الجزائر: استفتاء على دستور بوتفليقة في سبتمبر المقبل

12 فبراير 2019
يتوجه بوتفليقة للفوز بالانتخابات في إبريل (بلال بن سالم/Getty)
+ الخط -


لم يكن إعلان الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة ترشحه مجدداً للانتخابات الرئاسية في الجزائر مفاجئاً، بل إن المفاجئ كان ألا يترشح بسبب وضعه الصحي المتردي، والذي يبدو أنه كان له التأثير الأكبر على تفكيره، إذ إنه يفكر بتعديل الدستور، بهدف استحداث منصب نائب للرئيس، قد يمهد لمرحلة ما بعد بوتفليقة. لكن كل هذه الأمور تصطدم بإخفاقات تجارب التعديلات الدستورية السابقة وعدم وفاء السلطة لالتزاماتها بتنفيذ خطط إصلاحية سياسية. كما أن الظروف السائدة في البلاد، بسبب وضع بوتفليقة الصحي، لا تتيح للقوى الفاعلة في منظومة الحكم المغامرة بإحداث تغييرات عميقة ومفصلية في نظام الحكم وتوازن الصلاحيات.

وطرح بوتفليقة ديباجة سياسية تتضمن الخطوط العامة لفترة حكمه في الولاية الرئاسية الخامسة، التي يتوجه للفوز بها في انتخابات 18 إبريل/نيسان المقبل، أبرزها إقرار تعديل دستوري ضمن مخرجات مؤتمر وفاق وطني، قد ينقل البلاد من نظام رئاسي إلى نظام برلماني، واستحداث منصب نائب للرئيس يمهد لمرحلة ما بعد بوتفليقة. ويخطط الرئيس الجزائري لطرح دستور جديد، في استفتاء شعبي في سبتمبر/أيلول المقبل، في حال فوزه بانتخابات إبريل.

وقالت مصادر حكومية مسؤولة، لـ"العربي الجديد"، إن بوتفليقة يحتفظ بمجموعة من المقترحات التي كانت طرحت عليه ضمن مشاورات تعديل الدستور التي قادها رئيس ديوانه سابقاً ورئيس الحكومة الحالي أحمد أويحيى، في العام 2014، وقبلها جملة من المقترحات لأحزاب وتنظيمات وشخصيات وطنية، والتي تسلمتها لجنة المشاورات السياسية التي كلف بها بوتفليقة رئيس مجلس الأمة عبد القادر بن صالح، بهدف تكليف لجنة من الخبراء الدستوريين لصياغة دستور جديد. وأكدت المصادر أن "الرئيس يتوخى طرح دستور يتضمن مراجعة شاملة لمنظومة الحكم على ضوء التطورات التي عرفتها الجزائر والتحولات الحاصلة في البنية السياسية والاجتماعية والاقتصادية". وأكدت المصادر الحكومية أنه "ضمن خطة بوتفليقة فإنه سيتم طرح الدستور الجديد للاستفتاء نهاية سبتمبر المقبل، بمناسبة الذكرى 20 للاستفتاء على قانون الوئام المدني (سبتمبر 1999)، والذكرى 14 للاستفتاء على قانون المصالحة الوطنية (28 سبتمبر 2005)، على أن يسبقه دعوة بوتفليقة القوى الوطنية لعقد مؤتمر التوافق الوطني"، مرجحة أن "يُعقد نهاية يونيو/حزيران المقبل". وسيخصص المؤتمر لصياغة أرضية سياسية واجتماعية واقتصادية والحصول على أكبر قدر من التوافق بين القوى الوطنية حول الحلول والخيارات المقترحة.


وأشارت مصادر "العربي الجديد" إلى أن "مسألة استحداث بوتفليقة لمنصب نائب رئيس الجمهورية في الدستور المقبل لا تزال فكرة مطروحة، وإن كانت الفكرة ليست بالحديثة كونها بقيت مطروحة منذ فترة طويلة. وكان من المقرر أن يستحدث بوتفليقة هذا المنصب في دستور فبراير/شباط 2016. وطرح اسمان لشغل المنصب، أحدهما الدبلوماسي السابق لخضر الإبراهيمي، وسلسلة اللقاءات التي تمت بينه وبين الرئيس في تلك الفترة كانت تدخل في هذا السياق، لكن اعتذار الإبراهيمي حينها عن المنصب، بمبرر ابتعاده عن المشهد الجزائري منذ العام 1995، وتقدمه في السن، دفع بوتفليقة إلى التراجع عن الفكرة في المسودة النهائية التي طرحت للتصويت في غرفتي البرلمان، برغم محاولة مقربين من بوتفليقة اقتراح بديل له، وهو رئيس المجلس الدستوري الجديد، الطيب بلعيز، بهدف تخفيف الضغط على الرئيس بسبب مرضه، ووضع مخاطب أول باسم الدولة لدى الشركاء الأجانب، في غياب بوتفليقة عن المحافل الدولية".

