مصر: الاعتذارات والخلافات سبب محدودية التعديل الحكومي

23 ديسمبر 2019
لم يمس التغيير بحقائب خدمية (دانيل شامكين/Getty)
+ الخط -
بعد ستة أشهر تقريباً من المشاورات والمقابلات والتقييم، انتهى المخاض الطويل للتعديل الوزاري في مصر، بإعلان تغييرٍ محدود في تشكيل حكومة مصطفى مدبولي. هذا التغيير لم يُعبّر عن تبدلٍ جذري في سياسات نظام عبد الفتاح السيسي في الملفات الأكثر إلحاحاً للمواطن المصري، بقدر ما يعكس رغبة النظام في تطوير أدوات سيطرته على بعض الأنشطة والأجهزة بعينها، وإبعاد الشخصيات المحسوبة على أجنحة خاسرة أو خفت تأثيرها داخل دائرة السيسي الرئيسية، من دون المساس بأوضاع الحقائب الخدمية الرئيسية أو الوزارات السيادية.

وجاء التعديل مؤكداً لعدد من المعلومات التي انفردت "العربي الجديد" بنشرها في منتصف نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، وعلى رأسها استبعاد وزيرة الاستثمار سحر نصر التي كانت محسوبة على المقربين من رئيس الرقابة الإدارية السابق محمد عرفان، والتي شهدت الشهور الماضية تكرار الخلافات بينها وبين مدير الاستخبارات العامة عباس كامل ومحافظ المصرف المركزي طارق عامر، على خلفية شكاوى المستثمرين الإماراتيين وحكومتهم من ضعف الدعم الحكومي الإداري لمشروعاتهم في مصر. هذا الملف، الذي كان محل خلاف بين القاهرة وأبوظبي منذ مدة، انتهى مؤقتاً الشهر الماضي بزيارة السيسي للإمارات، واجتماعه بولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، وتقديم تعهدات له بتغيير نظام التعامل، سواءً مع المستثمرين، أو القروض والمنح لتحسين أسلوب إدارتها والاستفادة منها. وأفضت هذه الوعود في التعديل إلى إضافة حقيبة الاستثمار إلى مسؤوليات رئيس مجلس الوزراء مصطفى مدبولي، إلى جانب ملف الإصلاح الإداري أيضاً، وتصعيد رانيا المشاط من وزارة السياحة إلى وزارة التعاون الدولي، التي تعتبر مهمتها الأولى التعامل مع الجهات المانحة وجلب وإدارة القروض.

أما التعديل الوحيد الذي أجري على الحقائب السيادية باستبعاد وزير العدل حسام عبد الرحيم، فلم يأت فقط بسبب ظروف الأخير الصحية الصعبة، ولكن أيضاً لاعتبار النظام أن عبد الرحيم تراخى في تنفيذ خطة لتحديث أداء الشهر العقاري الذي يعتبر من أكبر مصادر الدخل للدولة، وكذلك لعدم استطاعته السيطرة على غضب القضاة جراء مشكلتهم الأخيرة مع الحكومة ممثلةً في وزارة المالية والخاصة بتحصيل ضريبة الدخل منهم بالنسبة الأعلى وعلى كامل دخولهم وليس رواتبهم الأساسية. وحلّ بدلاً من عبد الرحيم وزير الشؤون النيابية عمر مروان، والذي سبق أن عمل مساعداً لعبد الرحيم لشؤون الشهر العقاري، وتجمعه بالأجهزة ودائرة السيسي علاقة تفاهم وتواصل مستمرة.

وبدلاً من مروان، تمّت الاستعانة بالمستشار علاء فؤاد، الذي كان يتولى منصب المدير التنفيذي للهيئة الوطنية للانتخابات، وكان على رأس إدارة وتنسيق انتخابات الرئاسة الماضية التي فاز بها السيسي باكتساح رغم شبهات التزوير الممنهج والتصويت الجماعي، وكذلك استفتاء التعديلات الدستورية الأخير. وخلال الاستحقاقين، كان فؤاد على اتصال دائم أيضاً مع الاستخبارات، بحسب مصادر قضائية عليمة.


