيادة كلفة تأمينها، مع هدف نهائي يتمثّل في خلق أزمة في العملة من شأنها أن تستنزف احتياطات النقد في البلاد.

وبحسب الموقع الأميركي، فإن لرونالد علاقات وثيقة مع قيادة الإمارات، خاصة مع ولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد، المعروف باسم (MBZ).

ويعمل البنك حاليًا على إنشاء مؤسسة مالية جديدة بالتعاون مع صندوق الثروة السيادي في الإمارات. ومع أن هذا المشروع منفصل عن عملية الحرب على قطر، إلا أنه يعكس العلاقة الوثيقة بين البنك ودولة الإمارات.

ويحمل المشروع تطلّعات كبيرة، إذ يهدف إلى السيطرة على "منحنى العائدات وتحديد المستقبل"، كما يتّضح في وثيقة التخطيط، والتي تُشير إلى رسم بياني يظهر تكاليف اقتراض البلد للديون في تواريخ مختلفة، علماً أن ارتفاع وشكل منحنى العائدات يمثّل انعكاساً لمدى تعافي الاقتصاد، وهو يؤثّر في تحديد خيارات التمويل المتاحة لبلد ما.

وبحسب "إنترسبت"، فإن استهداف اقتصاد دولة ما، باستخدام التلاعب المالي، قد يمثّل افتراقاً دراماتيكيّاً عن المعايير التقليدية للدبلوماسية، بل وحتى الحرب.

وتبدو الخطّة الموضوعة بعيدة المنال، ويظهر أنها صمّمت من قبل شخص ذي خبرة قليلة، أو منعدمة تماماً، في تجارة الأسواق الائتمانية وأسواق العملات، كما يعقّب اثنان من المخضرمين في ذلك المجال، بعد أن راجعا الخطة، مفضّلين عدم ذكر اسميهما لأن حديثهما للصحافة قد يعرّض عملهما للخطر.


ويضيف أحدهما: "لا يمكن أن أصدّق أنهم وضعوا ذلك على الورق.. هم يتحدثون عن التواطؤ للتلاعب بالأسواق".

في هذا الشأن، تمكّن الموقع ذاته من الوصول إلى إدموند رولاند، رئيس بنك هافيلاند إياه، وسأله عن حالة تلك الخطّة، فأجاب: "لم نفعل شيئاً"، وعندما طلب الموقع تفاصيل أخرى قال رولاند إنه لا يستطيع التعليق على الأمر.

بعد المكالمة مع رولاند، تواصل المحامي هيربرت كوزلوف، بالنيابة عن البنك المذكور، مع موقع "إنترسبت"، وقال إن البنك لم يتاجر في السندات القطرية أو في مقايضات التخلف عن سداد الائتمان المطروحة في الخطة.

أما بالنسبة لخطّة ضرب قطر ماليّاً، فقال: "البنك مجموعة مصرفية خاصة مرموقة، وهي لن تستدرج أو تعلّق على ما يمكن اعتبارها وقائع سياسية".

وتشير البيانات الوصفية للوثائق التي حصل عليها "إنترسبت" أيضاً إلى فلاديمير بوليلي، وهو محلل اقتصادي لدى بنك هافيلاند، بوصفه "منشئ" الخطة. لكن موظّف الاستقبال الذي يعمل عند بوليلي رفض مكالمة الموقع، وردّ بالقول إنه "أبلغ من قبل هيرب كوزلوف بألا يتواصل مع هذه الشركة"، في إشارة إلى "إنترسبت".

بنك هافيلاند: سوابق في عمليات "الإفلاس"

أوّل ما يشتهر به بنك هافيلاند هو دوره السابق في إفلاس أيسلندا، والتي انبثق منها كمصرف جديد من فرع بنك "كاوبثينغ" الأيسلندي في لوكسمبورغ. كذلك يشتهر باستعداده للعمل مع عملاء مثيرين للجدل، مثل رجل الأعمال النيجيري كولا ألوكو.

أما دافيد رولاند، فقد أطلق بنك هافيلاند بمساعدة صديقه الأمير أندرو. كان رونالد حليفاً فاعلاً لحزب المحافظين البريطاني، ويقال إنّه مقرّب من رئيس الوزراء البريطاني السابق، ديفيد كاميرون.

