عادت المظاهرات الطلابية الداعمة للحراك الشعبي في الجزائر إلى عدد من المدن والولايات، التي كانت قد توقف فيها الطلبة عن التظاهر قبل أشهر، بعد الإعلان عن قائمة المرشحين الخمسة للانتخابات الرئاسية المقبلة، والمظاهرات غير المسبوقة التي شهدتها العاصمة وعدد من المدن الجمعة الأخيرة.
وتظاهر طلبة جامعة باتنة شرقي الجزائر، للمرة الأولى منذ أشهر، دعماً للحراك الشعبي، وخرجوا في مسيرة وسط المدينة للتعبير عن رفضهم لإجراء الانتخابات الرئاسية، خاصة بعد إعلان الهيئة المستقلة للانتخابات عن قائمة المرشحين الخمسة، وكلهم كانوا من رموز النظام السابق في مستويات وفترات مختلفة. ورفع الطلبة لافتات تدين الاعتداء على القضاة داخل محكمة وهران غربي الجزائر، وتطالب بالإفراج فوراً عن الناشطين الموقوفين في السجون.
وشهدت مدينة الشلف غربي الجزائر عودة مماثلة لمظاهرات الطلبة، استجابة لنداء لجان طلابية محلية، رفعت خلالها شعارات تطالب بالاستجابة لمطالب الشعب ورفض هيمنة المؤسسة العسكرية على سلطة القرار السياسي، ومحاسبة الفاسدين. كذلك جدد المتظاهرون الموقف بشأن رفض إقامة انتخابات رئاسية في ظل استمرار وجود حكومة نور الدين بدوي.
وخرج طلبة جامعة بسكرة جنوبي الجزائر للتظاهر اليوم الثلاثاء دعماً للحراك الشعبي ومطالبه، والدعوة إلى تحقيق استقلالية العدالة، كما خرج طلبة جامعة المسيلة في مظاهرة هي الأولى لهم منذ أسابيع، وطلبة جامعة مستغانم غربي الجزائر في مسيرة للمطالبة بالتغيير الجذري ورحيل كل رموز نظام الرئيس السابق، عبد العزيز بوتفليقة واحترام استقلالية العدالة.
وتظاهر الطلبة بقوة في شوارع مدينة قسنطينة شرقي الجزائر للمطالبة، ودعوا لاحترام حق الشعب الجزائري في السيادة على قراره السياسي، وخرج طلبة جامعة آكلي محند أولحاج بولاية البويرة قرب العاصمة الجزائرية في مظاهرة رفعت خلالها لافتات تدعو إلى التغيير السياسي واستبعاد كل رموز النظام وبقاياه، وتوجه المتظاهرون إلى مقر مجلس القضاء بالبويرة للتضامن مع القضاة ومع ناشطي الحراك الشعبي الموقوفين في السجون.
وبرأي مراقبين لخريطة المظاهرات الطلابية اليوم الثلاثاء فإن ثلاثة عوامل تكمن وراء عودة الطلبة للتظاهر في بعض الولايات والمدن الجامعية، تتعلق بالصدمة السياسية التي أصابت مجموع الجزائريين في أعقاب الكشف عن قائمة المرشحين الخمسة لانتخابات الرئاسة، خاصة أن معظمهم كانوا من داعمي بوتفليقة، وهو ما يؤشر على انتخابات مغلقة داخل مربع النظام دون أي أفق للتغيير السياسي، إضافة إلى استخدام السلطات القوة ضد القضاة داخل حرم مؤسسة قضائية، وهو ما يؤشر على توجه النظام إلى فرض قراراته وتوجهاته باستخدام القوة الأمنية.
ويبرز في السياق العامل الأبرز الذي شجع على عودة المظاهرات الطلابية في هذه المدن، وهو المشاركة الكبيرة وغير المسبوقة لملايين الجزائريين في مظاهرات الجمعة الماضية في العاصمة و41 ولاية من مجموع 48 ولاية في الجزائر، وهي المظاهرات التي كشفت عن عودة قوية للحراك الشعبي وتمسك بمطالبه السياسية المتعلقة بالتغيير ورحيل رموز النظام وحكومة بدوي، وإرجاء الانتخابات الرئاسية المقبلة المقررة في شهر ديسمبر/ كانون الأول، حتى التوافق على الترتيبات التنظيمية والسياسية للمرحلة المقبلة.
وفي العاصمة الجزائرية خرج الآلاف من الطلبة في مظاهرة صاخبة على الرغم من نزول الأمطار، وتجمع الطلبة في ساحة الشهداء قبل الانطلاق باتجاه وسط العاصمة، مروراً بشارع العربي بن مهيدي وساحة الأمير عبد القادر وساحة البريد المركزي وأودان. ورفعت في هذه المظاهرات شعارات تدعو للحفاظ على سلمية الحراك وعدم الانجرار إلى مخططات خلق توترات قد تستغلها السلطة، ورفض التنازل عن مطالب الحراك الشعبي برغم القمع والاعتقالات، كإحدى اللافتات التي كتب عليها "أنتم بالقمع والتخوين نحن بالتصعيد".
ودان الطلبة الاعتداء على القضاة وطالبوا بتحقيق استقلالية العدالة، "عدالة مستقلة تساوي جزائر مستقلة"، ورفعوا شعارات تطالب بالإفراج عن الناشطين الموقوفين في السجون، وأبرزهم المناضل الثوري لخضر بورقعة، إذ صمّم المتظاهرون قناعاً يحمل صورته تم ارتداؤه من قبل عدد من المتظاهرين، في استحضار رمزي لشخصه في الحراك.
ونشرت السلطات أعداداً كبيرة من قوات الأمن وفرق مكافحة في شوارع العاصمة والشوارع الرئيسية التي يتم التظاهر فيها من قبل الطلبة، لكنها لم تتدخل وبقيت في حالة تأهب، تجنباً للصدام مع الطلبة والمتظاهرين، خاصة بعد الانتقادات الحادة التي وجهت إلى المؤسسة الأمنية بعد أحداث قمع مظاهرات الطلبة في السابع أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
وخصص الطلبة والمتظاهرون حيزاً مهماً من الهتافات المناوئة لإجراء الانتخابات الرئاسية المقبلة، ورفعوا شعار "12 ديسمبر يتنحاو كاع"، (يرحلوا جميعاً)، و"لا انتخابات مع العصابات"؛ في إشارة إلى حكومة بدوي التي يطالب الجميع باستبعادها، ورفعت صور بعض المرشحين وعليها شارة حمراء كتعبير عن رفضهم.
وفيما نجحت مجموعة أولى من الطلبة في الوصول إلى مقر البرلمان للتظاهر رفضاً لقانون المحروقات الذي كان قيد المناقشة من قبل النواب، والذي يصفه الطلبة برشوة دولية تقدمها السلطة للشركات الغربية مقابل صمتها على المسار الذي تفرضه في الجزائر، أقامت قوات الأمن سداً بشرياً لمنع مرور أفواج أخرى من المتظاهرين. وشهدت المسيرات الطلابية مشاركة أعداد من المواطنين دعماً للطلبة ولمطالب الحراك الشعبي.