تنذر الاحتجاجات الشعبية التي شهدتها مدينة الرمثا الواقعة في أقصى شمال الأردن والتابعة لمحافظة أربد مساء الجمعة ـ السبت، بتحوّلات خطيرة تجاه الحكومة الأردنية، وتكشف أن صبر الأردنيين بدأ بالنفاد تجاه السياسات الاقتصادية التي تنتهجها الحكومة. وشهدت مدينة الرمثا التي تنتشر فيها قوات الأمن الأردني بكثافة احتجاجات عنيفة تعبيراً عن رفض الأهالي المعروفين بـ"البحّارة" للإجراءات الحكومية بخصوص معبر جابر الحدودي (نصيب)، والتضييق على تجارتهم عبر الحدود الأردنية السورية، وتخللها إغلاق عدد من الطرق، وإشعال الإطارات في الشوارع، وإطلاق قوات الدرك لقنابل الغاز المسيل للدموع.
وتسبّب في انفجار الأوضاع، قرار صادر عن مجلس الوزراء الأردني، حدد كميات السجائر التي يمكن للمسافر إدخالها معه من المعابر الحدودية بـ"كروز واحد"، والإيعاز بتحديد المسارب الخاصة بالمترددين (مستخدمو المعبر الحدودي بكثافة) وفصلهم عن باقي المسافرين. وأكدت الحكومة، في بيان أمس السبت، أنّ الإجراءات التي اتخذتها للحدّ من عمليّات التهريب لم تستهدف معبر جابر الحدودي فحسب، وإنما كل المعابر، البرية والبحرية والجوية في الأردن، مضيفة أنّ هذه الإجراءات تهدف إلى حماية البلاد من مخاطر تهريب الدخان والمخدرات وكذلك السلاح، التي تزايدت بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة بشكل يهدّد المجتمع وأمنه واقتصاده.
وتشهد العلاقة بين الحكومة الأردنية والمواطنين توتراً كبيراً في الآونة الأخيرة بسبب الأوضاع الاقتصادية، في منحى تصاعدي منذ عودة الاحتجاجات الشعبية كل يوم خميس إلى الشارع قبل نحو 9 أشهر، بعد إقرار حكومة عمر الرزاز قانون ضريبة الدخل، الذي تسبّب برحيل حكومة هاني الملقي.
وقال النائب في البرلمان الأردني، صداح الحباشنة، لـ"العربي الجديد"، إن "ما حدث من استخدام مفرط للقوة ورد فعل أبناء الرمثا على ذلك يثبت الفشل الذريع لحكومة الرزاز في إدارة هذه الأزمة"، مشيراً إلى ان قرار الحكومة كان مفاجئاً بسبب وجود مفاوضات بين الحكومة وأهالي الرمثا.
وشدد الحباشنة على أن الأهم من إسقاط الحكومات إسقاط نهجها "القائم على الجباية"، لافتاً إلى ما سماه فشل الحكومة بإدارة المرحلة والتعامل مع القضايا الوطنية خصوصاً في الشقين الاقتصادي والأمني، الأمر الذي يتطلب وفق وجهة نظره رحيل حكومة الرزاز الفاشلة. وتابع أن هذه الحكومة لا تملك برنامجاً إلا رفع الأسعار وفرض الضرائب الجديدة، مضيفاً أن الأجدر بهذه الحكومة أن تحل الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها الأردن عن طريق خلق فرص للعمل، وتنمية المناطق عن طريق إيجاد الاستثمارات التنموية.
وأضاف الحباشنة: "حذّرنا سابقاً عندما تم إعادة تعيين سلامة حماد وزيراً للداخلية من أسلوب إدارته للأزمات، وأن المرحلة المقبلة سوف تكون مرحلة صدام ومرحلة تأزيم ومرحلة يسودها القمع والتنكيل بالشعب وهذا ما حصل للأسف بالأمس"، مضيفاً أن الأردن لا يحتمل افتعال المشاكل. وتابع "نحن أمام عقلية لا تعرف إلا لغة القمع والتأجيج والتأزيم وبعيدة كل البعد عن أي حل آخر كالدبلوماسية واستخدام لغة الحوار في حل أي مشكلة أو أزمة تنشأ"، مشيراً إلى ما وصفه باعتقال الحكومة للأحرار وزجهم في السجون. وقال "كان على حكومة الرزاز الساقطة شعبياً أن تفتح باب الحوار معهم وتحل مشاكلهم بالتوافق لا أن تتحداهم وتقمعهم وتستفزهم".
ولفت إلى أن "أبناء الرمثا واجهوا ثماني سنوات عجاف عندما تم اغلاق الحدود مع سورية بعد أن تخلت عنهم الحكومات المتعاقبة وتركتهم يواجهون مصيرهم من بطالة وفقر، وخلال هذه الفترة لم تخلق الحكومة أي فرص عمل حقيقية وبدائل"، مشيراً إلى أن ما تعرضت له الرمثا تعاني منه العديد من المناطق الحدودية، والمناطق المهمشة في الأردن.