وفي السياق، كشف وزير العدل الجزائري، الطيب لوح، في برنامج بثته الإذاعة الرسمية أمس الإثنين، عن بعض المعطيات المتصلة بفحوى التعديل الدستوري الذي يقترح بوتفليقة مناقشته في مؤتمر توافق وطني، بحسب ما جاء في رسالة ترشحه للانتخابات الرئاسية التي نشرها مساء الأحد الماضي. وتشير المعطيات إلى أن "التعديل المرتقب لن يمس بالثوابت الوطنية، ولكن بالمقابل إن اقتضت الضرورة، وبناء على مقترحات التشكيلات السياسية، يمكن الذهاب إلى تعديلات عميقة، تنبثق عن مؤتمر التوافق الوطني، بما فيها مسألة منح صلاحيات أوسع للسلطة التشريعية (البرلمان) في مراقبة السلطة التنفيذية (الحكومة)". ولم يُشر وزير العدل إلى مدى جدية وجود مقترح لاستحداث منصب نائب لرئيس الجمهورية، لكن الكثير من المصادر تؤكد أن "في محيط بوتفليقة من يبدو مقتنعاً بالفكرة ويدفع باتجاه تضمينها في التعديل المقبل، باعتبار أنها مفتاح رئيسي لمرحلة تحديد الشخصية الفاعلة والمحورية لمرحلة ما بعد بوتفليقة"، وذلك في سياق تدافع محموم للإرادات السياسية بين مجموعات مقربة من بوتفليقة، ترغب في تقاسم الواجهات السياسية للحكم، الموزعة على الرئاسة والبرلمان ومجلس الأمة ورئاسة الحكومة وقيادة الجيش والاستخبارات.

وبغض النظر عن التفاصيل السياسية التي يمكن أن تدرج في الدستور المقبل، فإنها غالباً ما تبقى دون تفعيل جدي، بالنظر الى أن كثير من النصوص والتعديلات الدستورية السابقة لم تجد لها مكاناً في الواقع السياسي، بينها تعديلات فبراير 2016 التي تمنح المعارضة مشاركة رقابية أوسع في البرلمان، وحق عقد جلسة برلمانية شهرية تحدد كتل المعارضة جدول وقضايا أعمالها، حيث لم تتم أية جلسة في هذا السياق، بالإضافة إلى تشكيل لجان التحقيق النيابية الرقابية وتوسيع الحريات العامة. وبخلاف ذلك، فقد شهدت السنتين الماضيتين تضييقاً رهيباً على الحريات العامة وعلى النشطاء والنقابيين وقوى المعارضة، وتشديد القبضة على وسائل الإعلام. ولا يبدي غالبية الفاعلين السياسيين في الجزائر، خصوصاً في صف المعارضة السياسية، تفاؤلاً بمقترحات بوتفليقة، سواء بشأن تعديل الدستور أو بشأن عقد مؤتمر للتوافق الوطني، على خلفية أن تجارب إصلاحات سياسية ودستورية مماثلة تمت منذ اعتلاء بوتفليقة سدة الحكم في العام 1999، دون أن تؤدي إلى أي تغيير في طبيعة نظام الحكم وسلوك السلطة، أو زيادة في منسوب الحريات وتركيز الديمقراطية الحقيقية واستقلالية القضاء والمؤسسة العدلية.

وأعرب الناشط السياسي في المعارضة، حيدر بن دريهم، عن اعتقاده بأن "أية تعديلات دستورية تطرح من قبل بوتفليقة لن تؤدي إلى زيادة في مركزية السلطة أو تقاسمها بين مجموعات المصالح"، مشيراً إلى أنه "لو كانت للرئيس فعلاً نوايا جدية لإحداث تغيير في المنظومة السياسية وطبيعة نظام الحكم وإصلاحات حقيقية، لأمكنه القيام بذلك خلال العهدات الثلاث الأولى التي كان يتمتع فيها بقدرة أكبر". وأشار بن دريهم إلى تجارب التعديلات الدستورية الأربعة، التي تمت منذ اعتلاء بوتفليقة سدة الحكم في العام 1999، الأول والثاني في 2002 و2005، والتي أقر خلالهما ترسيم اللغة الأمازيغية كلغة وطنية ثم وطنية ورسمية وتجريم المساس بالرموز الوطنية، والثالث في 2008 بهدف إلغاء القيد الدستوري على العهدات الرئاسية، ما سمح له بالترشح لولاية رئاسية جديدة في انتخابات 2009، ثم إقراره دستور فبراير 2016 ، والذي أعاد فيه بوتفليقة تحديد العهدات الرئاسية بعهدتين فقط، دون إدخال أية تعديلات عميقة على طبيعة النظام السياسي وإحداث التوازنات بين السلطات والمؤسسات النيابية والحكومة وتعزيز استقلالية القضاء.

ليست إخفاقات تجارب التعديلات الدستورية السابقة، وعدم وفاء السلطة بالتزاماتها بتنفيذ خطط إصلاحات سياسية أجرت بشأنها مشاورات طويلة الأمد مع الطبقة السياسية والمدنية فقط ما يدفع المراقبين إلى عدم الأخذ بجدية اقتراح بوتفليقة طرح تعديلات عميقة للدستور، لكن الظروف الراهنة المحيطة بالرئيس والبلاد على مشارف تسليم السلطة من قبله في فترة منظورة، لا تتيح للقوى الفاعلة في منظومة الحكم المغامرة بإحداث تغييرات عميقة ومفصلية في نظام الحكم وتوازن الصلاحيات. وقال المحلل السياسي أحسن خلاص "نظرياً، حديث بوتفليقة عن إثراء عميق للدستور معناه أن ذلك سيفضي إلى تغيير النظام الرئاسي بنظام برلماني مثلاً، لكن في رسالة الرئيس ورد أن البرلمان له سلطة الاقتراح فقط، بينما ترجع سلطة القرار النهائي في صياغة المقترحات الدستورية إلى الرئيس نفسه"، لافتاً إلى "استمرار نفس الروح المركزية والشمولية". لن تتوقف الهواجس السياسية للجزائريين في العام 2019 عند حدود الانتخابات الرئاسية المقبلة في إبريل المقبل، لكنها ستذهب في اتجاهات متعددة ذات علاقة بإعادة ترتيب السلطة لأوراقها والاستعداد لتحولات ما بعد بوتفليقة والبوتفليقية.