عطفاً على ذلك، أشيع أن رولاند دفع نحو 20 ألف جنيه إسترليني للحصول على صورة لكاميرون خلال حملة لجمع التبرعات لحزب المحافظين، وتمّ تعيينه لفترة وجيزة أميناً لصندوق المحافظين في عام 2010، قبل أن ينسحب وسط الجدل حوله. وعلى الرغم من أن رولاند يُدير البنك، تظهر الوثائق الداخلية أن والده، ديفيد، لا يزال مشاركاً في ذلك.

وبحسب "إنترسبت"، فإن الوثائق السريّة التي تحدد خطّة الهجوم المالي على قطر قد تمّ تعميمها بين بنك هافيلاند والسفارة الإماراتية في واشنطن أخيراً في سبتمبر/ أيلول الماضي.

خطة "تلوين الشريط"

الدور الذي يقتضيه وجود مؤسسة مالية خاصة مثل بنك هافيلاند، هو أنّ هذا الأخير سيكون على دراية تامّة بالخطوة الأولى للخطة على النحو المبيّن في الوثائق: إنشاء صندوق استثمار خارجي جديد بهدف إخفاء روابطه بدولة الإمارات. سيحتفظ الصندوق بسندات قطرية مملوكة بالفعل من قبل دولة الإمارات، بالإضافة إلى ديون إضافية يمكن للصندوق شراؤها. وإضافة إلى ذلك، سيشتري الصندوق أيضاً مقايضات التخلف عن سداد الائتمان، والتي من شأن قيمتها أن ترتفع مع انحدار الديون القطرية.

تدعو الخطّة لاحقاً إلى تسريع تشغيل الديون من خلال سلسلة من الصفقات الخفية لخفض سعر السندات القطرية، وهي تقنية تلاعب مالي معروفة باسم "تلوين الشريط"، أو كما تعرف اصطلاحاً بـ"إعطاء صورة خاطئة عن السوق"، إذ يقوم اللاعبون الاقتصاديون في هذه الحالة بمقايضة الصكوك، ذهاباً وإياباً، بهدف خلق مظهر كاذب بوجود حجم كبير من التداولات.

المقصد من وراء ذلك، كما يبيّن الموقع، هو دفع التجار الآخرين، والذين ليسوا جزءاً من الخطة، إلى رؤية الحجم الكبير من التداولات على "الشريط" (مؤشر السوق)، والاعتقاد أن شيئاً مهمّاً يحدث، ما دام حجم التداولات كبيراً في فترة اضطراب سياسي، ما يدفعهم أخيراً إلى البيع.

تلك المبيعات، إذا نجحت التقنية وفق الخطة المرسومة، من شأنها أن تخفض سعر السندات، وتخلق مزيداً من الذعر ومزيداً من المبيعات. ووفقاً لخطة البنك المذكور، فإن الإمارات، كونها اشترت مقايضة الائتمان في حالة التخلف عن الدفع مقابل الدين، ستشهد ارتفاع قيمة ذلك التأمين بينما يهبط الدين القطري.

ومن شأن انخفاض أسعار الدين، مقابل ارتفاع تكاليف مقايضة الائتمان أن يؤشّر إلى أزمة جديدة في الأسواق، ويضع العملة القطرية تحت الضغط؛ إذ إن الريال القطري مرتبط بالدولار الأميركي، وحينما تنخفض قيمته الخارجية، ستضطر الدولة إلى إنفاق مليارات الدولارات من احتياطاتها لرفع قيمته.

بكلمات ملخّصة، فإن ما تخطط له الإمارات عمليّاً هو غشّ قطر، ثم إرهاقها ماليّاً عبر التلاعب بالأسواق المالية الدولية، وكلّ ذلك في الوقت الذي تحصل فيه على نفوذ دبلوماسي ضدّ جارتها. الفرق في هذه الحالة، عن حالات التلاعب المالي المماثلة، والمجرّمة دوليّاً من الأساس، هو أنّ هذه الخطّة ليست مصمّمة لصندوق ربحيّ، بل لدولة تتطلّع إلى تقويض مقدّرات دولة أخرى جارة وذات سيادة.