أما أبرز مفاجآت التعديل، فهي عودة وزارة الإعلام كحقيبة دولة - كما نشرت "العربي الجديد" منتصف الشهر الماضي- بعدما تمت تصفية جهازها الإداري واختصاصاتها القانونية على مدار السنوات الثلاث الماضية ونقلها لكل من المجلس الأعلى للإعلام، والهيئة الوطنية للإعلام. وتم إسناد حقيبة الإعلام إلى النائب ووزير الإعلام السابق أسامة هيكل، في تجاهل واضح لرئيس مجلس إدارة مؤسسة الأخبار ياسر رزق، والذي كان أبرز المطالبين بعودة هذه الوزارة والمروجين لنفسه كوزير لها.

وقالت مصادر إعلامية مطلعة، إن رزق لم يتم عرض الحقيبة عليه من الأساس نظراً للفتور الذي أصاب علاقته بالشخصيات المؤثرة والقريبة من السيسي، بسبب رغبته في ترويج وتطبيق أجندة خاصة به بعيدة عن أهدافهم، ونشره العديد من المقالات التي تحتوي ادعاءات غير صحيحة منسوبة لدائرة الرئيس، مثل التبشير بحدوث انفراجة سياسية.

من جهته، قال مصدر برلماني من حزب موالٍ للنظام، إن سبب عودة وزارة الإعلام هو رغبة النظام في السيطرة على المشاكل الشخصية والمهنية المتصاعدة بين المجلس الأعلى للإعلام والهيئة الوطنية للإعلام، وفي الوقت ذاته التحكم في سياسة كل منهما والإشراف على عملهما وتنفيذهما لتوجيهات دائرة السيسي، إلى جانب تولي مسؤولية التحدث باسم الدولة في الأوقات الصعبة، في ظل ثقة الاستخبارات والجيش بأسامة هيكل.

وشهد التعديل أيضاً إبعاد الفريق يونس المصري من وزارة الطيران المدني، وتعيين أحد أبناء قطاع الطيران المدني وشركة مصر للطيران، وهو محمد منار عنبة. وقال مصدر في الوزارة إن هذا التغيير كان متوقعاً، بسبب فشل المصري في إنجاز العديد من المهام التي كلف بها في ملف تحديث العمل داخل المطارات، خاصة الإقليمية، للوفاء بالتزامات مصر تجاه بعض الدول كروسيا وبريطانيا وألمانيا، وضعف سيطرته على قطاعات الوزارة التي لم يكن يعلم عنها الكثير.

ومن العناوين البارزة أيضاً في التعديل الوزاري، تعيين 11 نائباً للوزراء. وبحسب المصادر، فقد عُقدت لهم جميعاً مقابلات في جهاز الاستخبارات، وتم التنويه لبعضهم بأنهم مرشحون للحقائب الوزارية وليس لنيابة الوزراء، وهو ما يعكس مجموعة من أهداف السيسي من تعيينهم، أولها إبقاء الوزراء تحت الضغط، وثانيها تعدد مستويات السلطة، وثالثها توزيع الصلاحيات التنفيذية في الملفات الخدمية الكبيرة التي تتطلب متابعة أكبر مثل التعليم والصحة.

وكشفت مصادر في مجلس الوزراء لـ"العربي الجديد" أن رئيس الوزراء مصطفى مدبولي لم يكن يعلم بجميع تفاصيل التعديل حتى فجر أمس الأحد، خصوصاً مسألة إسناد حقيبة الاستثمار إليه، لكنه كان صاحب اقتراح فصل اختصاص الإصلاح الإداري عن حقيبة التخطيط التي تتولاها الوزيرة هالة السعيد، والتي تمت إضافة اختصاص التنمية الاقتصادية لها.