من جهته، قال الرئيس السابق للجمعية الأردنية للعلوم السياسية، خالد الشنيكات، في حديث لـ"العربي الجديد": "يبدو أن السيناريو الذي حدث مع حكومة الملقي، قد يتكرر مع حكومة الرزاز إذا ما استمرت ذات السياسة، خصوصاً أن صبر المواطن وتحمله للحكومة قد أوشك على النفاد، بسبب الإدارة الاقتصادية وتصريحات بعض الوزراء التي تبدو غير مفهومة تحديداً تجاه السياسات المستقبلية، وتبدو الكثير منها لطبقات الشعب الأردني استفزازية".
وأوضح الشنيكات أن الأزمة التي بدأت في الرمثا والاحتجاجات على القرارات الحكومية في جوهرها اقتصادية، وتعكس فشل الحكومة حتى هذه اللحظة في إدارة السياسة الاقتصادية، خصوصاً مع تزايد العجز في الموازنة العامة، على الرغم من مرور أكثر من عام على تشكيلها وتوليها السلطة. وأضاف أن استمرار الاحتجاجات أو توقفها يرتبط بمتغيرات منها كيفية تعامل الحكومة ومعالجتها للموضوع الاقتصادي، بالإضافة للعوامل الخارجية ومدى التحاق فئات أخرى من المجتمع ومدن أخرى بهذه الاحتجاجات.
وقال "حتى هذه اللحظة الحكومة عاجزة عن إيجاد مخرج حقيقي للأزمة الاقتصادية، وهي استمرار لنهج حكومة هاني الملقي، وحكومة عبدالله النسور قبلها"، موضحاً أن كل السياسات الاقتصادية للحكومات تصب في ذات الاتجاه وهو الإعتماد على الضرائب بشكل كبير لتمويل نفقات الدولة، وهذا دفع كثيرا من المواطنين إلى الاحتجاج والشعور بالتذمر، خصوصاً مع ارتفاع نسبة الفقر بالأردن إلى 18 في المائة وفق تقارير حكومية، مما يعني أن الطبقة الوسطى مهددة بالتلاشي.
وتوقع أنه "في حال استمرت هذه الحكومة بهذه الطريقة ستنتج احتجاجات أخرى وقد تتفاعل هذه الاحتجاجات وتصل إلى الدفع بإجراء تغيير جوهري على عمل الحكومة"، متابعاً "الحكومة تشكو من ضيق ذات اليد، وتعزو سبب الأزمة لظروف خارجية، ولكن المواطن يرى بشكل كبير أن المشكلة تكمن في سوء الإدارة في الإنفاق وتوزيع الموارد، وسوء إدارة الموارد وسوء إدارة السلطة وهي واضحة من شعارات الاحتجاجات، وعدم تعيين الشخص المناسب في المكان المناسب".
واعتبر الشنيكات أن الحكومة الحالية لم تكن أكثر من استنساخ للحكومات السابقة، على الرغم من أنها جاءت على خلفية أزمة اقتصادية واحتجاجات شعبية عصفت بسابقتها، قائلاً "من الواضح أن الأردن سيقدم على خطوات قد تكون أكثر شدة في الموضوع الاقتصادي في ظل تزايد العجز، خصوصاً أنه مرتبط باتفاقيات مع صندوق النقد الدولي، ووضع اقليمي عير مستقر، وكذلك التداعيات المرتبطة بصفقة القرن (خطة الإملاءات الأميركية لتصفية القضية الفلسطينية) ومنها احتمال التضييق الاقتصادي على الأردن".
وأضحت الساحة الأردنية بيئة خصبة ومناسبة لتكاثر الاعتصامات والإضرابات والاحتجاجات المعيشية، بسبب غياب الإصلاح، وتصاعد حدة الأزمة الاقتصادية التي تضرب البلاد، بالتلازم مع سوء الإدارة الحكومية. وتلجأ فئات متعددة من المجتمع الأردني إلى ساحات الاعتصام، ومنهم ضباط أمن متقاعدون، وحملة شهادات دكتوراه، وعاطلون عن العمل، وموظفو جامعات، وعاملون على سيارات التطبيقات الذكية، وطلاب، وعاملون في القطاعات الحكومية والخاصة، بحثاً عن حلول لمطالبهم، بعد أن فشلت الوسائل الأخرى في تحصيل حقوقهم. ولم يختلف نهج حكومة رئيس الوزراء الأردني عمر الرزاز كثيراً، عن نهج حكومة هاني الملقي التي أطيح بها إثر تظاهرات واسعة في يونيو/حزيران 2018.