لهذه الأسباب لم تردّ اليابان على صاروخ كوريا الشمالية

31 اغسطس 2017
كوريون شماليون يتابعون الصاروخ (كيم وون - جين/فرانس برس)
+ الخط -
حامت الشكوك حول الهدف من وراء إطلاق كوريا الشمالية صاروخاً بالستياً فوق اليابان. بالنسبة إلى كثر، فإن الوضع مرتبط بالسياسة والعقوبات الاقتصادية، لكن الجغرافيا تؤدي دوراً هاماً جداً في الصراعات الجيوسياسية. وفي هذا السياق، فإن الأرخبيل الياباني عبارة عن سلسلة طويلة قبالة ساحل شمال آسيا، لذلك فإن أي دولة في المنطقة ترغب في إطلاق صاروخ متوسط أو طويل المدى باتجاه المحيط الهادئ، يجب أن يمر فوق الأرخبيل. ويوم الثلاثاء الماضي، عبر الصاروخ الذي أطلقته كوريا الشمالية مسافة نحو 2700 كيلومتر من مكان انطلاقه، قبل سقوطه في المحيط الهادئ على بعد نحو 1200 كيلومتر قبالة جزيرة هوكايدو، شمالي اليابان.

وقبل ذلك بأسابيع، هددت بيونغ يانغ بإطلاق صواريخ باتجاه جزيرة غوام الأميركية في المحيط الهادئ، على بعد نحو 3500 كيلومتر. وربما اختارت بيونغ يانغ إطلاق هذا الصاروخ بهذا المدى، لتذكير واشنطن بأن لديها القدرات على تنفيذ تهديدها. ولكنها لم تخاطر بإشعال توتر مع أقوى دولة في العالم، واختارت أن تطلق الصاروخ فوق اليابان، وهو الأمر الذي لا يتوقع أن يؤدي إلى رد عسكري. وعليه فإن كوريا الشمالية بإطلاقها الصاروخ تكون قد أزعجت أحد حلفاء الولايات المتحدة اليابان، التي تستضيف قواعد عسكرية أميركية وعشرات آلاف الجنود الأميركيين. وأظهرت بيونغ يانغ أن لديها القوة لضرب غوام إذا أرادت.

في هذا الصدد، قال البروفسور كوه يو-هوان من جامعة دونغوك، إن "بيونغ يانغ ترسل كذلك رسالة بأن اليابان على مرمى صواريخها في حال اندلعت أي حرب". لكن كوريا الشمالية لمحت إلى سبب آخر يجعل من اليابان على مرمى صواريخها وهو التاريخ. فقد أفادت أمس الأربعاء، بأن "الصاروخ تم إطلاقه تزامناً مع الذكرى الـ107 لمعاهدة اليابان - كوريا المخزية، التي وُقّعت عام 1910 واستعمرت بموجبها طوكيو شبه الجزيرة الكورية".

وذكرت وكالة الأنباء الكورية الشمالية الرسمية، أن "الزعيم كيم جونغ ـ أون نفّس عن غضب الشعب الكوري الشمالي المكبوت منذ فترة طويلة". وكان استعمار اليابان لكوريا التي كانت موحّدة في ذلك الوقت إيذاناً بفترة من الحكم القمعي، الذي لم ينتهِ إلا بعد هزيمة اليابان في الحرب العالمية الثانية (1939 ـ 1945)". وأجبر الجيش الإمبراطوري الياباني آلاف النساء الكوريات على العمل في الرق الجنسي في بيوت دعارة مخصصة للجيش خلال الحرب، وهي المسألة التي لا تزال تؤثر على العلاقات بين اليابان والكوريتين حتى الآن. كما توترت العلاقات بين طوكيو وبيونغ يانغ بسبب خطف مواطنين يابانيين خلال السبعينات والثمانينات لتدريب جواسيس كوريين شماليين. 



هذا بالنسبة للتجربة الكورية الشمالية. أما بالنسبة لليابان فإنها استنفدت معظم خياراتها الدبلوماسية. فقد دان معظم دول العالم برنامجي الصواريخ البالستية والأسلحة النووية في كوريا الشمالية، ومثل الولايات المتحدة فرضت اليابان عقوبات على كوريا الشمالية ووسّعتها الأسبوع الماضي.

وقد يدعو رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي إلى تشديد الضغوط على بيونغ يانغ، وربما فرض مزيد من العقوبات، عندما يحضر اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة الشهر المقبل. ويعتقد بعض الخبراء أن "ذلك لن ينتج عنه أي تغيير كبير". كما أن إطلاق الصاروخ يمنح اليابان سبباً لتعزيز نظامها للدفاع الصاروخي بما في ذلك اعتماد برنامج الدفاع الصاروخي الأرضي "إيغيس" ليكمل نظامها الدفاعي البحري، ومن المرجح أن تزيد الدعوات كذلك لإنشاء نظام إنذار مبكر عبر الأقمار الصناعية. وقد يطلق ذلك النقاش حول إنشاء نظام ردع نووي ياباني، خصوصاً إذا أجرت بيونغ يانغ تجربة نووية جديدة. ولكن هذه مسألة حساسة نظراً لتاريخ اليابان يصفتها الدولة الوحيدة في العالم التي تعرضت لهجوم بأسلحة نووية.

وأما في شأن عدم إسقاط اليابان للصاروخ الكوري الشمالي، فتقول طوكيو إنه "لم يكن يشكل تهديداً لأراضيها بل حلّق في أجوائها"، رغم أن السلطات أطلقت تحذيراً لملايين اليابانيين بالاحتماء. ولكن بعض الخبراء يشكون في أن الدفاع الصاروخي في اليابان ربما يكون له حد أقصى للارتفاع لا يتجاوز نحو 500 كيلومتر. وفي حال كان ذلك صحيحاً، فربما لم تكن اليابان قادرة على تدمير الصاروخ الذي وصل ارتفاعه إلى 550 كيلومترا. ويشير في هذا الصدد، وزير الدفاع الياباني ايستونوري أنوديرا، إلى أنه "لن يكشف عن قدرات البلاد، ولكن دعوني أطمئنكم إلى أننا قادرون على اتخاذ الإجراءات الضرورية".

(فرانس برس)