وأضافت المصادر أن المشاورات الحكومية جرت بالكامل بين الرئاسة والاستخبارات والرقابة الإدارية، وأن استشارة مدبولي في بعض الأسماء جاءت في إطار تقييم الوزراء السابقين، وما إذا كان يملك بعض المعلومات عن الأسماء المرشحة.

وذكرت المصادر أن من بين المقترحات التي تم التراجع عنها في اللحظات الأخيرة، إلغاء منصب نائب رئيس الوزراء، حيث كان السيسي يرغب في استحداث منصبي نائب رئيس وزراء للشؤون الاقتصادية تتولاه هالة السعيد، ونائب رئيس وزراء للشؤون الخدمية يتولاه وزير الكهرباء محمد شاكر المرقبي. لكن بعض المقربين من السيسي نصحوه أنه في هذه الحالة، سيتحتم عليه تعيين وزير الدفاع محمد زكي نائباً لرئيس الوزراء أيضاً، مراعاةً لما وصفوه بـ"مظهر المؤسسة العسكرية"، لكن السيسي رفض ذلك، لعدم الحاجة إليه، فتم إلغاء المقترح.

وأوضحت المصادر أن من أسباب تأخر التعديل الحكومي طوال هذه الفترة، وظهوره في النهاية بصورة محدودة ومتواضعة، تعدد اعتذارات المرشحين للحقائب الوزارية، حيث تهرب عددٌ كبير من المسؤولين الفنيين داخل الوزارات والأكاديميين من تولي المسؤولية خشية "الحرق الإعلامي"، وبسبب المشاكل بين الوزارات، وكذلك خضوع أعمال الوزراء لرقابة عددٍ كبير من الأجهزة والدوائر، وبصفة خاصة الرقابة الإدارية والاستخبارات العامة.

ومن أسباب التأخير كذلك، عدم رضا السيسي نفسه عن الأسماء المرشحة من قبل الأجهزة من داخل الحكومة لخلافة رئيس الوزراء الحالي مصطفى مدبولي الذي كان مدير الاستخبارات عباس كامل يسعى لإطاحته، وكذلك اعتذار عدد من الخبراء المصريين الاقتصاديين العاملين خارج البلاد حالياً عن تولي تلك المهمة، خشية "الحرق السياسي والإعلامي" أيضاً. هؤلاء فضلوا الاستمرار في وظائفهم بالمنظمات الأجنبية، على الرغم من تلقيهم، وللمرة الأولى، اتصالات لطلب المساعدة من دائرة السيسي، كما نشرت "العربي الجديد" باستفاضة في تقريرين سابقين في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.

كما أن وزير الكهرباء محمد شاكر نفسه سبق أن اعتذر عن رئاسة الحكومة بدعوى أنه "لا يفهم في السياسة" ولا يريد توريط نفسه في أي قرارات ذات طابع سياسي أو اقتصادي، ويرغب في التركيز فقط على ملفه التقني. وكانت مصادر تحدثت سابقاً لـ"العربي الجديد" أفادت بأن جهازي الاستخبارات والرقابة الإدارية استدعيا عدداً من الوزراء الحاليين الشهر الماضي، بدعوى مناقشتهم في حجم إنجازهم ومدى التزامهم بتعليمات السيسي ودائرته. كذلك فقد جرت "مواجهة" بعض هؤلاء الوزراء بعدد من الوقائع المنسوبة لذويهم ومساعديهم والتي تحمل شبهات فساد أو إساءة استغلال السلطة، ولكن بقدر لا يستدعي المساءلة القضائية لقلة الأدلة الدامغة أو عدم التأكد، وذلك لإجراء تقييمٍ نهائي لهم. وممن تم استدعاؤهم وزيرة الاستثمار السابقة سحر نصر ووزير التعليم طارق شوقي ووزير التموين علي مصيلحي ووزيرة الصحة هالة زايد ووزير التنمية المحلية اللواء محمود شعراوي ووزير التجارة والصناعة السابق عمرو نصار ووزير التعليم العالي خالد عبدالغفار ووزير الآثار خالد العناني.